سعيد يجتمع بعدد من الوزراء ويؤكد على اهمية اصلاح التربية والتعليم    سلطات مالي تعلن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة    من مسبح المرسى الى سماء العالمية ..أحمد الجوادي قاهر المستحيل    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    دراسة.. مواد غذائية بسيطة تقلل خطر السرطان بنسبة تقارب 60%    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    سفنه تنطلق من تونس يوم 4 سبتمبر .. 6 آلاف مشارك في أسطول الصمود إلى غزّة    عاجل/ واشنطن تعتزم فرض شرط جديد للحصول على تأشيرة عمل أو سياحة..    أخبار الحكومة    بلاغ رسمي للملعب التونسي    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    النادي الصفاقسي يعلن رسميا تعاقده مع علي معلول الى غاية 2028    الدكاترة المعطلون عن العمل: ضرورة توفير خطط انتداب ب5 آلاف خطة    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    القصرين: العثور على جثة كهل تحمل آثار عنف    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    مهرجان العروسة: جمهور غاضب وهشام سلام يوضح    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    التعاون بين تونس وإيطاليا : طاقة التفاوض وفوائض الطاقة    بطولة افريقيا للشبان لكرة الطاولة بنيجيريا: المنتخب التونسي يختتم مشاركته بحصد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    رونالدو يتحوّل إلى صانع القرار في النصر... ويُطالب بصفقة مفاجئة    488 تدخل للحماية المدنية في 24 ساعة.. والحرائق ما وقفتش!    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    عاجل: ''تيك توك'' تحذف أكثر من 16.5 مليون فيديو ودول عربية في الصدارة    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوانسة حايرين والتجار زادا مترددين على الصولد السنة!    عاجل: الاتحاد العام التونسي للشغل يردّ على تهديدات الحكومة ويؤكّد حقّ الإضراب    الدلاع راهو مظلوم: شنوة الحقيقة اللي ما تعرفهاش على علاقة الدلاع بالصغار؟    في بالك ...الكمون دواء لبرشا أمرض ؟    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    نواب ديمقراطيون يحثون ترامب على الاعتراف بدولة فلسطين..#خبر_عاجل    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    استشهاد 56 فلسطينيا برصاص الاحتلال خلال بحثهم عن الغذاء    بنزرت: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    القبض على "ليلى الشبح" في مصر: سيدة الذهب والدولارات في قلب العاصفة    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    عاجل/ خلال 24 ساعة: استشهاد 5 فلسطينين جراء الجوع وسوء التغذية..    محمد عادل الهنتاتي: مصب برج شاكير كارثة بيئية... والحل في تثمين النفايات وتطوير المعالجة الثلاثية    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة السياسية الحالية نتيجة مباشرة لفشل المؤتمر الأخير للنهضة
د.محمد الحداد ل"الصباح":

- حاورته: إيمان عبد اللطيف - قال الدكتور محمد الحداد رئيس المرصد العربي للأديان والحريات في حوار ل"الصباح"إن الأزمة السياسية الحالية التي تمر بها البلاد انطلقت منذ فشل مؤتمر حركة النهضة المنعقد في شهر جويلية 2012 في تحديد رؤية واضحة وموحدة حول القضايا السياسية.
وذكر أنه ليس من مصلحة أي كان أن تحزّب كل المسائل والقضايا، داعيا المجتمع المدني إلى أن يسترد المبادرة وأن يحدد الأولويات وأن يكون قوة ضاغطة لا على الحكومة فحسب بل على الطبقة السياسية برمتها، مضيفا أن المطلوب اليوم هو وضع صيغة ثالثة للوفاق تقوم على مأسسة الإنتقال الديمقراطي. كما أكد الحداد أن المد السلفي الذي تشهده تونس اليوم هو جزء من خطة عالمية لوهبنة الإسلام تضخ لها مليارات الدولار لنشرها و يتطلب التصدي لها و العمل على توعية الشعب بعرض تاريخ حركات الإسلام السياسي التي رهانها الوحيد هو السلطة.
