لم تمر ساعات قليلة على اعلان الرباعي الراعي قبول حركة النهضة مبادرة الحوار الوطني وتفعيل محتواها حتى جاء "التوضيح" الحكومي بشأن استقالة الحكومة ليثير الكثير من الجدل في ظل تعدد التأويلات والقراءات وتباين المواقف بشكل أدى الى الكثير من اللبس والضبابية. وفي وقت انتظرنا فيه توجه مختلف القوى السياسية نحو توفير المناخ الملائم لانطلاق جلسات الحوار الوطني بما من شأنه التعجيل بالخروج من الأزمة السياسية فوجئنا على مدى اليومين الماضيين بتصريحات نارية وحرب كلامية بين هذا الطرف وذاك مما زاد في التشويش على المواقف المعلنة وساهم في توتر الأجواء من جديد. تابعنا طيلة الساعات الأخيرة بعض الأطراف الحكومية تتحدى المعارضة وتنتقد الاتحاد العام التونسي للشغل وترفض قطعيا استقالة الحكومة بل انها تهدد بتطبيق القانون وسمعنا أيضا من يتوعد برد الصاع صاعين وتوسيع التحركات الشعبية من أجل الضغط على الحكومة واجبارها على الاستقالة لتساهم هذه الأجواء المشحونة في مزيد توتير الأوضاع. والواقع ان تواصل هذه التجاذبات والشد والجذب يعيدنا الى "نقطة الصفر" ويهدم الجهود والمحاولات الرامية الى تقريب وجهات النظر في وقت وصلتنا فيه عديد التحذيرات الدولية من التداعيات الممكنة للمأزق السياسي في ظل اقتصاد "يئن" في غرفة الانعاش وادارة متعبة أنهكتها التجاذبات وأوضاع اجتماعية مأساوية ومخاطر أمنية. ومن غير المعقول بل من المرفوض تواصل سياسة التعنت واللعب على الحبال من هذا الطرف وذاك لأن كل القوى السياسية مطالبة في هذا الوقت بالذات بانتهاج الوضوح والشفافية بعيدا عن المناورات والتعنت من أجل استعادة الثقة التي بدونها لا يمكن اذابة جليد الخلافات بين الخصوم السياسيين . ويبدو مما لا يدع للشك مجالا ان مختلف الاطراف اليوم أمام فرصة أخيرة وتاريخية ولا خيار أمامها الا التنازل عن مصالحها السياسية الضيقة لان الحكومة مطالبة بالعودة الى رشدها والمعارضة مدعوة لمراجعة حساباتها قبل فوات الأوان فالأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أشهر لن تمهلنا مزيدا من الوقت . ان المخاطر التي تواجه البلاد على كل المستويات تستدعي من كل الأطراف والحساسيات الشعور بالمسؤولية في هذا الظرف الدقيق ليكون التوافق هدية العيد لشعب أرهقته الصراعات وأحبطته الانقسامات وأنهكته الأجندات ولوطن بات في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى للاستقرار لأنه لا نجاح للمسار الانتقالي بعيدا عن التوافق والأمن والأمان.