ذكر صاحب المقال في خاتمة الجزء الأول أن البعض يربط التخلف في جهات من العالم والتقدم في جهات أخرى باختلاف اللون والجنس حيث كان شائعا لوقت طويل أن تقسم البشرية إلى ثلاث جماعات عنصرية 1 السلالة المغولية أو السلالة الصفراء 2: السلالة القوقازية التي يفترض أن مجمل سكان العالم العربي ينحدرون منها وفي الجزء الثاني يواصل: ثالثا: السلالة الزنجية ذات البشرة السوداء والشعر المفلفل والشفاه الغليظة والأنف العريض، وهي تشكل حوالي 10 بالمائة من مجموع سكان العالم، لها صورة نمطية تتصف باللامبالاة والبدائية والصبر والمرح وتحمل القسوة. وتنتشر السلالة الزنجية في أفريقيا جنوب الصحراء وفي الأجزاء الشمالية والشرقية من القارة الأمريكية وفي بعض جزر المحيط الهندي. وهي أكثر السلالات تعرضا للاضطهاد من قبل السلالات الأخرى حيث تعرض عديد الزنوج للهجرات الإجبارية نحو العالم الجديد ضمن تجارة العبيد التي كانت سائدة منذ نهاية القرن16 وحتى أواخر القرن 19 للعمل في مزارع ومعامل البيض ضمن طبقة متدنية الأجور، ومنعوهم من الاحتفاظ بأي شكل من أشكال هوية الجماعة، فانشطرت العوائل وأجبر الأشخاص الذين تكلموا لغات مختلفة أن يعيشوا ويعملوا على العكس من العمال الهنود الذين وصلوا إلى العالم الجديد بعقود استخدام في بعض المستعمرات الزراعية خلال النصف الثاني من القرن 19 كانوا أحرارا في تشكيل مجتمعاتهم المحلية بعد الهجرة وتمت المحافظة على ممارسات ثقافية مهمة في عوالمهم الجديدة بالرغم أن وضعهم الاقتصادي والسياسي لم يكن أفضل من العبيد، وفي هذا تعبير عن أن الثقافة المشتركة هي أساس الهوية العرقية. ومع أن إعلان تحرير العبيد في الولاياتالمتحدة وقعه رئيس أمريكا السادس عشر أبراهام لينكولن في العام 1863 أيام الحرب الأهلية، إلا أن الأمريكيين السود وهم يشكلون أكبر مجموعة عرقية في المرتبة الثانية بعد البيض عاشوا مراحل طويلة من التمييز العنصري حتى ظهور النخبة المثقفة السوداء في الولايات الشمالية التي خاضت حركات نضالية ضد العنف والتمييز، وكرست حركة الحقوق المدنية جهودها بزعامة القس مارتن لوثر كنغ فيما بين عامي 1954 و1968 إلى أن تم إلغاء التمييز العنصري لاسيما في جنوبالولاياتالمتحدة. وأسطورة «صفوة شعوب الأرض» انتهجها أيضا نظام الأبارتهايد العنصري الذي استولت من خلاله الأقلية البيضاء على مقدرات شعب جنوب أفريقيا من العام 1948 إلى أن تم إلغاءه أوائل تسعينات القرن المنصرم نتيجة لنضالات المؤتمر الوطني الإفريقي بزعامة نيلسون مانديلا. وكان ويظل خالدا في الذاكرة الجماعية إنشاء الحركة الصهيونية دولة إسرائيل العنصرية، تحت أسطورة «شعب الله المختار»، على أرض فلسطين عبر ارتكاب سلسلة طويلة من المجازر والانتهاكات بحق القرى والبلدات الفلسطينية وتهجير ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني قسرا من منازلهم وقراهم في العام 1948! ومن منا لا يقر ولا يعترف بأن نظرية التطور البشري لدى داروين ساهمت بقسط كبير في خلق نظرة استعلاء وتكبر لدى الأوروبيين والأمريكيين، وفي