وفيما يلي نص الحوار:
* الوضع السياسي في تأزم مستمر منذ أشهرعديدة فأي قراءة يمكن سحبها على الأزمة السياسية الحالية؟
- الأزمة السياسية الحالية هي نتيجة مباشرة لفشل المؤتمر التاسع لحركة "النهضة" المنعقد في شهر جويلية الماضي، فشله في رسم رؤية واضحة وموحّدة بين صفوفه حول القضايا السياسية الكبرى ومسألة النمط الاجتماعي، وفشله في طمأنة الحلفاء وعموم الشعب التونسي حول نوايا الحركة.
وبالتالي أصبحت اللخبطة داخل الحركة ارتباكا في سياسة الدولة ككل، فالبعض من داخل النهضة يريد تمرير سيناريو على النمط المصري ويفهم الوفاق على أن "النهضة" تقرّر وحلفاؤها يشغلون الكراسي دون سلطة. ومنهم من رفع في وجه الجبالي نفسه شعار "اعمل كيف مرسي وإلا اترك الكرسي"، فالمرجو أن يتغلّب الشق المعتدل ويتغلّب صوت الحكمة على جناح الصقور، لأن ما فعله مرسي في مصر نفس ما فعله المالكي سابقا في العراق، أي أنه فتح أبواب العنف والمواجهات الأهلية، ولم يحدث في تاريخ مصر أن كانت وحدتها الوطنية مهدّدة مثلما هي عليه اليوم، وهو مسارلا تريده لتونس.
* ولكن هذه الأزمة السياسية لا تقف عند فشل مؤتمر النهضة في رسم رؤية واضحة؟
- طبعا هذا لا يعني أني أوافق السياسة البطيئة والمترددة والمتناقضة لحكومة الجبالي، لكن هذا موضوع آخر. فشل حكومة الجبالي لا يعني أن مبدأ الوفاق نفسه مبدأ فاشل.
* هذه التجاذبات أفقدت مبدأ الوفاق رمزيته وأهدافه، فهل من سبيل لخلق رمزية جديدة لمبدإ الوفاق؟
- الوفاق مطلب الجميع، لكن المشاريع الوفاقية التي طرحت إلى حدّ الآن كانت مغشوشة. فالمشروع الأوّل للوفاق هو الذي طرح في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وقد فشل لأنه لم يراع الأوزان الحقيقية للتيارات والشخصيات، والمشروع الثاني هو الذي تريده حركة "النهضة" ومضمونه أن تكون هي محوره، بدعوى مواجهة خطط الارتداد عن الثورة، وقد فشل أيضا لأسباب ثلاثة، أولا لأنه يتضح جليا أن حليفي النهضة، أي التكتل والمؤتمر، قد تقلّص وزنهما بسبب التحالف مع النهضة، ثانيا وجود اليسار و"الجمهوري" خارج هذا الوفاق و بما أنهما جزء لا يمكن التشكيك في انتمائه لتيار الثورة فإن ذلك يمنع هذا الوفاق من ادعاء تمثيل الثورة .
ثالثا لأن الارتداد عن الثورة ليس التخوف الوحيد للتونسيين، بل يوازيه أيضا التخوف من تغوّل النهضة وتغيير النمط الاجتماعي وتمهيد السبيل لدكتاتورية جديدة، وهذا الكلام لا تقوله المعارضة فحسب بل قاله الأستاذ عبد الفتاح مورو والدكتور منصف المرزوقي، وأقوى الشهادات أن يشهد شاهد من أهلها.
