تورط العديد من الصحفيين خلال العهد البائد في معاملات مشبوهة مع مختلف وحدات البوليس السياسي وما اكثرها في ذلك العهد من مصالح امن الدولة واستعلامات وارشاد الخ.. فكانوا أداة تجسس على زملائهم وعلى نشطاء المجتمع المدني والمعارضين واعضاء السلك الديبلوماسي المعتمدين في بلادنا كما أجّروا اقلامهم لتلميع صورة النظام داخليا وخارجيا ولارهاب زملائهم وللتآمر على الهياكل المهنية التي تمثلهم لتدجينها وشلها. ونالوا مقابل خدماتهم المدفوعة الاجر هذه عديد الامتيازات المعنوية والمادية وبعض الاسماء نالت مئات الالاف من الدينارات وبعضها الاخر منحوا «مؤسسات صحفية» اندثر بعضها اثر الثورة ومازال بعضها قائما الى اليوم بعد ان انقلب بين عشية وضحاها الى مدافع عن الثورة واستحقاقاتها وهو يحاول في واقع الامر بخبث ودهاء افشالها بشتى الوسائل ومن بينها ادخالها في متاهات لاحصر لها وبرفع راية المصالحة متناسيا المحاسبة وممهدا الاجواء لعودة التجمعيين للواجهة وبالايهام بان كل شيء هو اليوم اسود حالك.. وبان البلاد تحترق وان محاكمات قتلة الشهداء هي مسرحية سيئة الاخراج.. وان الحكومة لم تفعل شيئا للجرحى كما لم تفعل شيئا لعائلات الشهداء وكلما برز شبح المحاسبة والمساءلة في ميدان ما في القضاء او الامن او غيرهما الا ووقع التعلل كذبا وبهتانا بحقوق الانسان لخلق وضعية شلل مطلق Bloquage تعرقل كل اصلاح وتؤخر كل عملية محاسبة الى ما لا نهاية له وفي نفس الوقت ينبري هؤلاء الذين اجروا ذممهم واقلامهم للنظام المافيوزي السابق وكانوا عيونا لمخابراته لاتهام زملائهم الشرفاء بالعمالة للنظام وب«المخابراتية» حتى ان الكل اصبح يتهم الكل اليوم والغاية معروفة وهي الارهاب والارباك و«تضييع الجرة» الا ان وزارة الداخلية وللاسف رفضت رغم مطالبتها بذلك الكشف عن قائمة الصحفيين المخبرين اي القائمة السوداء للصحفيين العملاء بدعوى ان في الأمر تشهيرا غير مقبول وانه قد يعرض اصحابه الى علميات انتقامية وتمسكت بموقفها هذا. ورغم عدم اقتناعي بهذا الطرح لانه يندرج في نطاق تغذية مبدإ اللامسؤولية في المجتمع بينما يجب ان يكون كل شخص مسؤولا عن افعاله وان يتحمل مسؤوليتها اخلاقيا فاللحظة الثورية هي لحظة اعادة بناء قيم وارساء منظومة اخلاقية جديدة وان رفض نشر هذه القائمة انما يندرج في تناسق تام مع المنظومة التي أرساها العهد البائد والتي تميع المسؤوليات.. فرغم عدم اقتناعي بهذا الطرح فانني اقترح مخرجا وقتيا من الوضع الحالي اذ انني متأكد ان هذه القائمة ستعرف اليوم او غدا يتمثل في تعهد وزارة الداخلية بتقديم شهادة لكل من يطلب منها ذلك في عدم تعامله مع مصالح مخابراتها والامر ليس بدعة فقد تم اقراره في بعض دول المعسكر الاشتراكي اثر ثورتها اذ تمنح الشهادة للابرياء وتحجب عمن تورطوا وبهذه الطريقة فانه لن يكون هناك اي تشهير واي تهديدات بالانتقام بل سيعرف بفضل هذه الشهادة موقع كل طرف اذ انها ستمثل شهادة براءة للشرفاء والمناضلين حتى لايتواصل الصاق التهم البغيضة بهم وستمثل ايضا وسيلة احتجاج لدى القضاء بينما سيكون حرمان «مخبري» النظام السابق منها وهم معروفون على الساحة فميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة دليل ادانة قد يساهم في «تحجيم» القليل من شرورهم. كما يجب اشتراط «شهادة البراءة» هذه في مجالات متعددة كبعث وسائل اعلام جديدة والترشح للهياكل المهنية للقطاع والمسؤوليات الصحفية العليا ومختلف اللجان وحتى الدعوى للمشاركة في الحوارات التلفزية وغيرها اذ ان مدى خطورة هؤلاء «المندسين» على الثورة وعلى المهنة لا حدود له ولا بد من إيجادي وسيلة لتحييدهم وعزلهم.