هزت فاجعة غرق المركب "محمد هشام " في بحر المهدية سكون المهدية وألهبت وقائعها ثرثرة الصيادين على أرصفة موانئها. وقائع غرق المركب محمد هشام Sf1787 الذي بقي يصارع 10 ساعات قبل ان يستقر في قاع البحر والتي سردها ل"الصباح" ربان المركب صبري بنور تعبرعن حالة قطاع الصيد البحري بالمهدية ومشاكل أسطول الصيد البحري وسوء المنظومة البحريّة وتضرر الصيادين. ويضيف محدثنا "رغم اهوال البحر التي تفوق ضنك البر لم اكن انتظر " كطير بر "ان اقابل بحارا مهزوزا". بدا لي الريس صبري بنور متسوغ المركب المذكور متماسكا وندا لبحر عتي رغم خسارته التي تقدر بعشرات الاف الدنانير. لم ينتظر اسئلة ولا استفسارات. كان علي ملازمة الصمت في حضرة ربان اشرف على الهلاك وقارع الغرق لمدة عشرة ساعات مع بحارته الاربعة. تدفقت وقائع غرق المركب بسخاء. بدأت حكاية الريس صبري مع المركب " محمد هشام " بعد أن ترشف كأس الغربة لمدة 6 سنوات جمع إثرها " تحويشة العمر " وقرر العودة إلى الديار لكي يستثمر أمواله في مشروع بحري. وقع اختيار الريس على المركب "محمد هشام Sf1787 التي تسوغها من تاريخ 01 فيفري 2012 ولمدة عام وبمقدار 4 الاف دينار شهريا. كان مهر المركب ذو العشرين سنة خدمة في البحر مصاريف صيانة وإصلاح للمحرك في حظائر الصيانة بميناء بقليبية والتي قدرها الريس ب50 ألف دينار حيث جهزها غزل جديد ولوازم الصيد. اقتصر نشاط المركب على اربع "سرحات بحرية" ولكن عمليات الاصلاح والصيانة لم تمكنه من ان يعيد عنفوانه لغزو البحر حيث اكتشف الريس صبري بان المركب في حالة غير جيدة إذ تسربت اليها المياه منذ أول طلعة بحرية. كل وملء قلب وجيب البحار من عمليات الصيانة حيث تبين له ولمدة خمسة أشهر من الكراء الحالة السيئة للمركب من حيث القدم وتدهور نوعية الخشب. قضي الامر في 4 سبتمبر 2012 حيث أسندت إليه البحرية التجارية رخصة الفحص الفني لمدة شهر واحد لذا هاتف صاحب المركب ذاكرا إليه بأنه سيضطر إلى إرجاع المركب للمجهز إلى ميناء صفاقس واشتكى اليه من كثرة العطب والمصاريف وتسليم رخصة الملاحة لمدة شهر واحد من طرف خبراء البحرية التجارية بالمهدية إضافة إلى رفض شركات التأمين اسناد شهادة التأمين للمركب. غادر المركب "محمد هشام" ميناء المهدية يوم الخميس 20 سبتمبر 2012 على الساعة الثانية بعد الزوال باتجاه شرق العلامات الضوئية رقم 1 و2 و3 و4 المحيطة بجزيرة قرقنة ونظرا لكثرة تواجد المراكب الصغيرة والشباك العائمة ومراكب صيد الأضواء وللاحتياط من الاصطدام بالشباك العائمة قرر الريس صبري مواصلة الملاحة خارج العلامات على بعد 15 ميل وقد أكد لنا بأنه اتخذ الاحتياطات اللازمة حيث لم يصطحب على متن المركب سوى اربعة بحارة وجهزه بمضختين إضافيتين. على الساعة التاسعة ليلا اعلمه مساعد الميكانيكي بتسرب المياه من الجهة الخلفية أين تواجد ما يسمى الدمان (Gouvernail). قام الريس صبري حسب روايته بإيقاف سيران الفلك (stop machine) وإشعال الضوء الأحمر للمركب واتجه هو ومساعده إلى غرفة المحرك فتبين له تسرب المياه من مؤخرة المركب بغزارة وفي الإبان أمر بتشغيل المضختان التابعة للمركب والمتصلة مباشرة بالمحرك الرئيسي لإخراج المياه المتدفقة للداخل وتشغيل مضختان اثنان حديثي الشراء المرتبطين بالمحرك الثاني (Groupe auxiliaire) الذي اشتراه خصيصا لتوليد الكهرباء من جهة وإخراج المياه المتواجدة بالمركب من جهة أخرى. عزم الريس صبري على مواصلة الملاحة والاقتراب أكثر من جزيرة قرقنة ووضع المحرك بحالة السيران إلى الأمام لكن صار ما لم يكن في الحسبان حيث تبين له عدم تحرك المركب في اتجاه الأمام ولا للخلف ولما رجع إلى غرفة