في سياق المرحلة التاريخية الفارقة التي تعيشها بلادنا والتي ميزتها المؤقت في تنظيم السلط وخاصيتها هيئات تصفي إرث الماضي وأخرى تفتح طريق الانتقال إلى المستقبل على درب إرادة الشعب في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، وفي خضم عزيمة التأسيس لروح قوانين الدولة التونسية ونعني دستورنا الثالث بعد دستور سنة 1861 ودستور سنة 1959 ،ولكي نؤدي أمانة البناء السليم لمستقبل وطننا الذي يعز عن الوصف ، تقدمت الجمعية التونسية للمتصرفين في الأرشيف يوم الثلاثاء 10 جويلية إلى رئاسة المجلس التأسيسي عن طريق لجنة الحقوق والحريات بمقترح تضمين حق الحصول على المعلومة والنفاذ إلى وثائق الدولة التونسية في المبادئ العامة لدستور الدولة التونسية ،ضمنته عرضا مختصرا حول تجسيد هذا الحق في أمثلة من الديمقراطيات الكبرى تمثل في النقاط التالية : تعني حرية النفاذ إلى الوثائق الإدارية أو ما يعرف بشفافية الوثائق الإدارية بحق كل مواطن في النفاذ إلى كل وثيقة إدارية تهمه ، هذا الحق الذي اعتبره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته عدد 19 مكونا أساسيا من مكونات حرية التفكير والتعبير ، وتعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية رائدة في ذلك لسنها قانون حرية النفاذ إلى المعلومة منذ سنة 1966 وعرف ذلك القانون ب عرض الحكومة على وضح النهار لكونه يقضي باستبعاد جميع الإجراءات الغامضة والملتوية التي تحجب المعلومة التي تخص المواطن الأمريكي. ومنذ ذلك الوقت سنت 75 دولة قوانين وتشريعات مماثلة على غرار هولندا سنة 1980 وبلغاريا ورومانيا والمملكة المتحدة والهند سنة 2005 , أما بالنسبة إلى فرنسا فقد سنت قانونا يتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية سنة 1978 وأحدثت بمقتضاه لجنة النفاذ إلى الوثائق الإدارية وطورته سنة 2008. وعموما عرفت الدول الديمقراطية مقاربتين للنفاذ إلى الوثائق الإدارية , واحدة تكرس النفاذ التام وتجسم الشفافية التامة وتحتل السويد مرتبة الريادة في هذا الصدد حيث يخول قانونها مثلا مواطنيها من النفاذ إلى الوثائق المتعلقة بالمصاريف اليومية لأعضاء الحكومة مثلا , إذ يكفي أن يقدم مطلب في الغرض إلى السلط المعنية حتى تتم الاستجابة لذلك كما تحمي قوانين الدول التي اعتمدت هذه المقاربة الأعوان الذين يسلمون وثائق قد تكون لها تبعات قضائية أو قانونية من ذلك مثلا أن حق النفاذ إلى المعلومات الإدارية قد مكن من الكشف عن دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في عدة انقلابات في دول مختلفة كما مكن القانون الحامي لذلك الحق من نشر صور جثامين الجنود الأمريكيين الذين لقوا مصارعهم بالعراق كما كشف ذلك الحق عن قائمة أسماء سجناء غوانتنامو... ( نستحضر في هذا الصدد اللهاث الدائم وراء الوثائق التي تدين قتلة من سقطوا أيام الثورة وكذلك الحقائق التي تبقى خفية عن ضحايا الاستبداد لأن الجلاد قد وجد في المدونة القانونية التونسية البائدة ما يكفي لحمايته حيث لا يمكن للشعب التونسي أن يطلع على الوثائق الرسمية ذات العلاقة بأمن الدولة والنظام العام التي قررت لأحداث ثورة الحرية والكرامة إلا بعد ستين سنة ولا يمكن لملفات محاولة الانقلاب عن النظام الحاكم بتونس سنة 1962 أن تكون متاحة للعموم حسب التشريع الحالي إلا بعد مرور 60 سنة أي سنة 2022 والأمر نفسه بالنسبة إلى أحداث 26 جانفي لسنة 1978 وأحداث الخبز جانفي سنة 1984 ...لأنها كلها تمس أمن الدولة التي سنت ذلك القانون وحتى وإن مكنك التشريع الجديد من النفاذ إليها فهل أعلمك التشريع القديم بأنها مازالت موجودة ؟؟؟ ). أما المقاربة الثانية فتتمثل في النفاذ المقيد إلى الوثائق الإدارية وأفضل نموذج لذلك التشريع الفرنسي في قانونه المؤرخ في 17 جويلية 1978 المتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية الذي أحدث لجنة فنية تحدد ضوابط النفاذ والوثائق المعنية بالقانون تسمى «لجنة النفاذ إلى الوثائق الإدارية «C.A.D.A »»، واستثنى هذا القانون وبداية من فصله الأول مجموعة من الوثائق من حق النفاذ إليها وهي : آراء مجلس الدولة والتقاضي الإداري ووثائق الموفق الجمهوري ووثائق دائرة المحاسبات التي تم ضبطها بأمر ، كما كرس التشريع الفرنسي الصلاحية الاستشارية للجنة النفاذ في أفريل من سنة 2000 واعتبر قراراتها ملزمة للهياكل المطلوب النفاذ إلى وثائقها الإدارية واستصدر دليلا مفصلا للنفاذ إليها في جوان من سنة 2008... لقد فرض الانتقال الديمقراطي الذي تشهده بلادنا منذ ثورة 14 جانفي 2011 , استصدار تشريعات جديدة تفعل الممارسة الديمقراطية وتضخها ضخا في عروق أجهزة الدولة لتبدل دم الفساد الذي سرى فيها بدم جديد صاف ,ومن ضمنها المرسومان عدد 41 وعدد 54 لسنة 2011 المنظمان للنفاذ إلى الوثائق الإدارية وهي محاولة أولى وأولية من حكومة ما بعد الثورة لتكريس الشفافية الإدارية التي استعرضنا مبادءها العامة آنفا والتي نسعى إلى أن تضمن في المبادئ العامة للدستور الجديد للدولة التونسية بإضافة وحق النفاذ إلى المعلومة إلى الصياغة الواردة بالفصل 8 من دستور سنة 1959 في صورة المحافظة عليها لتصبح كالتالي : حرية الفكر والتعبير والصحافة والنفاذ إلى المعلومة والنشر والاجتماع وتأسيس الجمعيات مضمونة وتمارس حسب ما يضبطه القانون وفي حال تغييرها نؤكد على ضرورة تضمين حق النفاذ إلى المعلومة بمبادئ دستور دولتنا ضمانا للشفافية الإدارية التي تكفل الحق وتصون الكرامة .
بقلم: الأسعد الهلالي* رئيس الجمعية التونسية للمتصرفين في الأرشيف