* ما المطلوب إذن؟
- المطلوب اليوم أن نضع صيغة ثالثة للوفاق، تقوم على مأسسة الانتقال الديمقراطي، أي تشكيل هياكل حيادية تتولّى الإشراف على القضاء والإعلام والانتخابات والعدالة الانتقالية والتعويض للمساجين السياسيين ولأسر الشهداء وجرحى الثورة، الخ، خارج المحاصصة الحزبية، مع تفعيل المجلس الأعلى للأمن الوطني كي يتصدّى لكل مظاهر العنف بكل أشكالها. ثم يترك للأحزاب بعد ذلك أن تتنافس بطرق سليمة لكسب ودّ المواطنين وفي الآن نفسه تأطير العمل السياسي وتوجيهه، أمّا إذا بقينا ننتظر الوفاق الحزبي ونسعى إلى حلول ترضي 150 حزبا، في كل حزب تيارات وانقسامات، فلن نصل إلى أية نتيجة.
وإن من الكلمات التي أصبحت شائعة اليوم والتي تثير الاستهزاء عبارة "الابتعاد عن التجاذبات الحزبية". كيف يمكن لسياسيين يمثلون أحزابهم أن يبتعدوا عن التجاذبات الحزبية؟
* ألا يمكن أن تكون الأحزاب هي القوى الوحيدة النافذة إذا أردنا بناء دولة ديمقراطية؟
- مؤكد أن الأحزاب ليست القوى الوحيدة النافذة، هناك أيضا منظمات عريقة مثل اتحاد الشغالين واتحاد الأعراف، والأحزاب نفسها غير مستقرّة ويمكن بسهولة إخراج شخص من حزبه وإغرائه بالدخول إلى تشكل آخر، لكن هذا لن يجعل من الحكومة وفاقية، لأن النظام الحزبي يقضي أن يكون الوفاق بين الأحزاب كمؤسسات وليس بين شخصيات حزبية، فالذين يخرجون من أحزابهم لا يكون لهم وزن حقيقي بعد ذلك وإنما يستعملون كواجهة لوفاق مزيف سرعان ما تبرز حدوده وعيوبه. بالعكس، ينبغي أن تقوى الأحزاب وتستقر ويصبح عددها معقولا.
* البعض يرى أن كل المسائل والقضايا حزبت بعد الثورة..هل تتفق مع هذا الطرح؟
- ليس من المفيد أن يصبح كل شيء محزّبا وأن يكون الجميع متحزّبين. المهم في الديمقراطية حيوية المجتمع المدني الذي قد يقترب ناشطوه إلى هذه الحساسية أوتلك لكنه يظل خارج الانضباط الحزبي ويمكن أن يلتقي حول مهام محدّدة هي مهام الانتقال الديمقراطي.
أنا أدعو المجتمع المدني إلى أن يسترد المبادرة وأن يحدّد الأوليات وأن يكون قوة ضاغطة لا على الحكومة فحسب بل على الطبقة السياسية برمتها.
باختصار، ينبغي أن نتفادى ما حدث في العراق بعد انتخابات 2004: برلمان يصرخ فيه كل نائب كما يريد لكنه لا يقرّر شيئا، حكومة منتخبة انتخابا شرعيا لكنها تتصرف على هواها، طبقة سياسية مرفهة وشعب يعاني من المشاكل اليومية، مجموعات عنف تتصرف كما يحلو لها مستغلة ضعف الدولة، قوى أجنبية تتصرف في القرار الوطني بأساليب ملتوية.
* فماهي الخيارات إذن؟
- أمامنا خياران إما أن نختار نظرية الفوضى الخلاقة التي طبقها الأمريكان في العراق أو أن نختار نظرية الانتقال الديمقراطي التي طبقت في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية. والوفاق الحقيقي هو أن نحسم بين الخيارين وإذا اخترنا الثاني فينبغي أن نترجمه في هياكل فعلية ولا نجعله مجرّد شعارات أو نخضعه لمبدإ المحاصصة الحزبية.
