رغم مرور نحو أسبوع عن أحداث سليانة وبعد التوصل إلى اتفاق للتهدئة، وتفعيل الحوار من أجل البحث عن حلول لمشاكل التنمية ودفع المشاريع بالجهة، فإن تعاطي مختلف الأطراف مع هذه «الأزمة» منذ اندلاع شرارتها الأولى لم يكن إيجابيا بقدر ما طغت عليه الحسابات والمصالح الضيقة في ظل سياسة ليّ الذراع، التي اتبعتها الحكومة والأسلوب الذي سلكه اتحاد الشغل وأحزاب المعارضة. إن ما حصل من سيناريو مفاجئ وبأسلوب غير متوقع في التعاطي مع الحدث، كشف الأخطاء التي ارتكبتها مختلف الأطراف، رغم تشابك عديد الخيوط وتداخلها بشكل كان يمكن تفادي المشاهد المأساوية التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية وحتى العالمية، لكن ما طرح نقاط تعجب عديدة هو خطابات السياسيين التي انحرفت عن دورها وماهو مطلوب منها، إلى حدّ بلغت فيه الاتهامات التخوين والتآمر والركوب على الأحداث وشيطنة التحركات الاجتماعية. اتهامات زادت في تأجيج الأوضاع وصبّ الزيت على النار، في وقت كان من المفروض أن تتجه فيه كل الأطراف نحو التهدئة، فمن غير المعقول أن تسارع أطراف حكومية ومسؤولة إلى اتهام أطراف بعينها قبل فهم مختلف المعطيات وتحليلها، لأن سليانة في نهاية المطاف منطقة مهمشة ومنسية منذ عقود، ولا يعني مطالبة أهلها اليوم بالتنمية تجاوز للقانون أو «جريمة» لا تغتفر. لقد صدمنا بتصريحات غريبة وعجيبة وحرب كلامية كانت تستعر مع كل يوم جديد، لتكون وقودا لمزيد الدفع نحو الاحتقان وتوتير الأوضاع، فما معنى أن ينتهج رئيس الحكومة أسلوب التحدي بشأن عدم إقالته للوالي, ومن غير المنطقي أن يلقي وزير الداخلية اتهاماته جزافا ليلقي المسؤولية على شكري بلعيد على القناة الوطنية الأولى، وينتقد حمة الهمامي على قناة حنبعل بعد ساعات قليلة, ومن غيرالمعقول أن يصل الحبيب اللوز حدّ قوله «احمدوا ربي ما ضربناهمش بالكرتوش الحي».. إلى جانب بقية الاتهامات التي طرحت الكثير من التساؤلات ووجهت نحو عديد الاتجاهات. لا المعارضة ولا اتحاد الشغل كانا بعيدين عن التجاذبات بل إنهما كانا في «معمعة» الأحداث، وكان يتحتم عليهما الابتعاد عن المشادات الكلامية والبحث عن مخرج يعيد تهدئة الأجواء. وفي الوقت الذي انتظرنا فيه دورا أكبر للمجلس التأسيسي في مثل هذه الأحداث والأزمات، كانت صدمتنا كبيرة بانحدار الحوار بين النواب إلى مستوى مقزز أحيانا، حيث تابعنا مشادات وصراعات وتبادلا للاتهامات في أروقة المجلس، بشكل أساء إلى صورته، في وقت كان عليه أن يكون أنموذجا بإيجاد حلول لمختلف المشاكل الطارئة. هذه الخطابات المغلفة بحسابات سياسية، أدّت كذلك إلى تأزيم العلاقة بين الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي والائتلاف الحكومي، بعد تصريحه في كلمته الأخيرة أن الأداء الحكومي لم يكن في مستوى انتظارات الشعب، مما جعل أصوات بعض قياديي حركة النهضة تتعالى ملمحة إلى سحب الثقة منه، وما يمكن أن تسببه هذه الخطوة من تداعيات وتجاذبات في فترة دقيقة، نحتاج فيها إلى توحيد جهود مختلف المؤسسات والهياكل. ما حصل من أخطاء وتجاذبات لابد أن يكون درسا تتعظ به الحكومة والمعارضة ومختلف المكونات والحساسيات، في كيفية تعاطيها مع الأحداث والمشاكل الطارئة، ولا يتمّ ذلك دون العودة إلى العقلية التوافقية كتمشّ وحيد لإنجاح المرحلة الانتقالية الثانية، لأن الظرف الدقيق الذي تمرّ به البلاد يحتم على جميع الأطراف تجاوز خلافاتها وغاياتها الحزبية والمصالح الانتخابية الضيقة، في سبيل مصلحة الوطن خلال هذه اللحظات الحاسمة والفارقة، لأننا جميعا في سفينة واحدة ينبغي إنقاذها من العواصف والهزات.