المحرك للتثبت تبين له حدوث انفصال بين القضيب الحديدي المتصل بالدفة من جهة والمحرك من جهة اخرى. عبثا حاول البحارة اصلاح العطب ولكن سوء الاحوال الجوية وكثرة تحرك المركب وعلو الموج زاد في دخول الماء إلى المركب وتوسع الفجوة في مؤخرة المركب أين توجد الدفة. أمام جسامة الموقف اتجه الربان إلى غرفة القيادة حيث طلب النجدة على جهاز الهاتف من مراكب الصيد القريبة ومن السلط البحرية من جيش وحرس بحري. كانت مراكب الصيد منشغلة بكسب الرزق وكان على طاقم المركب انتظار الساعة صفر منتصف الليل لكي يجيبه ربان المركب البركة الذي كان بعيدا مسافة 09 أميال والذي وصل إليهم على الساعة الواحدة ليلا ولكنه لم يتشجع على جلب المركب المعطب حسب ماذكره لنا الريس صبري وذلك لكثرة تواجد المراكب الصغرى الغالب منها لا تحمل أضواء وشباكها العائمة المتواجدة في كامل المناطق بدون علامات ضوئية وسعى جاهدا الى طلب النجدة عبر القناة 16. يتفهم الربان موقف زميله فاغلب مراكب اسطول الصيد البحري بالمهدية قديمة ومتهالكة. دام صراع البحارة مع تدفق المياه إلى المركب 10 ساعات مرت ثقيلة وعصية كدهر واقتصر دور مراكب الصيد المحيطة على الفرجة حيث اكد الريس صبري بانه لم يتجرا احد على تقديم النجدة لهم وكان لسان حال الجميع "ما انجمش" رغم ان مراكبهم مجهزة واغلبها ذات محركات سعة 900 حصان وفي حالة حسنة حسب رأيه. تعكرت اوضاع المركب الذي كان كشيخ يحتضر حيث انقطع التيار الكهربائي داخل المركب وانعدمت الرؤية. اوضح الريس انه على الساعة الثالثة ليلا وصلت اليهم وحدة الديوانة المسماة ابن خلدون والتي قامت بتسليمهم مضخة أخرى وطلبت من المراكب الصيد جلبهم الى اليابسة ولكن ما من مجيب نظرا لخوف الرياس على سلامة مراكبهم المتهالكة اصلا ولافتقارهم للوسائل اللازمة ولا نشغالهم بالكسب. تدهورت الامور على الساعة الرابعة صباحا حيث توقف المحرك الاحتياطي عن العمل ولم يتبقى الا مضختين لاخراج المياه المتدفقة بغزارة الى المركب. اكد الريس بحرقة انه طلب من الغافرة الديوانية جره الى اليابسة ولكن طاقمها أجابه بأنه يمنع عليه القيام بذلك وعبر الصباح وجه الريس نداء إلى وحدات الديوانة والجيش بضرورة تقديم يد المساعدة إلى المراكب الغارقة اوالمعطبة وجلبها إلى اليابسة ذاكرا بأنه لما كان بصدد طلب النجدة من زملائه البحارة كانوا يجيبونه بان الديوانة والجيش المتواجدين بجانب مركبك هم الاولى بجلبك الى قرقنة اوالشابة. بقي نقيب الوحدة الديوانية "ابن خلدون" يجدد النداء إلى أن أجابته غافرة حربية تابعة للجيش الوطني وصلت اليهم على الساعة السابعة صباحا حسب شهادة الريس صبري وتوجه البحارة على متن مركبها المطاطي بمحرك كبير لمحاولة إخراج المياه وبينما هم في حالة تشغيل للمحرك داخل المركب محمد هشام نزل إلى قاع البحر في عمق 40 مترا وقام الطاقم بإلقاء أنفسهم من داخله إلى البحر وبصعوبة كبيرة ونظرا للدورة المائية المحيطة بموقع المركب وصلوا إلى المركب المطاطي التابع للجيش الوطني وتعلقوا به وتوجهت بهم الغافرة الحربية وقامت بإيصالهم إلى ميناء المهدية على الساعة العاشرة صباحا. غرق مركب الريس صبري واستقر في عمق البحر وحمل معه "عرق سبع سنوات عجاف من الغربة " وترك 12 بحارا بدون مورد رزق ولعل أهم دروس محنته هي ضرورة اجراء تحويرات على المنظومة البحريّة والتعجيل بتعصير أسطول الصيد البحري في المهدية وإنشاء حظائر لاصلاح السفن حيث بينت الدراسات أنّ أكثر من 20% من مراكب في الأعماق ومراكب الصيد بالأضواء تتطلب صيانة واصلاح كما دعى الريس صبري بنور الى ضرورة مراجعة قوانين السلامة والنجدة لتجنب حدوث كوارث بشرية في البحر.