* لا يخفى على أحد المدّ السلفي الذي تعيشه تونس بعد الثورة، كيف تقرؤون هذا المد؟
- ما يحصل في تونس هو جزء من خطة عالمية لوهبنة الإسلام، أي فرض المذهب الوهابي مذهبا وحيدا بين المسلمين. هذه الخطة بدأت منذ تحالف أموال النفط مع شيوخ الوهابية.
البعض يقول إنه لو أبقى بورقيبة على الزيتونية لما حصل هذا، وهذا تحليل سطحي للمسألة، لأن مصر احتفظت بالأزهر لكن ذلك لم يمنع من أن تصبح السلفية بالقوة التي رأيناها في الانتخابات الأخيرة، والعديد من البلدان الإفريقية دعمت الرابطات الصوفية التي كانت سبب انتشار الإسلام فيها، فلم يمنع ذلك من اكتساح الوهابية لفضاءاتها، والصومال ومالي أمثلة على ذلك.
أرجع بذاكرتي إلى نهاية السبعينات في تونس، كان آخر علماء الزيتونة الكبار، مثل الشيخ محمد الزغواني والشيخ محمد الأخوة، يلقون الدروس في المساجد، يشرحون فيها "رسالة ابن أبي زبد القيرواني في الفقه" و"كتاب الشمائل" للترمذي، فجاءت حركة الاتجاه الإسلامي آنذاك بزعامة راشد الغنوشي تنافس هؤلاء على المساجد وتنشر كتاب "فقه السنة" لسيد سابق وكتابات سيد قطب والمودودي وكاسيتات عبد الحميد كشك.
* ومن قضى على الزيتونيين، حسب رايك ؟
- حركة "النهضة" هي التي قضت على الزيتونيين وأدخلت مراجع دينية لا عهد لهؤلاء بها. الأستاذ راشد الغنوشي كان آنذاك يقول إن الديمقراطية كفر وإن المرأة ينبغي أن تلزم بيتها فكان يجتذب الشباب المكبوت سياسيا وجنسيا. مع الوقت، تطوّرت أفكار الغنوشي ومواقفه وابتعد عن السلفية وأصبح يسعى للتوفيق بين الإسلام والعصر، لكن ذلك لا يمنع أن هناك أجيالا جديدة من الشباب تبحث بدورها عن الخطابات الراديكالية وهي تجدها اليوم لدى من يدعون بمشائخ السلفية. لهذا السبب يصعب تطوّر مجتمعاتنا، لأننا نعود دائما إلى نقطة البداية.
* لكن هذا لا يُعد السبب الوحيد؟
نعم هناك أيضا أموال البترودولار، ويقدر أن 30 مليار دولار تضخّ سنويا لنشر الوهابية في العالم، عبر الجمعيات الدعوية والخيرية والقنوات الفضائية. كيف تريد لتونس المنهكة أن تصمد أمام المدّ الوهابي بعد هذا؟
السبب الأخير في رأيي هو الجهل المدقع الذي فرضه "بن علي" في مجال حركات الإسلام السياسي. الكثير من الناس لا يعرفون ما معنى الوهابية ولا تاريخ الإخوان المسلمين، بالنسبة إليهم كل من ارتدى العمامة فهو شيخ، لذلك يسهل استلاب عقول شرائح كبرى من التونسيين، خاصة إذا اجتمع حسن المنطق مع المال، ووعود الدنيا بوعود الآخرة.
* كيف ترى موقف الحكومة من السلفية؟
- المعطيات التي ذكرتها لا يمكن أن تكون غائبة على قيادات حركة "النهضة"، وأغلب الظن عندي أنّ المدّ السلفي الوهابي لم يكن يزعجهم كثيرا بل هو في صالحهم حتى يظهروا في دور المعتدل. حركة "النهضة" ليس لها اختيارات واضحة، كل ما لديها هو أن تقول هناك تطرف علماني وتطرف ديني ونحن الوسطية.
