الأزمة اليوم أزمة ثقة بامتياز أسئلة عديدة تخامر التونسيين اليوم بكل أطيافهم وهم يستعدون لطي سنة أخرى من عمر الفترة الثانية من"الانتقال الديمقراطي"بعد انتخابات 23 أكتوبر لا سيما وأنها سنة لم تكن كسابقاتها بجميع المقاييس حيث كانت مثقلة بالأزمات والإغتيالات والإرهاب والمصاعب الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. وفي مقدمة الأسئلة المطروحة اليوم والنخب السياسية تستعد للدخول في حوار: ماهي الأسباب التى أفرزت هذا الوضع المتأزم ومن المسؤول عن تردى الأوضاع إلى درجة الدخول إلى عنق الزجاجة. هل هي الخيارات الخاطئة للمرحلة التأسيسية برمتها بداية بخيار المجلس التأسيسي أم أن طبيعة مرحلة الانتقال الديمقراطي في حد ذاتها لا تخلو من الأزمات والهزات الإرتدادية أم الخطأ يكمن في حكام تونس الجدد وسياساتهم المتبعة.. في حين يتعلق السؤال الثانى المهم بطبيعة السيناريوهات المستقبلية التى تنتظر الفترة الإنتقالية الثالثة إذا ما كتب لها أن تولد بعد التوصل إلى اتفاق صلب الحوار الوطنى. وفي إجابته على هذه الأسئلة يقول أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد أن إعادة "التأسيسي" من جديد كان الخيار الطبيعي اثر حراك ثوري يفترض دائما التأسيس من جديد.. لكنه يشير في المقابل إلى أن الانحراف تم للأسف في الخيارات التى طبعت الفترة الأولى على مستوى اختيار أعضاء المجلس التأسيسي وطريقة الإقتراع التى لم تكن ملائمة للسياق التاريخي واعتمدت طريقة الإقتراع على القائمات مما أدى إلى هيمنة الأحزاب وخاصة الكبرى منها على المشهد السياسي"رغم أن الأحزاب كبرت أو صغرت لا يمكن أن تدعى شرف قيادة الشعب في حراكه الثورى لأنها كانت نتيجة للحراك وليس سببا له" وأكد قيس سعيد أن الأزمة اليوم أزمة ثقة بامتياز وهاجس من في الحكم اليوم أنه إذا غادر ستتم ملاحقته في حين هاجس من في المعارضة أنه إذا لم يزح الطرف الآخر فسيزاح.وبهذا المنطق والمنهج الذي تتوخاه الأطراف المتحاورة لا يمكن الحديث عن حوار فعلى وجاد. وأمام هذا العنف والإرهاب المتنامي في البلاد يشير أستاذ القانون قيس سعيد أن السياسيين بكل أطيافهم ومرجعياتهم يتحملون مسؤولية تقسيم المجتمع وإسقاط قضايا جانبية على حساب القضايا الرئيسية مما أدى إلى الانحراف عن المسار التأسيسي إلى مسار العنف والفوضى. ويضيف محدثنا أن القضية اليوم قضية سلطة "والله أعلم من يقف وراء هذه الأعمال الإرهابية.."ويضيف أنه في خضم هذا الزخم من الفوضى والإرهاب والفتن الذي انحرفت إليه البلاد اليوم يجب على الجميع أن يفرقوا جيدا بين إسقاط حكومة وإسقاط دولة بما يعنيه ذلك من توقف للمرافق وانخرام للأمن والسير نحو المجهول. ويخلص قيس سعيد إلى أن البعض يريد أن يعطى للأزمة الحالية بعدا قانونيا في حين أنها أزمة سياسية.وحلها يكمن في اتفاق السياسيين حول وضع تنظيم مؤقت جديد للسلط من قبل المجلس التأسيسي لضمان استمرارية الدولة لفترة لا تتجاوز 6 أشهر يتم خلالها تنظيم انتخابات جديدة لكن بشكل مختلف عن انتخابات 23 أكتوبر حتى لا تنتج نفس المنوال. ويبين قيس سعيد في هذا الصدد أنه لا يمكن أن نؤسس من جديد ونأمل نتائج مغايرة دون التمعن في الأسباب التى أدت إلى إلى هذا الخراب الذي نعيشه اليوم في المؤسسات السياسية. ومن بين هذه الأسباب أن المسؤول حتى وإن كان منتخبا في الظاهر فهو لم يتصرف ولم يشعر أنه مسؤول أمام ناخبيه بل مسؤوليته وولاؤه للجهة التى رشحته للإنتخابات "وهذا المنطق يجب القطع معه مستقبلا كشرط من شروط النجاح في التأسيس الصحيح للديمقراطية"على حد تعبير الأستاذ قيس سعيد.