تأخر التسجيل.. عملية إقصاء مبيتة ل 3 ملايين ناخب تونس - الصباح الاسبوعي: بات التكهّن بموعد الانتخابات القادمة أمر شبه مستحيل في خضمّ التضارب الكبير في المواعيد المعلنة من السياسيين خاصّة أولئك الذين يمسكون بزمام الدولة وبزمام المجلس التأسيسي.. فقيادات حركة النهضة الحاكمة والحائزة على الأغلبية التأسيسية غابت عنهم الدقة والحسم في موعد الانتخابات الذي تبقى آمال التونسيين معلّقة به للوصول بالبلاد إلى برّ الأمان. في الديمقراطيات العريقة تكون العملية الانتخابية عملية متحركة ومستمرة لأنها حدث دوري وليس حدثا استثنائيا.. لكن في تونس وبعد أن استبشر الرأي العام وانتشى التونسيون بانتخابات أكتوبر 2011 وبنزاهتها وحيادها نجد أنفسنا اليوم أمام فرضية "انتخابات في علم الغيب".. فلا أحد يملك اليقين حول الأجندة السياسية القادمة.. نواب التأسيسي غارقون في دستور لا ينتهي.. أما الحكومة فقد أصبح موعد الانتخابات "لوبانة" في كل يوم يلوكها عضو منها الى درجة بتنا نتحرّج مكانها.. كلهم وعدوا.. وكلهم أخلفوا دون هيئة انتخابات ودون قانون انتخابي ودون دستور تشدّ الانتخابات "المجهولة التاريخ" القادمة اهتمام الشعب التونسي الذي يراها طوق النجاة الذي قد يقود سفينة البلاد الى برّ الأمان و لكن موعد إجراء الانتخابات القادمة ما فتئ يثير جدلا حادا في الأوساط السياسية.. الاتهامات بالتلكؤ تصاعدت في الفترة الأخيرة معتبرة أن الأطراف الحاكمة تريد أن تذرّ الرماد في العيون بمواعيد واهية دون التزامات جدية وأن هناك أحزابا تريد البقاء في السلطة لأكبر وقت ممكن لتستطيع ضمان وجودها في الحكم بعد الانتخابات المزمع إجراؤها. زعيم حركة النهضة صرّح في 4 أكتوبر 2012 أن الأسبوع الأوّل من شهر جويلية 2013 هو الحدّ الأقصى المقترح لاجراء الانتخابات.. يعني أن "نبوءة" الغنوشي لو صدقت لكنّا اليوم نحن بصدد وضع اللمسات الأخيرة "للعرس" الانتخابي.. ولكن جرت الريح بما لا تشتهي تصريحات الغنوشي، التي ربما أدلى بها حينها كمحاولة لامتصاص غضب جزء من الرأي العام بعد ان أخلفت حركة النهضة والمجلس التأسيسي ووقع تجاوز وثيقة المسار الانتقالي التي أمضت عليها جلّ الأحزاب الكبرى الموجودة اليوم وتقرّ بأن مدة عمل المجلس التأسيسي لن تستغرق أكثر من سنة لاعداد دستور والمرور الى الانتخابات.. ولكن نحن على مشارف السنتين من عمل المجلس دون أن نجني شيئا. زعيم حركة النهضة ليس الوحيد الذي ضرب موعدا للانتخابات كان "غير دقيق" فقد سبقه أمين الحركة حمادي جبالي لتحديد موعد وهمي وكذلك رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر وكذلك المستشار السياسي لرئيس الحكومة علي العريض نور الدين البحيري وعلى لعريض نفسه الذي فاجأ الجميع مؤخّرا بقوله أن الانتخابات ستكون بداية 2014 بعد ان صرّح سابقا بأنها ستكون موفى 2013.. وهكذا يستمر مسلسل "وقتاش الانتخابات" في العرض الى أجل غير مسمّى بعد أن حدّد شهر مارس 2013 كموعد أوّل ثمّ تمّ تأجيله إلى شهر جوان 2013 قبل أن يؤجّل إلى بداية 2014 وسط مخاوف من تأجيلها مرّة أخرى وصلت حدّ طرح فرضية استحالة الانجاز. إقصاء ملايين الناخبين التونسيين احتدم الجدل مؤخّرا حول قانون تحصين الثورة والذي اعتبره البعض إقصاء لخصوم سياسيين وأنه