في الوقت الذي اعتبر فيه سياسيون أن الاحتجاجات التي شهدتها سيدي بوزيد يوم الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة، ردة فعل طبيعية لأداء حكومي محدود وتقدم بطيء للانتقال الديمقراطي..ومسار تحقيق اهداف الثورة، رأى الحزب السياسي الاغلبي في الحكومة أن ما وقع هو من صنيع "بعض فلول الثورة المضادة ممثلة في التيار الشيوعي الفوضوي وبقايا التجمع المنحل" التي سعت إلى "إفساد المهرجان الإحتفالي والتهجم على المنصة المركزية للإحتفال حيث كانت تتواجد رموز الشرعية الثورية والإنتخابية، رئيس الجمهورية ورئيس المجلس التأسيسي وممثل رئاسة الحكومة ". فما مدى توفر العنوان "السياسي" في احتجاجات 17 ديسبمر بسيدي بوزيد، والى اي مدى يمكن تصنيفها على انها ردود فعل طبيعية لوضع عام بالبلاد؟ اعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي طارق بلحاج محمد أن "الحراك الاجتماعي لم ينقطع في سيدي بوزيد وخاصة بعد الانتخابات وزاده التعامل الامني الفض جذوة وتجذيرا..". وقال :" أمام الخطاب الرسمي غير المقنع وسياسة التسويف الحكومي وأداءها المرتبك ورغبتها في طي صفحة الثورة وعودة الجميع الى بيوتهم ازداد هذا الحراك زخما." ولاحظ بلحاج محمد أن الامتداد الاحتجاجي في الجهة "ترافق مع اعادة هيكلة طرف سياسي لنفسه، وهو الجبهة الشعبية الذي التحم بهذا الحراك أولا ايمانا منه بمشروعية المطالب الشعبية تماشيا مع مرجعيته الفكرية وثانيا رغبة منه في اعادة التموقع السياسي بشكل أقوى." انذار شعبي.. وعكست احداث أول أمس بسيدي بوزيد حسب طارق بلحاج محمد "انذارا شعبيا وليس سياسيا، انذارا لرئيس الجمهورية مفادها ان خطابه الشعبوي وجبته الحقوقية ماعاد ليصدقها احد، وانذارا للحكومة يقول ان تعاطيها بهذا الشكل في ادارة الشأن العام ودواليب الحكم واستعمالها المبالغ للقوة ما عاد يمكن الصبر عليه..وانذارا اخيرا للطبقة السياسية ينبه الى ان معركة الديوك التي تخوضها لا تعني المجتمع في شيء وان في وجدان كل مهمش وثائر مازالت مطالب الثورة هي البوصلة ولا شيء غيرها." ورأى بلحاج محمد في نفس السياق أن حادثة المنصة (رمي بالحجارة ورفع شعار ديقاج أثناء القاء رئيس المجلس التاسيسي لكلمته) "سيكون لها ما بعدها، حتى ولو انكر الجميع هذا الواقع"، كما أن "مساهمة بعض الاطراف السياسية ثابتة في ما شهدته مدينة سيدي بوزيد، ولكنها مدعمة للاحداث وليست صانعة لها.. فالشعب وحده هو من يفاجئ ويصنع الحدث." ثقة مفقودة.. وأشار بلحاج محمد الى أن "امل هذه الجهات من اجل الخلاص تغير واتجه نحو المجتمع المدني عوضا على المجتمع السياسي الذي اثبت عدم قدرته على فهم الواقع عدى عن التاثير فيه." وقال :" إن وقوع هذه الاحداث في سيدي بوزيد برمزيتها اسقطت جزء كبيرا من المشروعية وخاصة لمن يحكمون الان وما على المجتمع المدني الا التقدم لملئ هذا الفراغ." وأضاف أن "الانذار الشعبي في هذا الجزء مبني على رغبة في اسقاط الاوهام التي تروجها فئة من الطبقة السياسية باسم الثورة التي لم تشارك فيها اصلا..". والخطير -حسب رأيه- " هو الخوف من أن تترافق معركة تبديد الاوهام بسقوط ما تبقى من اجهزة الدولة ومؤسساتها وهو سيناريو يحبذه البعض ويدفع اليه." سرقة للرأسمالية