عشية احياء ذكرى عيد الشهداء يحق لنا أن نتساءل عن هوية هؤلاء الذين أعطوا أرواحهم من أجل الوطن، أي نتساءل عن هويتهم في وعي التونسيين وذاكرتهم ومقاييس تقديرهم لمن يروا فيه وجاهة التقدير والاحترام والاعجاب وحفظ السيرة والاقتداء بالمعنى والرموز. اسم الشهيد كيف سقط أين لماذا أي حق له علينا... قائمة ضرورية من الاستفسارات التي وجب طرحها لاختبار قدرة المجتمع وطلائعه من الأجيال الجديدة على حفظ الذاكرة ورعاية معاني الوطن والواجب والسيادة والاستقلال والمواطنة والهوية. استبيان انجزه باحث صديق في علم الاجتماع حول الشباب التونسي والذاكرة الوطنية أثبت أن أكثر من 85% من العينة المستجوبة غير قادرة على ذكر ثلاثة أسماء لشهداء تونسيين ماتوا من أجل الوطن في المعركة من أجل الاستقلال، علاوة على ما لاحظه الباحث من حالة جهل مدقع بكل ما يتعلق بمعركة التحرير الوطني تاريخا ومراحل وفاعلين وزعماء. كيف نطلب من شبابنا احترام قيم الوطنية وحب الوطن ومعنى الواجب والمواطنة في ظل امعان حالة التهميش والتغييب لاستراتيجية واضحة لرعاية الذاكرة الوطنية في عقول الناشئة والشباب خارج دائرة العمل الأكاديمي المعزول لمؤسسات البحث أو الأعمال الاعلامية الباهتة المناسباتية تلك التي تسقط أحيانا في الخطاب الدعائي الممجوج المؤدي عادة الى نقيض اهدافه، عوض التركيز المنهجي على أصل الهدف المتصل بتخصيب الذاكرة الوطنية في وعي المتلقي وخاصة فئته الشابة. الرئيس الفرنسي ساركوزي انتفض قصدا بحسابات معلومة عندما وقف على جهل أطفال المدارس الفرنسية بتاريخ المحرقة و«خبط» بعض المقترحات رغم لا واقعيتها لتدارك هذا الجهل. نحن ايضا في حاجة الى انتفاضة فكرية وبيداغوجية ملحة لتدارك تصحر الذاكرة الوطنية لأجيالنا الشابة لعلنا ننجح في الدعاية لأسماء الشهداء وسيرتهم، كما نجحنا بامتياز في الدعاية لسيرة وأسماء جماعات الكرة والغناء والوجاهات السطحية الكاذبة. الصديق المؤرخ الشاب خالد عبيد تساءل في تبادل حديث حول هذا الموضوع عن امكانية تخصيص لوحات بسيطة في الأماكن التي سقط فيها شهداء معركة التحرير تماما كما تفعل بعض الدول مثل فرنسا مع شهداء معركتها ضد الاحتلال النازي. لوحة يكتب عليها التاريخ واسم الشهيد لتكون منارة رمزية بسيطة لتنشيط الذاكرة.. هنا اغتالت اليد الحمراء الشهيد فرحات حشاد... هنا تم اغتيال الشهيد الهادي شاكر.. هنا تم اعدام الشهيد حمادي جاب الله.. ماتوا من أجل حرية الوطن. اقتراح مهم من هذا النوع نتمنى له آذانا صاغية حتى لا تتلاشى ذكرى الشهداء في الحديد المهترئ لأسماء الشوارع ووثائقيات المناسبات التي تخصص خمس دقائق لحديث سريع عن معركة الاستقلال لتمر بعقلية الدعاية غير المهنية الى استعراض المكاسب الحالية لشبكة الطرقات والعناية بالبيئة وقطاع البنوك والتجهيزات الرياضية، مستغرقة معظم الوقت المخصص افتراضا لبرنامج حول الحركة الوطنية!!! الرجاء الانتباه حتى لا يتكرر علينا اليوم الذي توجه فيه بعض متساكني احدى الأحياء الراقية بالعاصمة بمطالب تذمر وتشكي لتغيير اسم النهج الذي يسكنوه: احداهن كانت تتأفف منفعلة «ملا تقوعير.. سماولنا نهجنا مصباح الجربوع»!!!!