تونس الصباح: هل يمكن أن تتعارض سلطات البرلمان الامريكي بغرفتيه مع سلطات رئيس الجمهورية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة العسكرية؟ وما هو دور الكنغرس الامريكي بغرفتيه في مراقبة عمل البيت الابيض والحكومة ووزارةالخارجية؟ وكيف تحسم الخلافات بين الرئيس والكنغرس في صورة حدوثها؟ وهل يتمتع الرئيس الامريكي بسلطات مطلقة في بعض الملفات؟ هذه الاشكاليات وغيرها كانت محورلقاء مفتوح مع نائب رئيس البعثة الامريكية في تونس مارك ديجاردان Marc Desjardin نظم مساء الجمعة الماضي في مقرجمعية الدراسات الدولية في عمارة بابل بمونبليزير في العاصمة بحضور عشرات من الخبراء والطلبة والديبلوماسيين والاعلاميين ومسؤولي جمعية الدراسات الدولية يتقدمهم الاستاذان الرشيد ادريس وخليفة شاطر.. في سياق سلسة من الندوات الدورية بينها ندوة ستنظم مساء الجمعة القادم حول الحرب بين حزب الله واسرائيل في صائفة 2006 باشراف الخبيروالكاتب الفرنسي بيير رزوك. المحاضرالامريكي مهد للحوار بمحاضرة عن الصلاحيات الدستورية والقانونية والسياسية للرئيس والبرلمان بغرفيته في الولاياتالمتحدة وتوقف عند عدة نقاط من بينها أن الدستور الامريكي أعطى الكنغرس نفس صلاحيات رئيس الجمهورية في تسيير البلاد لضمان حد من التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وحسب الديبلوماسي الامريكي فان مجلس الشيوخ باعضائه ال100 ومجلس النواب باعضائه ال435 يلعبان دورا حاسما في تسيير البلاد وسياستهاالخارجية والعسكرية لا سيما عبرلجنتي الشؤون الخارجية في مجلسي الشيوخ (21 عضوا) والنواب (50 عضوا).. والطاقم الهائل من مساعدي كل عضو في الكنغرس (سيكريتارية كل عضو تتراوح بين 20 وأكثرمن خمسين عضوا يتولى كل منهم متابعة ملف او عددا من الملفات ليقدمها الى النائب قبل مناقشة مشاريع القرارات والقوانين في مستوى اللجان أو الجلسة العامة). ويعطي الدستور الامريكي صلاحيات أكبرلمجلس الشيخ في رسم السياسة الخارجية : فهو مطالب بالتصويت بنسبة الثلثين على جميع الاتفاقيات وهو الذي يبت في تسمية السفراء باغلبية نسبية .بينما يتولى رئيس الجمهورية تسلم اوارق اعتماد السفراء وله حق الاعتراف بالدول (على غرار ماحصل مؤخرا بالنسبة لكوسوفو). وللكنغرس وحده حق تقنين التجارة الخارجية ومعاقبة بعض الدول المتهمة بالقرصنة وهو الذي يقررالحرب ويبت في مشاريع دعم الجيوش ماليا وعسكريا .بينما تقتصرمهمة اعلان الحرب على رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة. ويتمتع الكنغرس بصلاحيات مطلقة في مراقبة التسييرالمالي للمؤسسات التنفيذية أي أن الصلاحيات المالية للرئيس والجهاز التنفيذي تخضع لمراقبة الكنغرس. "كما قد يقرر الكنغرس ترفيع المساعدات العسكرية مع بلد صديق مثلما حصل مؤخرا مع تونس. في المقابل يمكن للكنغرس ان يشمل برامج التعاون العسكري والاقتصادي مع بلد معين على غرار ما فعل سابقا مع اندونيسيا لما كانت سلطاته متهمة بانتهاك حقوق الانسان أو ما حصل مع بلدان اتهمت قياداتها بتتنظيم انقلابات عسكرية ضد انظمة ديمقراطية منتخبة " على حد تعبيرالمحاضرالامريكي. تناقضات بين الكنغرس والرئيس وسجل المحاضرأن الممارسة السياسية في الولاياتالمتحدة كشفت حصول حالات صراع بين رئيس الجمهورية والكنغرس على غرار ما حصل للرئيس ويلسون في اعقاب الحرب العالمية الاولى حيث عجز رئيس الجمهورية عن اقناع مجلس الشيوخ بضرورة دعم قيام "عصبة الامم" (الهيئة الاممية التي سبقت منظمة الاممالمتحدة). في المقابل يمكن لبعض اعضاء الكنغرس وخاصة للشيوخ تقديم مشاريع قوانين سياسية وعسكرية مهمة جدا وفرض تنفيذها في صورة فوزها بثقة الكنغرس. في هذا السياق قام الشيخان ريتشارد لوقر زعيم الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ ونظيره زعيم الديمقراطيين صام لوقرعام 1991 بعرض مشروع صادق عليه الكنغرس حول "برنامج الشرامة من أجل الحد من التهديدات والمخاطر" مما وفرأموالا هائلة لمساعدة الاتحاد السوفياتي السابق على تفكيك نسبة مهمة من أسلحة الدمار الشامل السابقة. ومن بين سلطات الكنغرس دعوة كبار المسؤولين في الدولة لمساءلتهم ومحاسبتهم علنا (في حصص تبثها وسائل الاعلام مباشرة بالصوت والصورة) على غرار ما حصل مع وزيرالدفاع رامسفيلد ثم مع السفيرالامريكي في بغداد السيدكروكر Crocker وقائد القوات المسلحة في العراق الجنرال بيتراوس Petraeus. خيبة أمل وفي حصة النقاش العام