أكثر من سبب من شأنه أن يدعو اليوم للتوقف عند ذكرى فقيد الاعلام و المسرح و الادب الهادي العبيدي الذي ترك بصماته بوضوح على المشهد الإعلامي و فرض نفسه في زمن كانت الساحة تزخر فيه بالاسماء التي استطاعت أن تشق طريقها الى النجاح رغم كل الصعوبات و التحديات التي رافقت ظهورها , بل ان من حق الراحل الهادي العبيدي على جيلنا الذي لم يعرف الكثيرون منهم الهادي العبيدي عن قرب في هذه الذكرى أن يستعيدوا مواقف الرجل و أن يقفوا على تلك الطريق الطويلة الشائكة التي قطعها بسبب شغفه بالاعلام وتفانيه و إصراره على النجاح في أحد المجالات التي لم يكن من الهيّن زمن الاحتلال و انحسار الافاق و قلة الامكانية أن يتحقق الابداع و تجد الكلمة الحرة طريقها للنشر و توعية المجتمع ... ما أحوجنا اليوم الى ذكرى الهادي العبيدي و فكره و هو الذي جمع بين الحداثة و الاصالة و عرف بأنه أخر عنقود جماعة تحت السور تلك النخبة المثقفة التي جمعت ثلة من أبرز الأسماء التي أثثت للمسرح و الادب و الشعر والاعلام و السياسة و شاءت أن تجمع في فترة واحدة أسماء كانت و ستبقى مرجعا في مختلف المجالات الفنية المعاصرة ممن جعلوا من المقهى نقطة التقاء و منطلقا للابداع و التحدي لكل مصاعب الحياة . لقد ارتبط اسم الهادي العبيدي بأكثر من صحيفة بينها الصواب والزمان والحياة و الزهرة و الوطن و السردوك و الفرززو كل ذلك قبل أن يواكب نشأة "الصباح " التي أراد لها أنذاك مؤسسها المرحوم الحبيب شيخ روحه منبرا صادقا و صوتا لا يتردد ضد المستعمر ليكون رئيس تحريرها منذ صدورها وحتى رحيله عن الحياة في 15 أفريل 1985 . اليوم تعود ذكرى الهادي العبيدي و معه نخبة من الاسماء التي انضمّت للصباح و كان لها دورها في حمل تلك الرسالة الإعلامية المقدسة رغم كل القيود و الضغوطات , فكان الراحل محمد قلبي صاحب اللمحة التي كنا نتسابق للاطلاع عليها قبل ان تنشر خشية ان تصادر أو أن يقع تحويرها , محمد قلبي الذي لا يعرف الكثيرون و هو الذي كان شجاعا و جريئا في زمن قلت فيه الشجاعة أنه رفض الاستمرار في كتابة اللمحة بعد أن وضع صخر الماطري صهر المخلوع يده على المؤسسة و قال بوضوح" لن امنحهم فرصة منعي من الكتابة "... و كان أيضا عمار منصور الذي طالما أبدع بأسلوبه الايحائي و قدرته على التلاعب بالكلمات و الحروف ...نستعيد اليوم هذه الأسماء التي كان لها و سيظل لها موقعها في الساحة الإعلامية لنستعيد تجربتها و نعيد اصلاح و تجديد ما يستوجب الإصلاح و المراجعة في مرحلة لا مجال فيها للاستغناء عن السلطة الرابعة بعيدا عن كل القيود و كل الابتزازات و المساومات ...الهادي العبيدي الذي أصرّ على أن يدون على قبر الطاهر الحداد عبارته الشهيرة "ضريح شهيد الحق و الواجب ...المصلح الاجتماعي الطاهر الحداد "الذي كلفته مواقفه الداعمة لحقوق المرأة وحريتها أن يبقى منبوذا ويموت مقهورا بعد اتهامه بالكفر والزندقة و حرمانه من شهادته العلمية يستحق اليوم منا لفتة تكريما لروحه و أفكاره التي استبسل في الدفاع عنها ...الهادي العبيدي الذي شارك في التأسيس لاتحاد الصحفيين العرب لا يمكن أن يكون مجرد ذكرى في مرحلة يتحسّس فيها اعلامنا طريقه الى المهنية والموضوعية بعيدا عن كل أنواع الابتذال ...تلك كانت بعض من مواقف البعض من رجالات الصباح التي نتطلع اليها حتى تكون نبراسا للاجيال الصاعدة ...