يبدو أنّ الشّعوب كما الدّول مدعوّة اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى إلى فهم ما يحدث في مجال الهندسة الوراثية وما يعنيه اكتشاف خريطة الجينات البشرية، إلى جانب الإطلاع على ما يجد في مجال اليوجينيا* والبحوث البيولوجية بصفة عامة: أولا لكي لا تبقى غالبية الدول والشعوب تعيش على هامش التاريخ تغط في أساطيرها اليومية، وثانيا كي لا تقع ضحية التقرير السنوي حول حقوق الإنسان في العالم الذي تصدره الخارجية الأمريكية كل سنة. دعوة الدول والشعوب إلى استيعاب البحوث البيولوجية القصد منها إدخال تحسينات واصلاحات انطلاقا من تغيير خرائط جيناتها لتتلاءم ومعايير حقوق الإنسان كما تراها الولاياتالمتحدة لتجميل صورتها وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية ولم لا ادخال تعديل على مستوى اللباس والذوق وطرق التفكير وحتى الأحلام لتتوافق والمعايير الأمريكية «العالمية» وكأن حقوق الإنسان ومفاهيم الديموقراطية بضاعة معلبة في صناديق للتصدير يجب على بقية الشعوب استنساخها كي تنال رضا البيت الأبيض وتحصل على شهادات الاستحسان في مجالات من قبيل حقوق الإنسان. في كل سنة تضع الولاياتالمتحدة خارطة للشعوب والدول وفق تصنيفات هي في الواقع بعيدة كل البعد عن المعايير العلمية وحتى الأخلاقية، فقط هو معيار واحد تحكمه المصالح ولعبة التوازنات الدولية، سمته ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين عملا بمقولة «ليس لنا أصدقاء دائمون بل لنا مصالح دائمة» كمحدد رئيس لجوهر السياسة الامريكية حيال الشعوب والدول خاصة منها الفقيرة والتي تسمى عادة بدول الهامش في مقابل دول المركز، الولاياتالمتحدة والدول الغربية. والتقرير الأخير لم يشذ عن هذه القاعدة حيث تم سحب الصين من اللائحة «السوداء» لأسوا منتهكي حقوق الإنسان مقابل ادراج سوريا إلى جانب السودان وأوزبكستان فيها إضافة إلى إيران وكوريا الشمالية وبورما وزيمبابوي وكوبا وبيلاروسيا وأريتريا وهي بلدان حسب خارطة البيت الأبيض «مركزة بين أيدي قادة لا يخضعون لأية محاسبة». وجاء في التقرير أن وضع حقوق الإنسان في سوريا قد تدهور هذه السنة كما وصف حصيلة حقوق الإنسان في السودان بأنها «فظيعة» في إشارة إلى عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب التي ترتكبها الميليشيات في دارفور. في الواقع ان الولاياتالمتحدة هي آخر من يحق لها الحكم على مدى احترام حقوق الإنسان بعد الجرائم التي ارتكبها جيشها في سجن أبو غريب والفضائح التي هزّت العالم بأسره والتي لا تمت بأية صلة لكل ما هو إنساني لا من قريب ولا من بعيد، ترفضه كل القوانين الدولية ومنطق التعايش البشري، إضافة إلى ما يحصل في سجن غوانتنامو والسجون الطائرة لوكالات المخابرات الأمريكية وهي كلها تشهد على مدى الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها واشنطن في مجال حقوق الإنسان وانتهاك حرمات الدول المستقلة ذات السيادة دون أن ننسى غزوها لأفغانستان والعراق دون أي تفويض أممي. وفيما تصنف الولاياتالمتحدة الدول إلى دول متعاونة وأخرى غير متعاونة، دول صديقة ودول راعية للإرهاب، دول تنتمي إلى محور الشر ودول ديموقراطية تستبعد بل تتجاهل عن قصد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي ترتقي إلى مستوى إرهاب الدولة و«المحرقة» لما تأتيه من جرائم يومية وإبادة جماعية في حق الأطفال والشيوخ والنساء ولم تسلم منها حتى البيوت والطرقات والمزارع وهو ان دل على شيء فإنما يدل على أن الولاياتالمتحدة وبالمثل إسرائيل لا تقيمان وزنا لحقوق الإنسان ولا لحقوق الشعوب في تقرير المصير ولذلك فهما آخر من يحق له أن يتحدث عن حقوق الإنسان والديموقراطية، واحترام خصوصيات الشعوب وقيمها وسياساتها، فعن أي إنسان تتحدث الولاياتالمتحدة وعن أية حقوق؟ * مجموع البحوث والدّراسات التي تهدف إلى تحسين النّوع البشري