تدخل عدد من الحضوروبينهم ثلة من الخبراء والاعلاميين و الديبلوماسيين لا سيما سفير رومانيا بتونس والسفيرالسابق سالم الفراتي والاستاذ أحمد ادريس والاستاذة يسرالشابي المحامية (أعضاء الهيئة المديرة للجمعية) ومديرة المركز الثقافي الامريكي بتونس السيدة باتريسيا.. وقد ركزت عدة مداخلات على المواقف السياسية الخارجية الامريكية والاتهامات الموجهة للادارة الامريكية والكنغرس بالانحياز المبالغ فيه الى سلطات الاحتلال الاسرائيلي ضد القضايا العادلة للشعب الفلسطيني وبقية شعوب المنطقة ودولها. كما اعتبرت بعض المداخلات ان الاختلافات والتناقضات بين رئيس الجمهورية الامريكية والبرلمان بغرفتيه ثانوية جدا عندما يتعلق الامر بقضايا تهم العالمين العربي والاسلامي.. لاسيما في عهد الرئيس بوش الابن الذي طبع عهده بالحروب المدمرة التي شنها في المنطقة من افغانستان الى العراق وفلسطين ولبنان.. فضلا عن تسبب سياسته في استفحال مخاطر العنف والارهاب والتطرف في العالم أجمع.. وكشفت بعض المداخلات احساسا متناميا في عدة اوساط بينها النخب العربية بخيبة امل في السياسة الخارجية والعسكرية الامريكية.. وشكا في مصداقية الوعود بدعم الاصلاح والديمقراطية في " الشرق الاوسط الكبير"..كما اعترضت احدى المشاركات في الحوار على مبدإ " التدخل الاجنبي " من قبل الكنغرس والادارة الامريكيتين في الشؤون الداخلية للدول العربية تحت يافطة الاصلاح ودعم الديمقراية وحقوق الانسان. دور المؤسسات و مجموعات الضغط في المقابل دعا بعض المتدخلين الى فهم فسيفساء المؤسسات الدستورية والسياسية والاعلامية الامريكية قبل توجيه انتقادات مجانية وغيرمركزة اليها عوض فهم مواطن الضعف والثغرات وعناصر القوة في الادارة ومراكز صنع القرار في الولاياتالمتحدة ومن بينها دورمجموعات الضغط ("اللوبيات ") ومستشاري اعضاء الكنغرس ومساعديهم.. الذين يكيفون توجهات أعضاء الكنغرس وبقيةالساسة.. ويتاثرون بمجموعة من المعطيات بينها ميزان القوى المالي والسياسي وشبكة المصالح التي تتدخل في تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين لعضوية الكنغرس وللوصول الى البيت الابيض. واعتبر أحد المتدخلين أنه بقدر ما ينبغي انتقاد انحياز الادارة الامريكية الى اسرائيل وحروبها في المنطقة ينبغي فهم نقاط القوة في المجتمع الامريكي الذي يتميز بانفتاحه.. وبالدور القوي لوسائل الاعلام والكنغرس فيه.. وهو ما يفسركشفهما لفضيحة التعذيب في سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو ومساءلتهما علنا لوزيرالدفاع رامسفيلد ومجموعة من المقربين من بوش الابن (من بين رموزالمحافظين الجدد مثل فولفو فيتش) مما ادى الى اقالتهم من مناصبهم.. وحمل البعض مسؤولية تزايد دور اللوبي اليهودي واللوبي الصهيوني بسلبية اللوبيات العربية وضعفها.. رغم بعض المؤشرات الايجابية.. ورغم المصالح الاقتصادية والاستراتيجية العربية الهائلة التي تربط الدول العربية بالولاياتالمتحدة . غياب الانضباط الحزبي بين النواب وخلال تعقيبة على النقاشات السخنة التي شهدتها الجلسة أورد السيد دوجاردان أن الدستور الامريكي لم يعدل كثيرا بخلاف غالبية الدساتير في العالم.. وتوقف عند عنصرمهم يميز الحياة السياسية الامركية وهوهامش الحرية الذي يتمتع به أعضاء الكنغرس الامريكي بعد انتخابهم.. فهم لا يتقيدون غالبا بموقف حزبهم.. وان كان الرئيس من نفس الحزب.. بل يعبرون أكثرعن مواقف الولاية التي انتخبتهم.. وكثيراما تتناقض مواقفهم مع مواقف الرئيس وحزبهم.. لأن الاهم بالنسبة اليهم ليس الانضباط الحزبي بل الدفاع عن مصالح جهتهم وولايتهم.. ووجهات النظر السائدة فيها من القضايا الخلافية مثل حق حمل السلاح والاجهاض والطلاق.. كما لاحظ المحاضرأن الرئيس الامريكي لا يمكن أن يعرض على الكنغرس اي مشروع قانون ولكنه يضطرالى اقتراح المشورع على احد النواب (او مجموعة منهم) للقيام بذلك بدلا عنه . كما نفى المسؤول الامريكي فرضية تورط غالبية النواب او المسؤولين الامريكيين في الحصول على اموال (لصالحهم كاشخاص) من قبل اي لوبي من اللوبيات الكثيرة جدا مقابل التوصيت على مشروع قانون أو تمرير موقف معين.. وذكر بان بعض الذين ثبتت ضدهم هذه التهمة عوقبوا بالسجن . واعتبرالمحاضر أن من بين جسور التواصل بين الكنغرس وتونس والمنطقة تعدد مجالات تاسيس مجموعات صداقة ولوبيات فيه مناصرة لتقوية مستوى التعاون والشراكة مع تونس والدول العربية والاسلامية.