علقت بالأمس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ترأسها كمال الجندوبي أشغالها المتعلقة بانتخابات 23 أكتوبر بعد أن مثلت مفترقا هاما في تاريخ تونس استنادا الى أنها قطعت مع تلك الصورة القاتمة للانتخابات لتؤشر لأخرى ناصعة عنوانها الشفافية والنزاهة والحياد بشهادة ملاحظين ومراقبين دوليين لتفرز هيئة الجندوبي انتخاب أول مجلس تأسيسي شرعي فاقت نسبة المشاركة فيه كل التوقعات. وتقتضي المصداقية والنجاح التي اكتسبتهما هيئة الجندوبي فضلا عن الإشعاع الذي حققته لتونس في الخارج أن تسارع الحكومة في عرض مقترحها الانتخابي أمام أنظار نواب المجلس التأسيسي خاصة أن مبادرة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي، أو ما يعرف بخارطة الطريق التي أعلن عنها عقب المصادقة على المشروع التكميلي لميزانية 2012 قد ضبط فيها موعدين هامين: يتمثل الأول في الانتهاء من صياغة الدستور في اجل اقصاه 23 أكتوبر القادم على أن يتم إثرها تركيز الأسس اللازمة للانتخابات القادمة. وليكون بذلك موعد الاستحقاق الانتخابي القادم على الأرجح خلال ربيع أو صائفة 2013 وفقا لما حدده رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي. ويعتبر البعض أن مبادرة بن جعفر لا تعدو أن تكون سوى مجرد مبادرة أو مزايدة سياسية جاءت لتخفف من الضغط السياسي الذي مورس في الفترة الأخيرة على المجلس بشان تفعيل عمل الهيئة الجديدة من جهة ولإعادة الثقة في قبة المجلس التأسيسي من جهة اخرى بعد أن أفل نجمه نسبيا في الآونة الأخيرة خاصة انه الى اليوم لم يعرض مقترح الحكومة الانتخابي علما أن الموعد الذي ضبط يتطلب الاستعداد والعمل من الآن لا سيما ان كمال الجندوبي كان قد دعا إلى تفعيل الهيئة المنتهية مهامها وفق ضوابط موضوعية ودون تدخل أي طرف حتى تكون الانتخابات المقبلة شفافة ونزيهة ومعترفا بها. ان بداية العد التنازلي للاستحقاق الانتخابي القادم الذي ضبط من قبل رئيس الحكومة المؤقت يقتضي تفعيل عمل الهيئة الجديدة للانتخابات للقطع مع كل مظاهر التشكيك التي قد تطالها حتى قبل مباشرتها لمهام. فالمهم هو الانطلاق الفعلي في العمل حتى يتسنى ضبط جميع التصورات للهيئة الجديدة للانتخابات. ولكن بقدرما نلتمس من الحكومة التعجيل في عرض مقترحها لتركيبة هيئة الانتخابات الجديدة، بقدر ما نؤكد على ضرورة أن تتنصل تركيبة الهيئة القادمة للانتخابات من مبدأ المحاصصة وسياسة الانتماءات و الولاءات الحزبية. وهو التماس يجد صداه في ظل التعيينات الأخيرة التي قامت بها الحكومة على راس المؤسسات والمنشآت العمومية والتي رمت عرض الحائط ما يسمى بحيادية الإدارة. إن الارتكاز على مبدأ المحاصصة الحزبية في تركيبة هيئة الانتخابات القادمة من شانه أن يكون بمثابة الضربة القاضية للهيئة الجديدة للانتخابات حتى قبل مباشرتها لمهامها لان مبدأ المحاصصة يتنافى ومبدأ الاستقلالية وهو ما من شانه أن يشكك في نجاعة العملية الانتخابية حتى قبل انطلاقتها. فالفشل في ضمان استقلالية هيئة الانتخابات من شانه أن يؤجج الأوضاع من جديد استنادا الى أن عنصر الثقة في العملية الانتخابية مفقود وبالتالي فان نتائج الانتخابات ستكون محل تشكيك وستدخل البلاد في متاهات هي في غنى عنها.