- رئيس "نداء تونس": تونس دولة مسلمة منذ 14 قرنا.. ولا مجال للتفريط في مكاسب الجمهورية - ماذا يعني ان يجتمع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وزعيم نداء تونس الباجي قائد السبسي في قاعة واحدة؟ وماذا يعني أن يدلي القياديان الأكثر اثارة للجدل في المشهد السياسي في البلاد كل بدلوه في حاضر تونس ومستقبلها ولكن أيضا في تاريخها القريب والبعيد؟ الدستور والانتقال الديموقراطي والانتخابات ومجلة الأحوال الشخصية والعنف السياسي وجريمة اغتيال شكري بلعيد ورابطات حماية الثورة والعلاقات الدولية وموقع تونس من العالم كانت حاضرة خلال ندوة لم تخل من السجال غير المباشر بين الرجلين، ولو أنهما دعيا الى حوار تلفزي في الغرض لما كانا قبلا بذلك، على الأقل في هذه المرحلة. ولعله من المهم الإشارة الى أنه كان على رئيس حركة نداء تونس في مرحلة أولى أن يجلس في هدوء للاستماع لمداخلة السيد راشد الغنوشي قبل أن يترك هذا الأخير مقعده على المنبر لرئيس الحكومة التي قادت الى انتخابات 23 أكتوبر، وفيما توقع الكثيرون أن يغادر الشيخ القاعة إلا أنه اختار الجلوس في الصف الأخير وانتظر ان ينتهي السبسي من مداخلته لينسحب في هدوء... و من المهم الاشارة الى أن الامير هشام بن عبد الله العلوي الباحث والمحلل والكاتب في قضايا التنمية السياسية والاجتماعية والعالم العربي هو من أدار الجلسة الافتتاحية للندوة التي تختتم أشغالها اليوم. الموعد كان صباح أمس في الندوة السنوية لمركز الديموقراطية والتنمية وسيادة القانون جامعة ستانفورد بالتعاون مع كل من مركز الدراسات المغاربية وجامعة المنار بتونس تحت شعار "نحو ديموقراطية فعالة في تونس ومصر وليبيا" والتي واكبها ديبلوماسيون وسياسيون وجامعيون وخبراء في القانون الدولي وبعض من الإعلاميين والكثير من النساء. انطلق رئيس حركة النهضة من الحديث عن دولة الاستقلال وعن رئيس (دون ذكر اسمه) يستقبل أول أيام شهر رمضان وهو يحتسي الكأس -على حد تعبيره-الامر الذي اعتبره رئيس حركة النهضة من شأنه أن يجعل الناس يشعرون بأن هذا الرئيس ليس رئيسهم، مضيفا ان القطيعة تفاقمت بعد ذلك وزادت في عهد المخلوع و"أن الثورة شكلت في الأساس العودة الى الأصل والى مشروع خير الدين واستيعاب كل قيم الحداثة في اطار اسلام وسطي ينبثق من دولة المدنية ودولة التعددية والحداثة " الطاهر بن عاشور والنهضة وقاتل شكري بلعيد... وقال الغنوشي "انه ومنذ 1981 منذ دخول حركة النهضة الحياة السياسية في 1981 وهي تعلي من قيمة الحرية وتمد أيديها الى كل القوى المعارضة لمقاومة قوى الاستبداد"، وأضاف "نحن الذين دفعنا مع غيرنا أثمانا لا يمكن الا أن نكون أنصارا لدولة مستقلة ولثورة شعبية لا أحد يدعي امتلاكها أو احتكارها" الامر الذي يدفعه للاعتقاد بأنه لم يكن عصيا على الحركة الإسلامية التي يتزعمها أن تكون في طليعة الطبقة السياسية الحاكمة، واستدرك بأنه كان بإمكان حركة النهضة ان تحكم وحدها بعد حصولها على 51 بالمائة من الأصوات الانتخابية، الا انها آثرت عكس ذلك في هذه المرحلة الانتقالية. وشدّد على انه سواء تعلق الامر بحكومة الجبالي أو بحكومة العريض فإنها انتخبت بأكثر من ثلثي أعضاء المجلس التأسيسي وان الحركة كانت دائما حريصة على استراتيجية التوافق. وقال اننا نحتاج لهذا التوافق في الدستور وليس الاستفتاء على الدستور ولذلك قدمت النهضة تنازلات خلال مناقشة البند الأول من الدستور رغم ظهور تيار ديني داخل وخارج النهضة يدعو لاعتماد الشريعة في الدستور. وأوضح الغنوشي أن الحركة رأت في هذا الطلب توجها نحو تقسيم المجتمع واستطرد بقوله "عملنا ولا نزال نعمل على استبعاد الاستقطاب الأيديولوجي واعتمدنا البند الأول من دستور 59 في تحديد هوية تونس. وعن