تمدد سياسات الاستعمار والسلب في أفريقيا وآسيا خلال القرن 19 وإلى منتصف القرن العشرين، وفي تأجج حركات الاستيلاء والاستيطان والميز العنصري في فلسطين وفي جنوب أفريقا... وبلاد آل بوش سابقا! فنظرية داروين تقر دون خجل أو تردد على أن التطور البشرى مستمر منذ وجود الإنسان الأول وأن هذا التطور صاحبه هجرات الأنواع البشرية المتطورة عن أسلافها إلى مناطق أخرى جديدة لتتكيف مع الأوضاع الجديدة وأن السلسلة البشرية تظهر تطورا عقليا وذهنيا واستيعابا يزداد كلما ارتقى في سلم التطور البشرى، ونتيجة لهذا التسلسل في التطور البشري فإن الأجناس التي في أسفل السلسلة الزنوج بوجه خاص ثم الهنود يليهم العرب هم أقرب للطباع الحيوانية من حيث الاعتماد على الوسائل البدائية والقوة البدنية والجسدية من الأجناس التي في أعلى السلسلة الجنس البيض التي تتميز بالاعتماد على استخدام العقل والمنطق وبالتالي فهو أكثر ذكاء وإبداعا وتخطيطا وتنظيما وتصنيعا ومدنية وتحضرا من أجناس أسفل السلسلة! مع أن مجمل العلماء والمفكرين، وخلافا لما يروجه أنصار الداروينية في قضية التطور البشري على أنها حقيقة علمية، يرون أن هذه النظرية كان ويزال همها الأكبر التركيز على تفوق الجنس الأبيض وإضفاء صفة الحضارة والتمدن للغربيين قصد تبرير استعمارهم وسيطرتهم على الأجناس والشعوب المتخلفة حيث قامت هذه النظرية ببلورة العقلية العلمية ثم سرعان ما تجاوزتها إلى العقلية الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية بتعلة أن الجنس الأبيض يحتل مرتبة أكبر وأعلى في التطور البشري تميزت بدرجة عالية في تفوقها وإبداعاتها! وأن كل ما يأتي من الأجناس والشعوب الأخرى هو عبارة عن أمور غير حضارية وذات مستوى متدن في الفكر والمنطق! والسؤال كيف للأسطورة الغربية الادعاء بأن التنمية المبكرة والعظيمة في بلدان الشمال تعود لخصائص ذاتية للجنس البيض جعلته يمتاز بالكفء والمثابرة والحزم والمغامرة والإبداع في حين أن الأجناس الأخرى تفتقد لهذه الخصائص! والحال أن المتأمل في بشرة الأجناس وفي دنيا المال والأعمال يجد العديد من السكان سواء في أمريكا اللاتينية أو في شمال الهند أو على ضفتي المتوسط من البيض، ومع ذلك هم ينتسبون إلى الشعوب المتخلفة اقتصاديا!... كل هذا الحصر للمتخلفين والذي لا يستند إلى العلوم الصحيحة والواقع والأحداث لا يستحق سوى الرفض لأنه يربط الصعوبات الاقتصادية التي تتعرض إليها مجمل بلدان الجنوب بعناصر قديمة كالدين والثقافة وأخرى أزلية كالطبيعة والأجناس. فإذا ما كانت هذه الأسباب هي حقيقة مصدر التخلف، فكيف يمكن تفسير تفوق وتقدم الغرب اليوم، والحال أنه لم ير مثل هذا النور إلا غداة اندلاع الثورة الصناعية؟ ثم ألم تعش مناطق ضفتي المتوسط والصين والهند مستوى ثقافيا وحضاريا راقيا خلال العصور القديمة؟ وعندما يصافح الإنسان الجغرافيا والتاريخ، يلاحظ بسهولة أن جل البلدان المتخلفة اقتصاديا اليوم كانت وإلى زمن ليس هو بالبعيد مسرحا لإرهاب الاستعمار، والسؤال ألا يكون الاستعمار القديم الجديد مصدر التخلف؟