التفرد والنبل وسعة الاطلاع هي أكثر الخصال تكرارا في حديث أدباء تونس العارفين والمقربين من العفيف الأخضر الراحل عن الحياة منذ السابع عشر من جويلية الماضي العفيف الأخضر، الذي ترك الحياة بإرادته بعد أن قضى سنوات عمره يكتشف في ذاته ويترجم آرائه وأفكاره في كتب أثارت الجدل وأدرجته في خانة كبار مفكري العالم كان مثالا لأجيال متعاقبة من أدباء تونس وفي هذا السياق تحدث الأديب حسونة المصباحي ل"الصباح" عن العفيف الأخضر قائلا:" هو معلم كبير ومعلم لأفراد معينين لا تعنيه الجموع فكان يختار طلبته ولم يكن سهلا في علاقاته ويرفض منها الغير متماشي مع طريقة تفكيره وشخصيا كنت من تلاميذه ومريديه وأقوم معه بجولات طويلة في باريس إذ لم يكن من محبي المقاهي بل كان جوالا وهي سمة المفكرين في الفلسفات الإغريقية القديمة والعفيف الأخضر كان يفضل هذا الأسلوب في الحديث عن أفكاره وطرحها" وأضاف الأديب حسونة المصباحي أن ما تعلمه من المفكر الراحل يتجاوز الأدب والفكر ويشمل أشياء أخرى من الحياة مشيرا في هذا السياق إلى القوة الرهيبة، التي يتمتع بها العفيف الأخضر في رفض مغريات المجتمع الاستهلاكي الذي نعيش فيه ويجعلك تنظر إليه على أنه عدو للفردية والأدب فالعفيف الأخضر يقودك للتعمق أكثر في نفسك حتى تنسى العالم الخارجي المحيط بك من جهة أخرى، بين حسونة المصباحي أن فكر العفيف الأخضر يستحق أكثر من جلسة وندوة وأننا اليوم في تونس مطالبون بالاهتمام أكثر بما قدمه للأدب لأنه مثقف تونسي فريد من نوعه لذلك عاش غريبا في بلادنا ولم يعرفه غالبيتها وهي مثقف نبيل نبل مفكري العصر القديم المنقرضين منذ زمن الباحثة والكاتبة رجاء بن سلامة كشفت ل"الصباح" عن مدى حزنها على فراق العفيف الأخضر ولعل ما عمق ألم المثقفة التونسية ما جاء في الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" التي ترى أنها لم تف الراحل حقه وركزت على تشويه مسيرته أكثر من حديثها عن مؤلفاته وما خلفه من فكر للأجيال القادمة رجاء بن سلامة أدرجت العفيف الأخضر ضمن أشرس المفكرين دفاعا عن الحرية باعتبارها مقدسا وهو الرافض المستميت للرقابة وقانون المس من المقدسات وغيرها من القيود المعيقة للفكر الحر قائلة:" نسعى اليوم لنشر أحدث كتبه، التي ستكون حاضرة في معرض تونس للكتاب في دورته القادمة كما سننفض غبار النسيان والرقابة، التي أصفها ب"عنكبوت النسيان" عن أعماله من جهته اعتبر الفيلسوف وعالم الانتروبولوجيا التونسي يوسف الصديق الراحل العفيف الأخضر مثقفا عملاقا يستحق تاريخه اهتماما أكبر من تونس وهو فخر للفكر التنويري المحلي والعالمي وفي هذا الإطار قال يوسف الصديق: "قرأت مرة في مقال للأستاذ عياض بن عاشور في صحفية فرنسية تصدر بتونس أن الذي لا يعرف إلا العربية هو في عداد الغوغاء بمعنى لكن العفيف الأخضر الزيتوني التكوين أثبت العكس وكان إلى جانب سابقه الطاهر بن عاشور مثالا لقدرة خريجي التعليم الزيتوني على طرح فكر تنويري فالعفيف الأخضر انطلق بلغته العربية واستطاع بتعدد تجاربه ومعارفه من قراءة هيغل وماركس كما يقرأه أي قارئ ألماني ويعرف كتاب افريقيا وآسيا والمتوجين بجوائز نوبل وغيرها من الجوائز العالمية ويجالسهم ويطارحوهم أفكاره وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن العفيف الأخضر فحل في الفكر العالمي رحل العفيف الأخضر تاركا خلفه تاريخ أدبي وفكري ثري وأصدقاء ورفاق القلم طالما احترموا تجربته الإبداعية التي تحمل بين ورقاتها كتب ثرية وغنية بالمعرفة وتستحق الاطلاع على مضامينها على غرار"من محمد النبي إلى محمد الرسول" وعدد من الرسائل التونسية، التي ستطبع قريبا وتحمل الهمّ والوجع التونسي للعفيف الأخضر إلى القراء ورغبته في أن تثمر ثورة بلادنا سلاما وحرية وإبداعا