لئن تركزالاهتمام خلال الأسابيع والأيام الأخيرة حول البحث عن وفاق عام يخرج البلاد من الأزمة التي تردّت فيها، فإن تركيز الأطياف السياسية على اختلاف ألوانها ومواقعها قد كان باتجاه معالجة الواقع السياسي دون سواه، وذلك دون إثارة البعدين الاقتصادي والاجتماعي واعتبارمعالجتمهما مدخلا أساسيا لتجاوزالأزمة. هذا الإهمال أوإسقاط البعدين المشارإليهما يعكس في الحقيقة قصرا في التفكير لدى مجمل القوى السياسية وفي مقدمهم السلطة ذاتها، حيث إن جانبا هاما من الأزمة التي تمربها البلاد يعود إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وإلى عدم تطبيق الخطة التنموية التي تم إقرارها في كافة الجهات الداخلية التي كانت تنتظرنموا ولونسبيا يخرجها من الفاقة التي عرفتها على امتداد السنتين الأخيرتين. ففي الجهات الداخلية لا ينتظرالسكان هناك وضوحا سياسيا، ولا تهمهم المعارك الدائرة بين الأحزاب الحاكمة والأخرى المعارضة، حول جملة الاستحقاقات السياسية ، بل إن همّهم الوحيد وتطلعاتهم تبقى منحسرة حول الجانب التنموي بكل ما فيه من تشغيل وتحسين للبنية التحتية وتوفير لمواطن الشغل وغيرها من أسباب تحسين أوضاعهم الحياتية اليومية. ومطالبهم هذه تبقى مشروعة خاصة إذا ما نظرنا إلى التطورات الخطيرة التي حصلت على مستوى ارتفاع أسعارالمواد الاستهلاكية الأساسية، والتهدورالكبيرالذي عرفته المقدرة الشرائية لنسبة هامة من سكان البلاد، وعلى وجه الخصوص مواصلة الحكومة في عدم شعورها بهذا الخطرالداهم، وفي تبريرها المتواصل لفشلها في هذا الجانب وعنادها الرامي إلى أيهام الجميع بتحسن الوضع الاقتصادي ونموه من خلال تقديم أرقام وهمية لا صلة لها بالواقع اليومي للمواطنين. إن هذا الإهمال أو إسقاط ورقة البعدين الاقتصادي والاجتماعي من برامج الحكومة للمرحلة، لن يمربسهولة، وسوف تكون له تبعات خطيرة على مجمل أوجه الحياة، بل سيكون له أثره البالغ على الواقع السياسي في البلاد خاصة إذا ما لم تبادرالحكومة ببعض الإصلاحات السريعة كالحدّ من ارتفاع الأسعاروالضغط عليها بمراقبة نشاط الأسواق، والحيلولة دون تواصل مظاهرالتهريب والتسيب وغيرها من أشكال المضاربات التي سيطرت على كافة مجالات النشاط التجاري.