تعتزم الجمهورية التونسية إصدار مجلة جديدة للاستثمار مطلوب منها أن تستوعب تحديات المرحلة و تسهم في النهوض بالاستثمار وتنمية الاقتصاد بالبلاد انسجاما مع مطالب الثورة وأهدافها في ترسيخ قيم الكرامة والحرية و توفيرالشغل لجميع المواطنين. وبعد اطلاعنا على مشروع مجلة الاستثمارالصادرعن وزارة التعاون الخارجي حيث جاء خاليا من جل الامتيازات المالية والجبائية بل اختزلها في قطاعي الفلاحة والمشاريع المحدثة بالمناطق الجهوية مما يعدّ نسفا لروح المبادرة وإحباطا للعزائم وموهنا للهمم وهوما يستدعي ضرورة استقراء منظومة الاستثمار وفق التشريع الجاري به العمل وتقييمها على أسس علمية وموضوعية لتحديد مواطن الخلل واستشراف الحلول الضرورية. I- قراءة في منظومة الاستثمار وفق التشريع الجاري به العمل. يخضع الاستثمار بالبلاد التونسية لأحكام و مقتضيات مجلة التشجيع على الاستثمارموضوع القانون 120 لسنة 1993 بتاريخ 27/12/1993 كما تمّ تنقيحها بالنصوص المنقحة والمتمّمة له، حيث يضبط نظام بعث المشاريع و تشجيع الاستثمار بالبلاد التونسية من قبل مستثمرين تونسيّين أوأجانب مقيمين أوغيرمقيمين أوبالمشاركة وفق الاستراتيجية العامة للتنمية التي تهدف أساسا إلى دفع نسق النموّ والتشغيل. لقد اعتمدت منظومة الحوافز منذ انطلاق العمل بمجلة التشجيع على الاستثمار سنة 1994 على دعم أولويات أفقية محدّدة على غرار التصدير، التنمية الجهويّة، التنمية الفلاحيّة، إحداث مواطن شغل جديدة و تحسين الإنتاج والإنتاجية. وقد أبرزت التقاريرالصادرة عن وزارة التعاون الخارجي النتائج التالية: - تضاعف حجم الاستثمار 3 مرات خلال الفقرة 1993-2009، حيث شهدت تطورا ملموسا من 4.122 م. د إلى 14.000م.د وفق نسق تصاعدي و بنسبة مساهمة في الإنتاج المحلي الإجمالي بمعدل 26 % مقابل نسبة 28 % سنة 1993 وهي نسبة معتبرة للغاية و متميزة بالنظر إلى الظروف التي مرّت بها البلاد وتأثرها بالوضع العالمي خاصة ارتفاع أسعارالطاقة، حرب الخليج، الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها شريكنا الأوروبي، غلاء المعيشة وتدهورسعر العملة المحلية، ممّا حال دون بلوغ هاته النسبة، معدل نسبة مساهمة الاستثمار بالناتج المحلي الإجمالي بالدول المتقدمة. وقد بلغت كلفة التشجيعات المالية و الجبائيّة فيما بين 1994 و 2007، 2.14 % من الدخل الجملي الخاص و بمعدل 10.76 % من موارد الدولة و9.5 % من نفقات التصرّف حيث تمثل الامتيازات الجبائية 80 % من تكلفة التشجيعات فيما بين 1994 و2007 و بمعدّل 500م د سنويا مقسّمة كما يلي: • الأداء على القيمة المضافة 15 % من تكلفة التشجيع الجبائية مفصلة ب: 11 % بعنوان التوريد و4 % بعنوان السّوق المحلية. • المعاليم الديوانيّة: 37 % من تكلفة التشجيع الجبائية وبمعدّل 192 م د سنويا. • الأداء على المداخيل: 56 % من حجم التشجيعات الجبائية وبمبلغ جملي ب4039 م. د فيما بين 1994 و2007 حيث لم تتجاوزنسبة الأداء المعفى على دخل الأشخاص الطبيعيين 3 %. من جهة أخرى بلغت التشجيعات المالية 20 % من حجم التشجيعات عموما وهي مقسّمة كما يلي: •64 % تشجيعات مالية أي بمعدل 82 م. د سنويّا. • المساهمة في أشغال البنية التحتيّة 2.58.% • تكفّل الدولة بمساهمة الأعراف في الصندوق القومي للضّمان الاجتماعي ب 10.83 % أي بمعدل 13.59 م.