قانون يحوم حوله الشكّ ولكن الأدهى والأمرّ هو أن هناك إقصاء من نوع آخر وفي صمت يتعلّق الأمر بتسجيل الناخبين والذين يناهز عددهم 3 ملايين ناخب تونسي هذه العملية التقنية هي الآن معطّلة لأمر في "نفس يعقوب" على ما يبدو بالإضافة إلى غياب القانون الانتخابي والهيئة والتي قبل أن يتم الإعلان عن تشكيلتها الرسمية لاحقتها الشبهات ويؤكّد الكثيرون أن بعض المرشحين لها تطاردهم شبهات الولاء لأطراف سياسية بعينها.. كل ما تقدّم يجعل من الظروف المحيطة بالعملية الانتخابية عملية يخيّم عليها التوتر والأجواء المشحونة.. وخاصّة مع انتشار العنف المادي وحتى العنف المعنوي على مستوى الخطاب السياسي بالإضافة لظاهرة التطرّف والتشدّد الديني والارهابي والتي باتت عنصرا يثير مخاوف الكثيرين على مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية.. وفي تصريح لأحد المواقع الالكترونية أكّدت رئيسة جمعية "بوصلة" ب"أنّه ليس من المُمكن إجراء الانتخابات قبل شهر جوان 2014" وقد ذكرت أنه "لو اشتغل النّواب لمدّة 6 ساعات يوميّا خلال الجلسات العامّة بمعدّل 5 جلسات أسبوعيّة على مُناقشة مُسوّدة الدّستور فلن يكون باستطاعتهم إتمامه قبل 12 جانفي 2014".
زكي الرحموني (عضو هيئة الانتخابات السابقة) :سلوك سياسي يتجه نحو تنفير الناخبين.. زكي الرحموني كان عضوا بالهيئة العليا للانتخابات والتي أشرفت ونظّمت انتخابات المجلس التأسيسي، اليوم يبدي الرحموني تحفظه حول عدد من المسائل الجوهرية في العملية الانتخابية وفي تصريح خصّنا به يؤكّد "الانتخابات من أهم المواعيد السياسية وهي ليست عملية استثنائية ولكنها عملية دورية يكون الإعداد لها متواصلا وهي لا تقوم فقط على عملية الاقتراع ووضع ورقة الاختيار السياسي في الصندوق بل هناك أعمال مستقلة ولكن ذات علاقة مباشرة بالانتخابات والقيام بها ينمّ عن جدية في التعاطي مع هذا الملف، فقد كان من الضروري أن تواصل هيئة الإشراف على الانتخابات السابقة عملها التقنيّ في تسجيل الناخبين الجدد أو أولئك الذين سهت عنهم في انتخابات أكتوبر..". كما ذهب الرحموني الى القول بأن عدم إيلاء هذه المسألة ما تستحقه من اهتمام ينمّ عن ممارسة اقصائية للناخبين التونسيين كما وأن السلوك السياسي الحالي يتجه نحو تنفير الناخب ودفعه للعزوف عن الحياة السياسية وهذا يساعد خاصّة الأطراف السياسية التي لها قدرة على حشد وتعبئة الأنصار أثناء العملية الانتخابية". وعن التلاعب بذكر مواعيد وهمية للانتخابات يقول الرحموني "من يتلاعب فهو لا ينوي عمليا إنجاز هذه الانتخابات.. فليس هناك لا النية ولا الجدية في الذهاب الى انتخابات نزيهة وشفافة إلاّ اذا فرضت عليه من أطراف داخلية وخارجية، وبالتالي بالنسبة لمن يمسك اليوم بزمام الأمور فكأنه قام بعملية "قلبة" ولم يحترم التزاماته تجاه الشعب التونسي، والعملية الانتخابية ليتوفّر فيها الحدّ الأدنى من الجدية ينبغى أن لا تقلّ مدة الاعداد لها عن 8 أشهر وأن يفتح باب تسجيل الناخبين حالاّ ناهيك وأن الاحصائيات تؤكّد ان هناك حوالي 3 ملايين ناخب غير مسجّل، كما يفترض بالنخبة السياسية أن ترتقي بخطابها السياسي لامتصاص الاحتقان ونزع فتيل العنف واعادة الثقة للمواطن في طبقته السياسية حتى لا نفاجأ بعزوفه عن الانتخابات".