بقلم: سمير ساسي* يضرب العرب مثلا لمن فوت على نفسه فرصة هامة ولم يحسن استغلالها فندم على فواتها بقولهم: الصيف ضيعت اللبن وهو مثل ذكرنيه موقف الوزير المستقيل من حكومة الترويكا محمد عبو الذي دفع من خلال إستقالته بدلالات عميقة وجب على كل فاعل في الحياة المدنية والسياسية تهمه نجاح الثورة والتجربة الديمقراطية أن يتأملها. بيان الاستقالة وكما ورد على لسان صاحبه في ندوة صحفية أبان عن وجود خلل في منهج التعامل داخل الائتلاف الحاكم وكشف عن ضعف ثقافة التعايش والحوار بين مناضلين فاجأتهم الأحداث المتسارعة منذ الثورة فحملتهم إلى سدة الحكم ولما يتخلصوا من عبء التاريخ وأوزار التنظيمات السرية التي عاشوا داخلها وهي حقيقة حاول الوزير المستقيل التخفيف منها حين أكد انه افتخر بالإعلان عن الاستقالة كمظهر صحي في زمن ما بعد الاستبداد ونسي أن هذا المعطى الصحيح يخفي وراءه حقيقة مرة وهي أن المنهج الذي بني عليه الائتلاف الحاكم كان منهجا قاصرا لم يقرأ على ما يبدو حسابا للازمات الطارئة ،ويبرز ذلك أيضا من تصريحات عبو التي أشار فيها إلى انه حصل قبل الاستقالة على تطمينات من حركة النهضة حول الصلاحيات موضوع الاستقالة لكن رئيس الحكومة الذي هو أمين عام حركة النهضة الواعدة كان له رأي آخر يبدو أن منطق الدولة الذي قد يلجا إليه البعض لتبرير موقف الجبالي يضعف أمام التحليل فالسيد رئيس الحكومة لم يعبر عن أسفه لاستقالة شريكه الثاني في الحكم ولم يصدر أي تعليق بالسلب أو الإيجاب وهي بروتوكولات شكلية جار بها العمل لدى رجال الدولة في كل التجارب . أما من جهة المضمون فبأي معنى يعود الوزير عبو إلى الحزب الغالب لمناقشة موضوع يخص الحكومة لم يرتق إلى مستوى يجبر قادة الأحزاب المشكلة لها للتدخل وهو ما يؤكد قصور المنهج الذي اشرنا إليه سابقا ، وهو منهج بني على المنطق الأحادي رغم كونه يؤلف بين أطراف مختلفة رؤى وأفكارا. فالمؤشرات العديدة التي عشناها في سالف الأيام أبرزت أن النهضة مارست داخل الحكومة أفعالا لم تستشر فيها شركاءها كما أنها أحيانا أصرت على حمل الجمرة وخدها وفي المقابل بقي الشريكان( المؤتمر والتكتل) صامتين أو لا مباليين أو فاسحين للنهضة المجال للاستفراد بتسيير شؤون الحكم وهو أيضا مؤشر على قصور خطير في المنهج الذي بني عليه الائتلاف بصرف النظر عما قد يقدمه الطرفان الآخران من تبريرات. غير انه وجب التنبيه هنا رغم هذا القصور المنهجي إلى توفر حس وطني راق ومتطور وإدراك بخطورة المرحلة على مستقبل البلاد والثورة لدى شريكي النهضة في الحكم لولاه لما أمكن تجاوز هذا القصور المنهجي لأنه قصور قاتل في نظرنا لأي تجربة ائتلافية ، وقد تجلى هذا الحس الوطني في موقف الوزير المستقيل الذي نبه إلى عدم توظيف استقالته في أغراض سياسية لم يقصدها (اتهام الحكومة بالفساد و قضية البغدادي المحمودي) وان كان بعضها قد حصل في الأذهان وهذا لا يعاب على الوزير الذي هو في النهاية أمين عام لحزب سياسي من حقه أن يستثمر فائض القيمة السياسي لكل عمل يقوم به, وهنا مكمن الخطورة التي بدت لنا في قراءة مواقف البعض من استقالة محمد عبو ؛ فلا احد من الأحزاب المكونة للائتلاف اصدر موقفا منها والحكومة صمتت إلى حد كتابة هذه الأسطر وهو صمت ابلغ عن دلالته وان وقع تداركه بعد الآن إلا أن اللافت هو ما تداولته بعض صفحات التواصل الاجتماعي المحسوبة على النهضة من تعبير عن ارتياحها للاستقالة وهو ارتياح يعبر عن سذاجة في التحليل لا تدرك خطورة ابعاد هذه الاستقالة التي حشرت الحكومة في الزاوية كما أنها تكشف حقيقة الثقافة السياسية التي منعت النهضة من أن توسع قاعدة ائتلافها وتجعل نفسها رهينة ائتلاف ثلاثي لم تمنحه حرية الحركة بما يجعله مهددا في كل حين لولا الحس الوطني لقادة الحزبين الآخرين الذي اشرنا إليه وموقف عبو خير دليل على ذلك فهذا أول ائتلاف في العالم يعجز عن توسيع قاعدتهيبدو أن النهضة التي تجلس الآن متفرجة على شريكيها يتآكلان من الداخل لأسباب هي جزء هام منها قد تدرك يوما ما أنها «ضيعت اللبن في الصيف» ولذا وحتى لا تندم فإنها تحتاج أولا إلى ثورة داخلية تقطع مع الفرد الموالي إلى المناضل العاقل الذي يستنكف عن ترديد ما يقوله له صاحب السلطان وثانيا إلى فهم أعمق لآليات العمل السياسي في العصر الديمقراطي الأول لبلادنا.