بعد أيام قليلة تعيش تونس على وقع الذكرى الثانية للثورة -التي لم يقع الاتفاق بشأن موعدها النهائي بعدُ، إن كان 17 ديسمبر أو 14 جانفي لتطرح معها من جديد المطالب التي رفعت بالأمس القريب من قبل أناس عرفوا الخصاصة والحرمان والظلم زمن الاستبداد. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح خلال هذا الحدث: ما الذي تغيّر في تونس بعد سنتين على هروب المخلوع؟ احتجاجات في أغلب الولايات الداخلية وإضرابات عامة كانت قبل أشهر قطاعية-، شغب وعنف، «رشّ» في سليانة أفقد عددا من المحتجين أعينهم، اعتداء على النقابيين في ذكرى وفاة الزعيم الرمز فرحات حشاد، «ميليشيات» تعتدي على اجتماعات أحزاب بعينها دون غيرها، تدهور القدرة الشرائية للتونسي وارتفاع مشط لأسعار المواد الاستهلاكية، اقتصاد متدهور، ومؤسسات مالية دولية تتحدث عن تونس بين الفينة والأخرى، تهريب على الحدود، وخطر إرهابي خارجي وداخلي يهدّد أمن البلاد.. وآخرها اجتماعات لتنسيقية «الترويكا» من أجل التحوير الوزاري المرتقب، ذلك هو حال تونس بعد سنتين من اندلاع الثورة. وضع متأزم تلقي فيه المعارضة باللائمة على الحكومة متهمة إياها بالمسؤولية وراء الحالة التي وصلنا إليها بسبب سياساتها الخاطئة، في المقابل اتهمت حكومة حمادي الجبالي بدورها الذين يقفون وراء الاحتجاجات والإضرابات التي اعتبرتهما عائقين أمام مسار التنمية. وبين هذا الاتهام وذاك تبقى دار لقمان على حالها إذ لم يتحسس المواطن أي تغيير، بل إن الخطر الأكبر الذي قد يعصف بالبلاد مستقبلا هو خوفه على أمنه المادي والغذائي. دون الخوض في اتهام أيّ طرف بالوقوف وراء ما آلت إليه حال الجهات المحرومة فان الجميع مطالب بالتوافق والجلوس على طاولة حوار وطني تطرح فيها كل الملفات وتناقش بجدية مع وضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار دون التفكير في الموعد الانتخابي المرتقب. لم يقع الحسم في أيّة ملفات فالدستور لم يحسم أمره بعد والقانون الانتخابي، وقانون الأحزاب لا يزال في انتظار المصادقة على الدستور. كما أن الهيئات المستقلة (من هيئة الإعلام والقضاء العدلي، ناهيك عن الهيئة المستقلة للانتخابات التي ورغم المصادقة على قانونها فلم يتمّ تشكيلها أو حتى قبول مطالب المترشحين إليها) لم تر بعضها النور إلى الآن والأهمّ في انتظار المهمّ هو غياب تحديد موعد نهائي للانتخابات. إن حسم هذه القضايا ولو في جزء كبير منها يبقى وكما أسفلنا- رهين توافق حقيقي بين الفرقاء فلا شرعية إلا للشرعية التوافقية. وفي السياق ذاته، وطبقا لتأكيدات الخبراء في الاقتصاد فان السنة الحالية ستكون صعبة بكل المقاييس لذلك على الجميع أن يعي جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق كل تونسي مهما كان موقعه لأن الظرف يقتضي الابتعاد عن التصريحات والكلام الفضفاض والعمل بجدّ. أقولها وأمضي.. علينا الوقوف سوية جنبا إلى جنب، ونبذ كل ما من شأنه أن يضرّ بتونس، للعبور إلى برّ الأمان.