الوسطية ليست برنامجا إنما مجرد شعار وإعلان نوايا، والدولة لا تسيّر بالشعارات. لم تبدأ "النهضة" في الانتباه إلى خطورة المشكلة إلا بعد حادثة السفارة الأمريكية ونتيجة غضب السيدة هيلاري كلينتون، أما غضب التونسيين قبل ذلك من أعمال العنف فلم يؤرقها كثيرا، مع أني لا أريد أن أعمّم، فمواقف عبد الفتاح مورو وعلي العريض وسمير ديلو كانت إيجابية منذ البداية، وهناك لا شك قياديون آخرون حاولوا التنبيه إلى الخطر، لكن النتيجة هي ما رأينا.
* قد تتحول المسألة إلى فتنة دينية فما السبيل إلى تفاديها؟
- في رأيي، ما من سبيل لتفادي الفتنة الدينية التي تطلّ برأسها علينا إلا بإرساء عقد مدني، أما الزعم بأننا سنحرس حدودنا ولا نسمح إلا بالإسلام الزيتوني المعتدل فهذا أمر أصبح مستحيلا في ظل العولمة والقنوات الفضائية والأنترنات. وما نراه حاليا هو لعبة توزيع أدوار، "النهضة" تترك السلفية تستفحل لتقول للشعب "إما أنا أو هم"، مثل ما كان بن علي يقول "إما أنا أو النهضة"، إنها سياسة ترهيب الشعب ليذعن للأمر الواقع.
* كيف التعامل مع السلفية؟
- العقد المدني يفترض أيضا أن يكون الموقف من السلفية واضحا، فلا يوضع هؤلاء موضع حركة "النهضة" سابقا، ينبغي أن يقال لهم بكل وضوح إنهم جزء من المجتمع التونسي ولهم كل الحقوق التي يتمتع بها التونسيون، ومنها حرية التعبير عن آرائهم. ولكن لهم أيضا نفس واجبات التونسيين ومنها الابتعاد عن استعمال العنف والخضوع لقوانين الدولة. هم أحرار في آرائهم والشيطنة لن تؤدي إلا لتغذية الظاهرة.
هناك فارق بين الشيطنة وبين نشر الوعي والمعرفة لدى المواطنين كي لا يكونوا لقمة سائغة لكل ناعق، والأحزاب التي تراوغ في المواقف وتحاول توظيف هذه الظاهرة سياسيا لصالحها تلعب بالنار وسيحيق المكر السيء بأهله.
* أثارت دسترة المجلس الإسلامي الكثير من الجدل بالتأسيسي وخارجه ما قولكم في هذه المسألة؟
- العقد المدني هو الدستور ولا ينبغي أن يتضمن أي فصل قد يستعمل معبرا لدكتاتورية دينية بعد خمس سنوات أو عشرين سنة. دسترة مجلس إسلامي يمكن أن يمثل هذا المعبر.
نواب "النهضة" يقولون اليوم إن هذا المجلس سيدافع عن الإسلام المعتدل، ما أدراهم؟ هل فتحت لهم أبوب الغيب؟ بما أنه سيخضع لمبدأ الانتخاب فقد يصبح مستقبلا آلة في يد غير المعتدلين. ثم إنّ المبدأ نفسه مخالف لروح الإسلام، ونتذكر كيف أن الخليفة العباسي عرض على الإمام مالك أن يجمع المسلمين على رأيه فأبى وقال له إنّ الأصل هو الاختلاف، فإذا لم تتوحّد الفتوى في القرون الأولى من الإسلام فكيف ستتوحّد اليوم؟
* قد تكون لهذه الدسترة نوايا إيديولوجية لها أهدافها؟
- قضية دسترة المجلس الإسلامي ليست قضية أيديولوجية، أنها مسألة مبدئية. لتفترض أن هذا المجلس قد دستر، وأن هناك كتلة صغيرة من عشرة نواب لها أفكار دينية متشدّدة، يمكن لها أن تطلب الفتوى من المجلس هل أن تعدّد الزوجات حرام؟ الأكيد أن المجلس سيجيبها بالنفي، فتطلب بعد ذلك السماح بتعدّد الزوجات، الأغلبية النيابية حتى إن لم تكن مقتنعة ستجد نفسها محرجة لأنها إذا رفضت مقترحها تكون قد رفضت "فتوى" المجلس أيضا.
