في ظل مرحلة انتقالية ميزتها ديمقراطية وليدة.. تمرّ اليوم سنة على أول انتخابات تشريعية تميزت بكثافة الإقبال الشعبي والنزاهة والحيادية بعد عقود من عمليات التزوير والتضليل ومصادرة حق المواطن في الاختيار. اليوم هو ذكرى لأوّل ممارسة ديمقراطية في البلاد.. يوم رمزي لتكريس الشرعية عبر صناديق الاقتراع. إن يوم 23 أكتوبر 2011 سيظل منعطفا في تاريخ تونس الحديث يعزز رصيد الثورة المجيدة التي قام بها شباب انسدّت أمامه الآفاق.. وذاق من الظلم والاستبداد الشيء الكثير. وبعد سنة من هذا المنعطف يقف المرء لتقييم هذه الديمقراطية الوليدة. إن المتتبع للشأن الوطني يسجل حالة من الارتباك السياسي انعكس بدوره على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وخلف شروخا عميقة صلب المجتمع... لقد أجّجت التجاذبات السياسية وحالة الانشطار هذا المناخ المهتزّ ودفعت إلى انفلاتات أمنية خطيرة دفع ثمنها العديد مثل ما جدّ في مدينة تطاوين الهادئة من أعمال عنف ذهب ضحيتها أحد أبنائها ومثل ما يجرى حاليا من أحداث مؤلمة في مدينة قابس. وهذا الارتباك مردّه حالة الضبابية الطاغية على المشهد السياسي.. والبحث عن أجوبة لأسئلة حائرة نغّصت حياة المواطن وأثرت حتى في سلوكه اليومي.. متى الانتخابات التشريعية؟.. ماذا عن طبيعة النظام السياسي؟.. أي موعد للانتهاء من إعداد الدستور؟.. لماذا التأخر في إنجاز المشاريع التنموية المرصودة للجهات المحرومة؟.. ماذا عن ملف التشغيل؟.. أين العدالة الانتقالية في علاقتها بملف شهداء الثورة وجرحاها؟.. ماذا عن القضاء واستقلاليته؟.. وعن الإعلام والكلمة الحرّة؟.. ماذا تحقق للأمن الجمهوري..؟؟. إن الحصيلة هزيلة.. والانتظارات طالت.. والمعاناة متواصلة. لسنا هنا لتعداد أخطاء المجلس الوطني التأسيسي أو الحكومة لأن حالة الارتباك انتقلت عدواها داخل هذين المؤسستين ذاتيهما.. وما إضراب الجوع لعدد من نواب «التأسيسي» والاستقالات صلب الحكومة لبرهان على ذلك.. بقدر ما هو تقييم لمسيرة مجلس منتخب يعتبر السلطة الأصلية في البلاد وحكومة كان يفترض أن تستمد شرعيتها من هذا المجلس لا أن يصبح تابعا لها. لقد فشلت المعارضة في التأسيس لحوار بنّاء مع مثلث الحكم واكتفت بترصّد الأخطاء والهنات لتشكك في نشاطها.. كما فشلت «الترويكا» في إقامة جسور من الثقة مع من خارج الحكم من أحزاب ومنظمات وأهدرت الكثير من الوقت في صراعات داخلية ومحاولات عقيمة للسيطرة على مفاصل الإدارة وعينها على الانتخابات القادمة. إن مراجعة الخيارات من جميع الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية أمر ضروري في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة.. كما أن التركيز على الحوار الوطني لتقليص الهوّة بين الفرقاء وتنقية الأجواء هو صمّام الأمان للوصول إلى برّ الأمان. ولا خيار لهذه النخب إلا التوافق تقديرا لهذا الشعب الصامد وعربون وفاء للشهداء الأبرار على مرّ العقود.