بالرجوع إلى المختصين وبتأمل واقع الممارسة الإعلامية يتبين غياب أية مؤشرات جدية تجعلنا نستخلص أنه توجد إرادة واضحة لتفعيل المرسوم عدد 41 لسنة 2011 المؤرخ في 26 ماي 2011 والمتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية، فكأن المسألة مستبعدة وغائبة عن واقع الممارسة الديمقراطية الناصة على حقّ كل مواطن في النفاذ إلى المعلومة، والسؤال هو أن عدم تفعيل هذا المرسوم يعود إلى أسباب متعلقة بالنص القانوني في حدّ ذاته بسبب عدم تنصيصه على الآليات الكافية للحصول على المعلومة أم أن الأمر يعود إلى غياب إرادة سياسية حقيقية تؤمن بدور الحريات وخاصة منها حرية الإعلام والتعبير في بناء الديمقراطيات وبالتالي هي محاولة للتعتيم والإقصاء وإخفاء للمعلومة.؟ في هذا السياق وُجهت العديد من الانتقادات إلى المرسوم عدد 41 غير أن الوقوف على النقائص والمصاعب يبقى رهين التنفيذ الفعلي للفصول المضمنة به للتمكن من وضع أفضل السبل والآليات للنفاذ إلى المعلومة. التفعيل الجدي تفعيل مختلف الفصول يبدأ أولا -على حدّ قول وحيد الفرشيشي أستاذ جامعي- "بإعادة تفعيل دور مكاتب العلاقة مع المواطن بصفة جدية وإعادة فتح المغلق منها، وهذه الإعادة الجدية ستمكن من إعداد التقارير الثلاثية والسنوية التي نص عليها المرسوم والتي بدورها ستمكن من الوقوف على المعوقات على المستوى القانوني والإداري والمالي والبشري والتي حتما سيتفطن إليها الموظفون العاملون بهذه المكاتب " بمعنى أن "التفعيل الجدي والبدء في تنفيذ المرسوم سيخول الوقوف لحظة بلحظة ومن خلال الممارسة اليومية عند التناقضات التي يشملها المرسوم والبحث عن معالجتها". هناك الكثير من الصعوبات والتضييقات على المعلومة حيث انتقد عبد القادر اللباوي رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة غياب عاملي الدقة والوضوح في عدة فصول أهمها أي نوع من المعلومات يمكن النفاذ إليها ومن هي الجهات التي يمكن لها أن تقوم بهذه المهمة حيث أوضح اللباوي أن المرسوم عدد 41 يتناقض مع قانون الوظيفة العمومية الذي يمنع العون أو الموظف العمومي من إفشاء السر المهني وهو ما يطرح تساؤلا جديا: من هو الموظف أو العون المكلف بإعطاء المعلومة وبالتالي ضرورة ضبط قائمة حصرية في هذا الشأن، إلى جانب ذلك ماهي المعلومات الممنوعة عن العموم وفي أي مجال أو حقل تُطرح.؟ مزيد التفصيل والدقة وللإجابة عن هذه التساؤلات رأى اللباوي أن الأمر يحتاج إلى حوار بين المشرّع ومكونات المجتمع المدني ومختلف الهياكل المعنية ذلك أن المرسوم يحتاج إلى مزيد التفصيل والدقة وإعادة النظر في القوانين الأخرى المتضاربة مع بعضها البعض "فكأن المنظومة القانونية التونسية ما تعطيه لك باليد اليمنى تأخذه منك باليد اليسرى والحال أنه يستوجب أن تكون ترسانة القوانين متجانسة ومتكاملة فيما بينها". وفي قراءة مفصلة للمرسوم أكد الأستاذ وحيد الفرشيشي أن "الفصل الثالث تعرض إلى طريقة إفشاء الوثائق الإدارية وقد أكد عليها المشرّع قبل ذلك في بعض النصوص القانونية لكن لم يقع احترامها". و قال: "للسائل أن يسأل لماذا وقع التمييز بين النفاذ إلى الوثائق الإدارية عن طريق مطلب من ناحية والنفاذ إلى الوثائق الإدارية بالإفشاء من ناحية أخرى؟ بمعنى آخر لماذا لم يقع وضع طريقة واحدة ما دامت النتيجة نفسها؟" قبل ان يضيف: "لا يمكن وضع طريقة واحدة ذلك أن هناك معلومات تهم المجموعة أي الشعب التونسي بأسره لذلك يجب نشرها دون إجراءات أو مطالب مسبقة، كما أن هناك معلومات لا تهم المجموعة بل هي تثبت حقا فرديا ومتعلقة مثلا بمعطيات شخصية لمواطن معين ويعد إفشاؤها من باب التشهير وأحيانا من باب المساس بالسمعة لذلك وجبت حمايتها من خلال إجراءات مسبقة للنفاذ إليها" وأضاف الفرشيشي أن " الفصلين 4 و5 نصا على ما يجب أن تنشره الإدارة بصفة منتظمة مما يدعو إلى التساؤل هل وردت هذه القائمة على سبيل الذكر أو على سبيل الحصر؟ حماية المعطيات الشخصية لكن الفرشيشي يرى أن "القائمة وردت على سبيل الحصر لأن هناك معلومات تهم المجموعة لكنها تمس بالأمن الداخلي أو الخارجي للبلاد أو يمكن أن تنال من أشخاص معينين.. وتأكيدا على ذلك ألزم الفصل 15 من المرسوم عدد 7 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 والمتعلق بإحداث اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، -ألزم-الإدارة بمد اللجنة بكل ما يساعدها من وثائق في أداء مهامها و لكنه في المقابل جعل مداولات اللجنة سرية صلب الفصل السابع وألزم كل عضو باللجنة بالسر المهني حماية لمن تعلقت بهم المعلومات المقدمة من قبل الهياكل الإدارية للجان الحقيقة" ويوجد صدى لذلك صلب الفصول 6 و 7 و8 من المرسوم عدد 8 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 و المتعلق بإحداث اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوال موجبها. لكن إفشاء الوثائق الإدارية لا يكفي لوحده لممارسة حق النفاذ إلى الوثائق الإدارية و لا يكفي لتكون الإدارة شفافة مع مواطنيها، لذلك قدم المرسوم ضوابط و قواعد تنظم إفشاء الوثائق الإدارية دون مطلب من المواطن. سهولة النفاذ إلى المعلومة تتمثل هذه القواعد، حسب ما أوضحه الفرشيشي، في سهولة النفاذ إلى الوثائق الإدارية من ناحية و في وجوبية تحيين الوثائق عند الاقتضاء ، قبل إفشائها، وهو ما نص عليه الفصل السادس من المرسوم، "وتعني سهولة النفاذ أن يكون المواطن العادي قادرا على الاتصال بالوثائق الإدارية دون عناء لذلك فإن إيداع الوثائق الإدارية مثلا بمكتب الضبط أو مكتب بإدارة عمومية قد لا يكفي في حد ذاته حتى مع وجود الفصل 20 من المرسوم الذي يلزم العون باحترام المرسوم خاصة أن أعوان الإدارة التونسية قد عرفوا بقلة انضباطهم" ولاحظ الفرشيشي قائلا: "في المقابل لم يتحدث المرسوم عن قابلية القراءة للوثائق فمثلا الوثائق المتعلقة بالمالية العمومية عادة ما يصعب فهمها حتى على المختصين فما بالك بالمواطن العادي كما اكتفى المرسوم بالحديث عن النشر بصفة منتظمة ولم يحدد آجالا للنشر، إلى جانب سهولة النفاذ ينص المرسوم على وجوبية التحيين السنوي عند الاقتضاء حتى تكون الوثائق ذات قيمة عندما يستعملها المواطن" وهو ما غاب عن جل المواقع الرسمية للوزارات والمؤسسات العمومية.