ان تغلغل الإرهاب في بلادنا ألقى بظلاله على كل مكونات ومسارات الدولة؛ الأمنية منها والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأصبح شبحا مخيفا يهدد أمنها واستقرارها خاصة بعد العمليات الإرهابية "الشنيعة" التي جدّت في عدد من مناطق الجمهورية والتي أدت الى استشهاد ما لا يقل عن العشرة من عناصرأمن البلاد. ومع تكرارهذه العمليات الإرهابية المنظمة في مناطق متفرقة؛ على الحدود وفي الجبال.. طفت على السطح هالة من الأسئلة حول ماهية الأطراف التي تقف وراء هذه العمليات ومصادر تمويلها خاصة أنها تملك كمًّا لايستهان به من الأسلحة والذخيرة والمتفجرات. وفي الكثيرمن بقاع العالم خاصة تلك التي يتغلغل فيها الإرهاب على غرارأفغانستان واليمن ...، تعتمد الجماعات الإرهابية ذات الفكرالمتطرف دائماً على مصادر للتمويل من عناصر تؤمن بفكرهم وتتعاطف معهم من منظمات ومؤسّسات لها مصالح خاصة في تشجيع الإرهاب والفوضى في دولة ما لتحقيق أهداف سياسية وتمكينها من السّيطرة على مجتمع ما. الى جانب ما تعمد إليه دول أخرى لإضعاف خصمها بتمويل الجماعات الإرهابية في الدول المعادية لها أو تلك التي يمثل استقرارها وقوّتها خطراً على أهدافها الإقليمية أوالدولية. من ذلك، قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية في السبعينيّات بتمويل وتدريب الجماعات الجهادية المتطرفة إسلاميا في أفغانستان لاستنزاف الاتحاد السوفياتي خلال حقبة الحرب الباردة. مصادر التمويل.. وبما ان كل عملية إرهابية تحتاج دائماً إلى التمويل والدعم بالمال والسلاح والتدريب والإعداد الفكري لانه وبدون تمويل لا يجد الإرهاب الوسائل العملية لممارسة العنف، فإن الاسئلة التي تحوم حول هذه الزاوية هي المصادر الحقيقية لتمويل هذه الجماعات وكيفية الحدّ منها. وقد فسّرالمفكر السياسي رياض الصيداوي مدير المركزالعربي للدراسات السياسيّة والاجتماعية تفشي ظاهرة الإرهاب في العالم خاصة بعد ثورات "الربيع العربي" بالسيطرة على أدمغة الطبقة الشبابيّة المحرومة والتي تعاني من الفقرفي مجتمعاتها في المنطقة العربية. وربط انتشارالظاهرة بالوضع الاقتصادي الذي تعيشه هذه المجتمعات، مشيرا الى أن الأطراف التي تمول الإرهاب في بلدان "الربيع العربي" هي أطراف لها إمكانيات مالية ضخمة. من ذلك ذكرالصيداوي أن "من جملة هذه الأطراف "دولة قطر" التي تكبّدت مصاريف هامة وظفتها لإرسال الأسلحة والمقاتلين والجهاديّن الى سوريا وتجاوزت هذه الأموال10 مليارات دولارات دون أن تكون لها أي استراتيجية للمنطقة بل كانت مجرّد وسيلة لدفع فواتير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية". وفي ذات السّياق وبحثا عن المصادرالحقيقية التي تموّل الإرهابيّين، بيّن "محمد بغداد" الكاتب والإعلامي الجزائري والمتخصّص في شؤون الجماعات الإسلامية ل"الصباح" ان الجماعات المسلحة في منطقة المغرب العربي والساحل الإفريقي استطاعت استثمارالكثير من السنوات من أجل تأسيس فضاء لها في تلك الفترة التي كانت دول المنطقة غافلة عن خطورتها فكوّنت لنفسها شبكة واسعة من العلاقات والاستثمارفي مناطق الفراغ التي توجد في هذه المنطقة والاستفادة من مصادر التمويل التي كوّنت بها ثروات طائلة جعلها تعتمد عليها وتضمن بها استمراريتها. وصنف محمد بغداد مصادرالتمويل إلى ثلاثة أصناف؛ أولها ما يمكن اعتباره مصادرتمويل تقليدية والمتمثلة في الإتاوات والضرائب التي تفرضها على التجار والمهربين في منطقة الساحل وأحيانا الدخول على خط هذا النشاط التجاري غير المشروع مستغلة حجم الفراغ وغياب الدولة وهو الأمر الذي يجعلها تتحرك براحة كبيرة مستعينة بشساعة المنطقة وصعوبة تضاريسها. وثانيها استفادت الجماعات المسلحة في المنطقة من الأموال الضخمة التي قدمتها الدول الأوروبية التي سارعت وتسارع إلى تقديم الفدية لإنقاذ رعاياها الذين وقعوا في أيدي هذه الجماعات وهم الرعايا الذين يحتلون مكانة مهمة عند دولهم باعتبارهم شخصيات جاءت إلى المنطقة في مهمات استخبارتية متخذة من السياحة غطاء لنشاطاتها كما شكل ضغط الرأي العام قوّة دفعت الدول الأوروبية إلى القبول بشروط الجماعات المسلحة وأرقامها الخيالية في تقدير قيمة الفدية؛ وقد كشفت العديد من المصادر الغربية الحجم الكبيرلأرقام هذه الفدية. وأشار في الصنف الثالث من المصادر الى انه الصنف الأهم والذي يتعلق بالصراعات والتناقضات القائمة بين دول المنطقة والتي تتورط أحيانا في الاستفادة من هذه الجماعات وتستعملها في ضرب الدول المنافسة من اجل إضعافها أو الضغط عليها وهو الأمر الذي تدركه هذه الجماعات وتستغله لصالحها. هذا الى جانب عمليات الاحتطاب (سطو مسلّح وسلب...) وتجارة المخدرات وتبييض الاموال وحتى تجارة الجنس... تجفيف مصادر التمويل .. اتفق عدد هام من المختصّين في الشأن الأمني وفي الجماعات الإرهباية على ان عمليات التصدي لظاهرة الإرهاب تتكلف ماديا الكثير من الأموال وتستنزف الكثير من الجهود البدنية لرجالات الأمن. لكن هذا لايعني الصمت وغضّ النظر عن هذه الظاهرة الخطيرة التي استفحلت في منطقة المغرب العربي عامة وفي بلادنا خاصة، وبذلك تعدّدت الحلول والقراءات بين صفوف الساسة وخاصة المتدخلين في الشأن الأمني وتلخصت أغلبها في ضرورة القضاء على ظاهرة الإرهاب من خلال تجفيف مصادر التمويل، والوصول في اقرب الآجال إلى الوسائل التي تُستخدم في إيصال التمويل بالمال والسلاح لهذه الجماعات واإغلاق منافذ دخولها. والمعلوماتية في تحديد المموّلين والتصدّي إليهم، نكون قد قطعنا شوطا هاما في معركتنا ضدّ الإرهاب.