د سنويا. - اعتبارا لهاته التشجيعات فقد سجل الاستثمار الخاص نسق تطوّر مضطرد حيث أصبح يمثل 58 % من المجهود الجملي للاستثمار مقابل 48.1 % سنة 1993. كما شهدت الاستثمارات الجملية تطورا بنسبة 7.7 % سنويا بين سنة 1994 و 2007 حيث تضاعف الاستثمارالخاص ب 3.5 مرات مقابل 2.3 مرات للاستثمارات العمومية . إن ما شهده الاستثمارمن تطورمن 1994 إلى 2009 كان له تأثيرات إيجابية عديدة حيث تطوّر الناتج الجملي الداخلي من 32901.4 م.د سنة 2002 إلى 58833.3 م د سنة 2009 و تطورت الصادرات من 3760 م.د سنة 1993 إلى 23519 م.د سنة 2010 . من جهة أخرى فقد تطوّرعدد مواطن الشغل القارة بالقطاع الخاص من 606.338 سنة 1996 إلى 951.200 سنة 2009 محدثا بذلك ما لا يقل عن 340.000 موطن شغل. هذا وقد مكّنت الامتيازات الجبائيّة الموجّهة للتصديرمن انتصاب أكثر من 2.250 مؤسّسة 75% أجانب، تشغل أكثرمن 241.000 عامل ممّا ساهم في تطوّر الصّادرات واقتحام أسواق جديدة؛ حيث تطوّرت المؤسّسات المصدّرة كليا من 45 مؤسّسة سنة 1993 إلى 190 سنة 2008 فكان له تأثير إيجابيّ ساهم في تطور لقطاع من 3760 م.د سنة 1993 إلى 23637 م.د سنة 2008 رغم الظروف العالمية القاسية والصعبة وما رافقها من تحدّيات، في حين بلغت تكلفة الامتيازات المالية بعنوان التصديربمعدّل 11.02% سنة 2009، بينما بلغت الامتيازات الجبائية بعنوان التصدير67 % من جملة الامتيازات الجبائية وهوأمرمفهوم موضوعيا باعتبار ما تتمتع به هاته المؤسّسات من إعفاءات ديوانيّة وأخرى في مادّة الأداء على القيمة المضافة والأداء على المداخيل. كما شهد الاستثمار بالجهات بحكم ما تمتع به من امتيازات بروز عديد المؤسسات بلغت سنة 2009 ، 375 مؤسّسة تشغّل أكثر من 44.000 عامل حيث تطوّر معدّل نمو هذه المؤسّسات من 16 خلال الفترة 1997-2001 إلى 25 خلال الفترة 2002-2006 إلى 30 خلال الفترة 2007-2009. فضلا عن ذلك ساهمت هذه الامتيازات في انتصاب عديد المؤسّسات العالمية بالمناطق الداخلية على غرار: HAZAC وCOROPLAST كما تمّ إحداث 4.615 مؤسسة بين 1994 و 2008 و بكلفة استثمار بلغت 3507.8 م.د محدثة أكثر من 59.000 موطن شغل. أما الاستثمارات المتعلقة بالمؤسسات الصغرى و الباعثين الجدد فقد شهدت فيما بين 1997 و 2008 تطوّرا في إحداث مواطن الشغل بمعدّل 1.000 موطن سنويا بالنسبة للباعثين الجدد و 100 موطن عمل بالنسبة للمؤسسات الصغرى رغم أنّ التكلفة المتحصّل عليها في هذا الجانب فيما بين امتيازات مالية وجبائية لم تتجاوز1 % من التكلفة المخصّصة لذلك. II- حول الإشكاليّات المتعلّقة بتطبيق مجلّة التشجيع على الاستثمار وسبل تجاوزها رغم النتائج المحدثة والتي نقيّمها إيجابيّا عموما إلاّ أن هناك عديد الإشكاليات التي مازالت تعيق الاستثمار وتحدّ من نسق تطوّره لا سيّما في مجال الغموض والتشتت على مستوى النصوص القانونية المنظمة للاستثمار وتعدد الإدارات والرخص وتشعّب الحصول على الامتيازات؛ ممّا أدّى أحيانا إلى التلاعب بالأموال المرصودة لهذه الامتيازات، ممّا يتجه معه ضرورة إعادة النظرفي هذه المجلّة و صياغة النصوص القانونية المنظمة للاستثمار بشكل يسمح ببلوغ أهداف الثورة لا سيما في مجال بعث المشاريع وانتصاب المستثمرين الأجانب وتمكين رأس مال هام قادرعلى إحداث موطن شغل لا سيما بالجهات الدّاخلية ومناطق التنمية، وكذلك درءا لكلّ الشبهات فلا بدّ من تصميم تشريع قادرعلى إعادة الثقة للمستثمرين وتشجيعهم على بعث المؤسسات مع مواصلة الجهد في مجال دفع التصدير خاصة الصنّاعات والصناعات الكهربائية والإلكترونية وهوما يستدعى اليوم بالتوازي إعادة النظرفي المنظومة التعليمية والجامعية في ما يمكن من الحصول على يد عاملة مختصّة. كما يستدعي ذلك توفيرالشروط الصحيّة والبُني التحتية