افتتح بقاعة علي القرماسي بالعاصمة مساء أول أمس معرض الرسام محمد بكار وسط حضور عدد كبير من الفنانين التشكيليين من مختلف المدارس والأجيال. واختار هذا الفنان التشكيلي أن يكون محور معرضه الذي يعود به إلى عالم الألوان، بعد غياب على الساحة لسنوات، طرْحُ لقضايا واقعية بالأساس لكن بطريقة تجريدية. لتعكس لوحاته، المعروضة في هذا الرواق والتي قاربت الثلاثين، جانب من مشاغل المجتمع التونسي اليوم من خلال الربط الوثيق بين الواقع الذي عاشه واسقاط التجارب الحياتية الخاصة على تجارب أخرى عايشها الانسان في علاقته بواقعه والآخر والأشياء في هذا الكون. وقد اختار أن يُعَنْوِنَ كل لوحة بمفردة واحدة على غرار " التقاء" و"انصهار" و"حلم" و"العُقد" و"المتاهة" و"أمزجة" و"لقاء" و"ترانيم" و"المنفذ" و"السبل" و"تواصل" وغيرها من المفردات التي تختزل عوالم من المشاغل وتحمل استفهامات كثيرة وتنفتح على قراءات مختلفة خاصة أن محمد بكار يحذق جيدا فن الخط العربي. فكان المعرض بمثابة رحلة موغلة في أبعادها الفنية الثرية بالرمزية والدلالة لاسيما أن القاسم المشترك بين كل الأعمال هو الجمع بين الواقعية والخيال أو التوق والاستشراف. أول معرض شخصي ولعل السمة المميزة لأعمال هذا الفنان هو أن كل لوحة تحمل تعبيرة انسانية يجسدها في تلويناتها وتحولاتها عبر تضاريس تجريدية تخضع في أشكالها الهندسية لوقع المعاني التي تخضع بدورها لقوة المشاعر من ناحية وعنف السلطة من ناحية أخرى. لتكون رؤيته الفنية للواقع تقف عند تقاطعات انسانية تتجسد في طروح فكرية وأخلاقية وقيمية من قبيل "الأثر" و"الحق" و"الحلم" وغيرها. مما يجعل أعماله بمثابة دعوات تنتصر لهواجسه وانتظاراته من تونسالجديدة من جهة ونزوع إلى التحرر من الرمزية في بعض الأحيان ليوجه القراءات ويحول دون التأويلات التي قد تبتعد عن مضمون تعبيراته الفنية. فكان عالمه اختزال لعوالم بما تحمله من انكسارات وهزات وآمال ومطامح وانتظارات. لأنه يرى أن الفن التشكيلي قادر على تمثل الواقع وتعرية مواطن الوهن فيه من منظور اجتماعي لكن بطريقة فنية بحتة. والمعرض المذكور أول معرض شخصي للفنان التشكيلي بعد أن أدرك سن التقاعد من التدريس. ليؤكد من خلاله أن "الفن ليس له عمر" والإبداع هو فلسفة الممكن إذا ما توفرت الموهبة والإرادة والظروف. ومن المنتظر أن يشارك هذا الفنان في معارض أخرى داخل تونس وخارجها ليقدم مجموعة أخرى من أعماله التي أنجزها مؤخرا.