عرّف الجنرال ديغول رجل الدولة على انه «الرجل القادر على اتخاذ القرارات الصعبة كلما فرضت الظروف ذلك» و يبدو اليوم واضحا جليا ان وقت القرارات الصعبة جدا قد حان ولم يعد من الممكن تأخيره أكثر مخافة أن يتسع الفتق على الراتق في ميدان أمن المواطن والوطن. فقد ذكر السيد علي العريض يوم أول أمس ان قانون الطوارئ مازال ساري المفعول في البلاد وان القانون عدد 4 لسنة 1969 المنظم لكيفية التعاطي مع التجمهر والمنظم ايضا للتدرج في استعمال القوة والمخول لاستعمال الرصاص الحي في بعض الحالات مازال مفعلا، موضحا انه «وقع التساهل الى حد الان «احتراما للحريات» بينما الواقع هو ان الامر في احيان عديدة لم تكن له علاقة البتة بالحريات كحرق مراكز الامن والحرس والاعتداء على وسائل العمل في عديد المؤسسات ومحاولات شل نشاطات اخرى كما وقع في المعمل الوحيد للاسمنت الابيض بتونس او بالنسبة لنقل الفسفاط. إن التساهل المومأ اليه طال أكثر من اللزوم حتى أننا طالبنا في احدى افتتاحياتنا السابقة القائمين على شؤون السلطة في البلاد ان يبرهنوا على انهم رجال دولة فعلا اذ ان الاحداث المتسارعة في البلاد، والتي بلغت ذروتها مؤخرا في سيدي بوزيد وجندوبة سبقتها اشارات عديدة على ان الامور تكاد تخرج عن نطاق السيطرة وان الفوضى الحقيقية بدأت تتهددنا. فتوفير الامن هو احدى المسؤوليات الرئيسية للدولة، وهي وحدها التي تحتكر «العنف الشرعي» وفي غياب الامن تعطل كل اوجه الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية بل وحتى الرياضية في مرحلة اولى لتشل كليا في مرحلة ثانية والطريق بين المرحلتين قصيرة جدا. وإن تراجع هيبة الدولة اصبح يدفع الى الاستعداء عليها وفي كل يوم قطاعات جديدة تتأثر بهذه الظاهرة فإثر الاعلان عن نتائج نصيب مدينة ام العرايس من انتدابات شركة فسفاط قفصة اشتعلت المدينة بفعل اعمال «وندالية» أقدمت عليها مجموعات من المراهقين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاما لا علاقة لهم من قريب او بعيد بالانتدابات. إن الثورة اهدت لنا الحرية ولكنها لم تهد لنا الفوضى. اما هديتها الثانية فيجب ان تتمثل في سيادة القانون وعلويته وتطبيقه على الجميع دون أدنى تمييز او حيف ودون.. تراخ أيضا بحكم دقة المرحلة وحساسيتها والأخطار التي تتهدد ثورتنا.