الضرورية من طرق واتصالات وكهرباء وماء بالمناطق الداخلية تشجّع على الاتصال بها؛ وهوجهد يجب تفعيله وفي استراتيجية متكاملة تتداخل فيها كل مكوّنات الدولة لضمان نجاح منظومة الاستثمارالتي تعدّ أكبرالتحديّات أمام الثورة وأمام مستقبل البلاد. هذا وبالنظر لدراسة منظومة الاستثمار بالبلاد التونسية كما وردت بتقرير البنك العالمي فإننا نرى من الضروري التقيد بالتوصيّات التالية : 1 - تقليص المتدخلين من هياكل وسلط إشراف وذلك عبرإحداث مخاطب وحيد للاستثمار. 2 - إلغاء الفوارق بين المؤسسات المصدّرة كليا والمؤسسات الناشطة بالقطاع المحلي في مجال الإعفاءات عند التوريد بعنوان البضائع القابلة للتصدير، وكذلك الشأن في مادة الأداء على القيمة المضافة. 3 – اللامركزية في منح التشجيعات . 4 – إلغاء الرخص لبعض المشاريع لا سيما لدى البلديات والولايات. 5 – تبسيط مجلة التشجيع على الاستثماروإرساء امتيازات قارة بالقانون العام. 6 –ترشيد الامتيازات الجبائية والامتيازات المالية وخاصة: • عدم التخلي عن طرح المداخيل المستثمرة صلب المؤسسة وضرورة تشجيعها على تطوير وسائل إنتاجها وضمان نجاعة ومردودية وسائلها بما يحفظ لها موقعها بالسّوق المحلية والعالمية علما أنّ التكلفة الجمليّة المتعلقة بهذا الجانب ضئيلة وليس لها أهمية مقارنة بجدوى إعادة الاستثمار وما يترتب عنه من توسعة للنشاط وإحداث مواطن شغل. • الإبقاء على الامتيازات المتعلقة بطرح المداخيل المعاد استثمارها في المساهمة أوالترفيع في رأس مال الشركات الناشطة في مجال مجلة الاستثمار وذلك حفاظا على قدرتها المالية واستيعاب التحديات المالية بأقل التكاليف بما يدعم موقعها داخل السوق ويسهم في توسيع نشاطها. • التنصيص على التخفيض من نسبة الأداء والمعاليم الديوانية عند توريد الآلات والمعدات. • التنصيص على توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة عند اقتناء معدّات بعنوان إحداث مشاريع لا سيما بالقانون العام. • تعميم طرح الأرباح المتأتية من النشاط خلال 3 سنوات الأولى من الدخول في النشاط في جميع المشاريع والمؤسّسات دون قيد أو شرط. • المحافظة على منحة الاستثمارفي حدود 6% من تكلفة الاستثمار بالنسبة للمؤسّسات الصغرى التي لا تتجاوز حجم الاستثماربها مليون دينارلا سيما بالنسبة إلى الباعثين الجدد من حاملي الشهادات . • في مادّة تكفل الدولة في مساهمة الأعراف في الصندوق القومي للضمان الاجتماعي: • الإبقاء على هذا الامتياز وتعميمه على الباعثين الجدد وخاصة المؤسسّات الصغرى والمتوسطّة في حدود 3 سنوات من الدخول في طور الإنتاج حتى تساعدهم على انتداب اليد العاملة وتكوينها و التحسين من جودتها. • تمكين المؤسّسات الصغرى من اعتماد يقع إرجاعه وتحديد سقف ب 500.000 د لكلفة الاستثمار للمؤسسات الصغرى. • تعميم منح الأراضي بالدينارالرمزي للأراضي الفلاحية والمؤسسات الصغرى و لمتوسطة المنتصبة بمناطق التنمية الجهوية • الإبقاء على الإعفاءات المتعلقة بمعلوم النهوض بالسكن وخاصة المؤسّسات المنتصبة بمناطق التنمية الجهوية والباعثين الجدد والمؤسسات الصغرى. 7 – إلغاء تشجيعات متعلقة بالموارد الطبيعيّة. 8 - دعم التشجيعات المتعلقة بالتنمية الجهويّة وتطويراللامركزيّة بالجهات، وتطوير البنى التحتية ( طرق، كهرباء، ماء....). وإحداث يد عاملة مختصة عبرتطويرمنظومة تعليم متكاملة إضافة إلى ضرورة دعم أسطول النقل العمومي والخاص. 9 – إرساء تفاوض مباشر بين كبارالمستثمرين والدولة في مجال التشجيعات . 10 – مراجعة تصنيف الجهات حسب الأولوية.