لذلك فإن دسترة المجلس يعني بالضرورة، وبطريقة قد لا تكون مباشرة، أن التشريع يصبح مزدوجا، جزء منه للبرلمان وجزء منه لفقهاء السلطة وأصحاب الفتاوى السلطانية الممثلين في المجلس. وبذلك تفقد الدولة طابعها المدني. وما ذكرته في قضية تعدّد الزوجات ينسحب على مواضيع أخرى كثيرة.
إنّ موقفي هو ما كان أعلنه الغنوشي في أوت 2011 وقد قال آنذاك: " الرأي العام هو الضامن الوحيد لعدم تصادم السياسات والبرامج مع الإسلام". لا أدعو حركة "النهضة" لأكثر من تطبيق هذه القولة التي قالها زعيمهم. دسترة المجلس الإسلامي الأعلى هو خروج عن هذا المبدإ. الضامن لأن لا تكون التشريعات مخالفة لروح الإسلام هو أن كل حزب يقدم على أمر من هذا القبيل سيفقد ثقة الرأي العام به وبالتالي سينهزم في الانتخابات.
* تشنج آخر في نفس السياق ساد المشهد التونسي اليوم وهي قضية استقدام الدعاة، أي دواعي لإثارة مثل هذه القضايا؟
- ألاحظ أن كلمة داعية أصبحت اليوم شائعة، والداعية في التراث الإسلامي هو من يأتي لدعوة غير المسلمين للإسلام، أما الذي يذكّر المسلمين بمبادئ دينهم فيسمى في التراث "الواعظ".
لقد انتقلنا بعد الثورة من استعمال كلمة واعظ إلى استعمال كلمة داعية، وهذا أثر من آثار الدعاية السلفية على عقولنا، ولا أقصد فقط الحركات السلفية ولكن أيضا رواسب السلفية لدى حركة "النهضة" نفسها.
إنّ استعمالنا لهذه الكلمة يعني إقرارنا بأننا غير مسلمين، أو أننا مسلمون ناقصون وينبغي أن نعيد الدخول إلى الإسلام الصحيح، ويعني ذلك أن آباءنا وأجدادنا الذين ماتوا قبل أن يتعرفوا على سيد قطب ووجدي غنيم لم يكونوا مسلمين بالقدر الكافي. من رضي هذا الوصف لنفسه ولوالديه فليواصل استعمال كلمة "داعية"، وإلا فعلينا أن نعود إلى المصطلح المستعمل في التراث الإسلامي منذ 14 قرنا وهو مصطلح "الواعظ".
أما موقفي من مجيء ما يدعى بالدعاة إلى تونس فأنا أرى أنهم معروفون لدى آلاف الشباب الذين يتابعونهم عبر الفضائيات وبالانترنات، فقدومهم أو منعهم ليس هو الأصل في القضية، وأنا ضد فكرة المنع ولا أرى كيف يمكن أن تطبق خاصة وقد أعلنت الحكومة أن دخول الخليجيين إلى تونس سيكون دون تأشيرة، وسنرى هل سيساهم هذا الإجراء من تكثير المستثمرين أم في تكثير الدعاة، لكني شخصيا مع حرية التعبير وضد المنع. المهم في تقديري هو توعية الشعب بعرض تاريخ حركات الإسلام السياسي، مثل الوهابية والإخوان المسلمين وحركة الاتجاه الإسلامي وحركة النهضة، إنها حركات سياسية أساسا ورهانها هو السلطة، ويمكن للإنسان أن يكون مسلما مثاليا ويدخل الجنّة دون أن ينخرط في هذه الملل والنحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.