الرمزية.. من جانبه بين سالم الابيض استاذ علم الاجتماع السياسي أن "سيدي بوزيد إضافة الى عدم الشعور بأن هناك مكتسبات مادية حقيقية للمنطقة برمتها في ظل السلطة المنتخبة، والتي وصلت الى موقعها بفضل انتفاضة سيدي بوزيد والثورة التونسية ككل، لم تستطع الاستجابة للمطالب الكبرى المرفوعة للتنمية العادلة والتشغيل.." ولاحظ أن جانبا اخر طغى على موقف عدد من المواطنيين وتصريحاتهم، عبر عن شعور حقيقي بالضيم والظلم." ويتأتى هذا الشعور حسب استاذ علم الاجتماعي السياسي من " سرقة الرأسمال الرمزي للثورة، فالسلطة لم تعترف ب 17 ديسمبر كتاريخ للثورة ، كما لم تدرجه كيوم عطلة رسمية.. والاحتفال الذي تقوم به يأتي ضمن ترضية وليس ضمن الاعتراف بحقيقة الثورة.. " قبل أن يضيف : "بدوره يخلق هذا السلوك شعورا "بالحقرة" خاصة لما تتعالى أصوات من النخب السياسية سواء كانت في الحكومة أو المعارضة تقول ان ما حدث في تونس هو مجرد انقلاب قامت به المخابرات الأمريكية من أجل تغيير رأس النظام لا أكثر وفي هذه الحالة يشعر أهالي سيدي بوزيد أن تضحياتهم والشهداء والجرحى ودورهم في نشر الثورة، هو مجرد أداة لهذا الانقلاب المزعوم الذي تبلور في هروب بن علي.. " وكل هذه المعطيات أدت في رأي سالم الأبيض إلى "التحول من الاحتفال بذكرى الثورة الى مجرد إحياء مشفوع بأشكال جديد من الاحتجاج بما في ذلك القذف بالحجارة على رموز السلطة.. فالحجارة استخدمت في تجارب أخرى مثل الانتفاضة الفلسطينية كشكل من أشكال المقاومة السياسية والاجتماعية." وبين سالم الابيض أن ما وقع يعد "تحذيرا للحكومة.. التي نجدها في الغالب تميل الى وصم هذه التحركات، فقد سبق أن فعلت ذلك مع احداث سليانة وقبلها قابس وقرية العمران وتفعل نفس الشيئ في سيدي بوزيد." ريم سوودي
الجبهة الشعبية تنفي تورطها في أحداث الفوضى التي جدت بسيدي بوزيد احتجاجا منهم على ظاهرة البطالة المستفحلة وعدم تسريع نسق التنمية عبر دفع جهود الاستثمار وإنجاز المشاريع ذات الطاقة التشغيلية العالية.. قام ليلة أمس الأول شبان الأحياء الشعبية بمدينة سيدي بوزيد بقطع عدد من الطرقات بالحجارة والإطارات المطاطية المشتعلة مما أدى إلى تعطيل سير حركة المرور كما رفع المحتجون شعارات مناهضة للحكومة ومنادية بمواصلة النضال الثوري. وأصدرت تنسيقية الجبهة الشعبية بسيدي بوزيد بيانا توضيحيا أكدت من خلاله أن ما ورد على لسان مدير المهرجان الدولي لثورة17 ديسمبر في إحدى الاذاعات والذي اتهم فيه الجبهة الشعبية"بالوقوف وراء أحداث الفوضى التي رافقت تدخلات كل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطني التأسيسي أمر عار من الصحة". وقال البيان أن الاتهام الموجه للجبهة الشعبية"يدخل في باب التشويهات المجانية التي تستهدف الجبهة التي دعت إلى تجمع سلمي بساحة الشهيد على مسافة بعيدة من المنصة الشرفية وعبرت فيه الجماهير عن امتعاضها من الشكل الاحتفالي الذي لا يتماشى مع الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة التي تعيشها الجهة بعد سنتين من الثورة." كما أعلنت الجبهة"وقوفها المبدئي إلى جانب الاحتجاجات الاجتماعية المشروعة التي تتم بشكل سلمي ومدني وإدانتها لكل أشكال العنف مهما كان مصدره".