عبّر أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي عن عدم رضاء المنظمة عن المشروع الثاني لمسودة الدستور التونسي. وقال العباسي أمس بأحد النزل بالعاصمة خلال الندوة الصحفية التي نظمها قسم التشريع والنزاعات أن هذا المشروع "خيب آمال الشغالين لأن به عدة نقائص" مؤكدا في ذات السياق على أن "بعض فصول المسودة متناقضة وأن بعضها يلغي الآخر عن قصد وليس سهوا". وأضاف أن "ديكتاتورية" هذا النص تكمن أساسا في عدم التنصيص بصراحة وكل وضوح عن الحق في الإضراب ووجود قيود عدة متعلقة بممارسة الحق النقابي بالاضافة إلى تغييب كل ما يتعلق بمأسسة المفاوضات الجماعية. من جهة أخرى تطرق أمين عام المنظمة الى الوضع الاجتماعي الذي تمرّ به بلادنا ووصفه "بالوضع الدقيق" خاصة مع انتشار ظاهرة العنف موجها اتهامه في ذلك الى رابطات حماية الثورة ومن يقف وراءها. أما في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي فقال العباسي "إنه ليس في صحة جيدة وأن الحكومة المؤقتة تسعى جاهدة لتجاوز هذا الوضع عبر قروض من صندوق النقد الدولي الذي يطرح شروطا مجحفة خاصة في ظل غياب خارطة سياسية واضحة المعالم من شأنها ان تقود البلاد الى برّ الأمان وتخرجها من عنق الزجاجة". ودعا العباسي كلا من الحكومة المؤقتة والمجلس الوطني التأسيسي إلى "ضبط أهم المواعيد والأوليات ضمن خارطة سياسية جامعة لكل الفرقاء السياسيين من ذلك موعد الانتهاء كليا من صياغة الدستور وموعد الانتخابات بالاضافة إلى مسألة تكوين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الاعلام السمعي البصري وهيئة القضاء". ولم يستثن العباسي في دعوته هذه الاحزاب حيث شدد "على ضرورة تجاوز الاحزاب لمصالحها الضيقة والتجاذبات السياسية في سبيل تغليب المصلحة العليا للوطن". وفي هذا الإطار دعا كل الاحزاب في الساحة السياسية ومنظمات المجتمع المدني الى التفاعل إيجابيا مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل في شوطها الثاني الذي سينطلق قريبا. ثورة ثانية ومن جهته اعتبر رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر "أن الدستور الذي بصدد الصياغة هو ثورة ثانية شاركت فيها كل الأطراف إما من خلال نقدهم للمسودة في الندوات الصحفية أو من خلال التحركات الاحتجاجية". وأضاف أن أغلب المنظمات والأحزاب ترى في المشروع الثاني لمسودة الدستور تطورا مقارنة بالمشروع الاول وأن الخطوات المتبقية للصياغة النهائية لا تتعدى كونها لمسات أخيرة لكن هذا لا يغلق الباب أمام الانتقادات. وأكد بن جعفر خلال مداخلته على "حتمية إيجاد خارطة سياسية واضحة المعالم مهمتها الاساسية إيصال البلاد الى برّ الأمان والحدّ من التجاذبات السياسية". لا يرتقي إلى تطلعات الشعب غياب بعض النصوص وعدم تبويبها كما ينبغي هو أبرز ما خلص اليه الخبراء وأساتذة القانون الدستوري حيث اعتبر جوهر بن مبارك عن شبكة دستورنا "أن المشروع الثاني لمسودة الدستور يعتبر أفضل من المشروع الأول لكنه لا يرتقي الى تطلعات الشعب التونسي لأنه يكرس لمفهوم الديكتاتورية خاصة على مستوى السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والعلاقة بينهما ومسألة التعيين المسقط للقائمين على الجهات الداخلية من ولاة ومعتمدين وغيرهم". كما انتقد بن مبارك ما اعتبره "تملص الدولة من واجبها في التشغيل" وقال "إن من صاغ هذا الدستور تعمّد استعمال كلمة "عمل" عوض كلمة "شغل" والمقصود من ذلك إفقاد هذا الجانب أهميته على اعتبار مسؤولية الدولة في التشغيل هي مسؤولية دستورية". ومن الجانب الفني انتقد أستاذ القانون الدستوري شفيق صرصار ما اعتبره "تداخلا بين الفصول في مشروع المسودة" الأمر الذي أدى الى خلق نوع من "الفوضى". ومن حيث المحتوى اعتبر صرصار "أن هذه المسودة لم تحفظ حقوق بعض الفئات الاجتماعية بصفة صريحة وواضحة كالمرأة مثلا". وتجدر الإشارة أن منظمة هيومن رايتس ووتش انتقدت بشدة محتوى المشروع الثاني لمسودة الدستور واعتبرته "مهددا للحريات العامة والخاصة" وطالبت بتعديله في أقرب وقت ممكن حتى لا يكرس ديكتاتورية أخرى. كما طالبت المنظمة بتعديل "الجزأ المتعلق باحترام المعاهدات والمواثيق الدولية وإكسابها طابعا أكثر إلزامية مما هي عليه".