شكل النظام السياسي الذي تسعى اليه النهضة قال "خيارنا النظام البرلماني لان الدكتاتورية دخلت علينا من باب النظام الرئاسي ولكننا وجدنا أنفسنا وحدنا في هذا الخيار. أما عن اعتماد مبدإ التكامل بين المرأة والرجل فقد وصفه الغنوشي بأنه مفهوم جديد ولذلك لم يقع استيعابه فتم سحبه. وكشف زعيم حركة النهضة أنه لم تبق مشكلات كبيرة في الدستور، وخلص الى أن التحدي الأساسي مرتبط بتحقيق قدر أعلى من التوافق حول المواعيد القادمة، ووصف الطلبات الاجتماعية بأنها مشطة وتتجاوز الإمكانات الاقتصادية للبلاد ومن جهة أخرى، أعرب الغنوشي عن خشيته من أن يتحول الاغتيال السياسي الى سابقة بدل أن يكون حادثة. وقال "ان خيوطا بدأت تقود الى شخصية المجرم في جريمة شكري بلعيد". وقال ان الخطاب الشديد مقدمة للعنف. وانتقد ما تروجه له أوساط إعلامية من تسامح الحكومة مع العنف وقال ان المراحل الانتقالية غالبا ما تشهد مسا لهيبة الدولة واعتبر أن في ظل الديموقراطية لا يمكن العودة الى الزج بالآلاف في السجون على أساس "أن التعذيب يجيب." أما عن مجلة الأحوال الشخصية فقد اعتبر أنها غير مهدّدة وأن أصولها منبثقة من علماء الإسلام وهي مندرجة ضمن الاجتهاد الإسلامي، وشدد على التوافق الحاصل على نمط المجتمع واستشهد بتصريحات الدكتور هشام جعيط لتكذيب ما يتم ترويجه من محاولات لتخويف النساء وأسلمة المجتمع، وقال "مر أكثر من عام والناس يمارسون حياتهم ويذهبون الى الشواطئ ويمارسون حياتهم كما أن الخمارات مفتوحة والمساجد مفتوحة وكل يختار طريقه والإسلام هوالحرية". وذهب رئيس حركة النهضة الى أكثر من ذلك عندما تحدث عن فرض الحجاب وقال "نرى في الدول التي يفرض فيها الحجاب مظاهر نفاقية فما ان تصعد المرأة في تلك الدول الى الطائرة حتى تزيل الحجاب ". وقال ان 6 ملايين سائح زاروا تونس العام الماضي وأن مشروع النهضة ديموقراطي حداثي يولي الحرية مكانة متميزة وأن كتاب الطاهر بن عاشور أهم مراجع النهضة والحرية مقصد عظيم من مقاصد الاسلام. رابطات حماية الثورة لم تغب عن السيد الغنوشي في رده عن تساؤلات "الصباح" وقال "ليس هناك كيان واحد بل كيانات تحمل هذا الاسم مرخص لها وتعمل في اطار القانون". وشدّد على أن "السلاح تحتكره الدولة وهذه ميزة من ميزات الثورة" واعتبر أن رابطات حماية الثورة "جمعيات مدنية تخضع لقانون الجمعيات" مضيفا ان الذين اشتركوا في الجريمة التي وقعت في تطاوين في السجن. أما لماذا لا يقع حلها فقال الغنوشي "هذه مسألة من مهمات المحاكم وليس لنا أي تعاطف تجاه هذا الطرف أو ذاك". ولم يشأ الغنوشي التعليق على اتفاقية سيداو معتبرا أنه ليس مؤهلا لذلك. "المشكلة الكبرى في أسلمة المجتمع وتأسيس دولة إسلامية" الباجي قائد السبسي اختار أن تكون مداخلته بالفرنسية واستند مرة الى القران وأخرى الى الشعر والى النوادر التي تعوّد على سردها في مداخلاته. ومن البداية قال ان قراءته ستكون مختلفة عن القراءة السابقة في اشارة للغنوشي من منطلق المراقب والمشارك ولكن أيضا على الشاهد على المشهد السياسي وعلى الانتخابات الديموقراطية والشفافة التي حصلت , فتحدث مطولا عن شباب رافض للظلم والقهر شباب جعل من الكرامة والعدالة والحرية شعاره خلال الثورة ولكن أيضا ضد الفقر والبطالة معتبرا أن الثورة كانت بلا ايديولوجيا ولا قيادة ولم يكن لها مرجعية إسلامية واستعرض تجربته في قيادة الحكومة في مرحلة كانت تستوجب استمرارية الدولة بعد هروب المخلوع وسقوط النظام وضمان عدم انزلاق الثورة عن المسار الديموقراطي الذي يضمن لتونس عدم عودة الحزب الواحد والفكر الواحد الذي عاشت عليه تونس طويلا. وقال ان المشكلة أن الحكومة التي ترأسها لم تكن مدعومة بشرعية انتخابية وكان هناك خوف من السقوط في المخاطر الدكتاتورية واعتبر أن العبقرية التونسية جادت بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي قامت بما يشبه دور البرلمان بمشاركة الأحزاب والنقابات والجمعيات النسائية ولأول مرة تحكم تونس بالتوافق العريض وهذا درس وتجربة .و ذكر السبسي بأن نتائج الانتخابات منحت النهضة وهي حزب إسلامي الصعود بالحصول على 89 مقعدا عبر مليون ونصف من الأصوات. وقال السبسي ان النهضة لم يكن لها نية قبل ذلك للحكم بل كانت تسعة للمشاركة في التجربة السياسية وأمام النتائج التي منحتها أغلبية بسيطة اتجهت الى التحالف مع التكتل والمؤتمر ووصف التحالف بأنه ضد الطبيعة باعتبار الاغلبية الإسلامية للحكومة واعتبر أنه قد يكون توافقا انتخابيا جيدا ولكنه ليس توافقا حكوميا ناجحا وبرر ذلك بتأخر كتابة الدستور وعدم وضوح الرؤيا حول الانتخابات. واعتبر أن الشرعية الانتخابية تفرض عديد التساؤلات وقال الشرعية أنواع شرعية انتخابية وشرعية ثورية وشرعية توافقية وقال السبسي ان الحكومة الحالية تدّعي أنها حكومة ثورة والواقع أنها ليست كذلك وقال "أعضاؤها لم يشاركوا في الثورة وأنا أيضا لم أشارك فيها ولكني كنت شاهدا عليها". وقال هناك حزب يحكم بمفرده ولم يكن في مستوى تطلعات الشعب ومطامح الثورة. وقال ان المشكلة الكبرى أن الحركة الإسلامية هدفها أسلمة المجتمع ثم تأسيس دولة إسلامية وهذا يتعارض مع ارث بورقيبة. وقال "أعلم جيدا أن النهضة لا تحب بورقيبة ولكني أعترف بما حققه هذا الرجل في التعليم والصحة والمرأة التي احتلت مكانة مرموقة في المجتمع وأوضح أن سياسة بورقيبة لم تكن لائيكية بل استندت الى الإسلام والبند الأول من الدستور حدد هوية تونس بوضوح، وشدد على ان الحزب الحاكم إسلامي وأن هناك فرقا بين الإسلام وبين الإسلاميين ملاحظا أن "تونس بلد مسلم منذ أربعة عشر قرنا والدستور يوضح في البند الأول ان الإسلام دين الدولة. وأشار الى حكمة الغنوشي عندما تدخل لوضع حد لجدل استمر شهرين حول البند الأول من الدستور. وفي مجمل ردوده، قال السبسي ان حزب النهضة ليس حزبا ديموقراطيا وأن لديه خطابا مزدوجا، وأشار الى أنه تعامل مع حكومة النهضة طويلا ودافع عن فكرة عدم تعارض الإسلام مع الديموقراطية خلال توليه رئاسة الحكومة وأنه كان يعتبر أن حركة النهضة ليست كبقية الأحزاب السياسية الا أنه اضطر للاعتذار للتونسيين بعد ذلك، مقرا بأنه أخطأ في هذا الامر... فعندما تولت النهضة الحكم تغيرت. وخلص السبسي الى أن النهضة حزب إسلامي ولا يمكنه التعاون مع الاخرين وبالتالي لا يمكن أن يكون ديموقراطيا ولكنه استدرك قائلا "أعضاء النهضة ليسوا أعدائي وهم جزء من المشهد السياسي وسيظلون كذلك ولكن عليهم أن يضعوا مصالح الشعب والوطن فوق كل المصالح". وكرر موقفه بأن الشرعية الانتخابية انتهت رغم كل اللوم الذي واجهه بسبب هذا الرأي معتبرا أن المجلس التأسيسي انتخب من أجل مهمة واضحة وهي وضع الدستور ولكن لم يقع احترام هذا الالتزام... وأشار الى أن الهدف ليس بتعيين رئيس بدل بن علي ولكن تونس بحاجة لشيء آخر وهو تعميق المسار الديموقراطي لتكون الديموقراطية ممارسة. واستعرض التجربة الإيرانية التي عمدت الى التحالف بين الإسلاميين والنخبة العلمانية بعد الثورة والتي سرعان ما سقطت لتحل محلها هيمنة الحزب الواحد وبالتالي العودة الى المربع الأول ولذلك شدد السبسي على تمسكه بإنقاذ مكاسب الجمهورية ... و اختار زعيم حركة نداء تونس تلخيص دور تونس في دعم ليبيا في أزمتها وموقع تونس الصغيرة بثرواتها الكبيرة بشعبها وعقولها بقول السموأل: تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل وما قل من كانت بقاياه مثلنا شباب تسامى للعلا وكهول وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل...