ذهاب نهائي ابطال افريقيا.. التشكيلة الاساسية للترجي والاهلي    قريبا: اقتناء 18 عربة قطار جديدة لشبكة تونس البحرية    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    منوبة: الاحتفاظ بصاحب كشك ومزوّده من أجل بيع حلوى تسبّبت في تسمم 11 تلميذا    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية في تونس    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تدعو إلى عقد مجلس وطني للمنظمة خلال سبتمبر القادم    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    قابس: نقل 15 من تلاميذ المدرسة الاعدادية ابن رشد بغنوش بعد شعورهم بالاختناق والإغماء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    عاجل/ القصرين: توقف الدروس بهذا المعهد بعد طعن موظّف بسكّين امام المؤسسة    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد الأورومتوسطي أحد الثوابت الأساسية لتوجهات بلادنا وعلاقتها مع الخارج
الرئيس بن علي يدلي بحديث خاص لمجلة «أفريك أزي»
نشر في الصباح يوم 29 - 04 - 2008

تونس (وات) ادلى الرئيس زين العابدين بن علي لمجلة «افريك ازي» في عددها لشهر ماي 2008 بحديث خاص تطرق فيه بالخصوص الى العلاقات الممتازة القائمة بين تونس وفرنسا ونتائج الاقتصاد التونسي في ظل الظرفية الدولية الراهنة والانجازات التي حققتها البلاد خلال عقدين من الزمن فضلا عن مشروع الاتحاد من اجل المتوسط والعلاقات التونسية الاورومتوسطية. وفي ما يلي النص الكامل لهذا الحديث:

* عشية زيارة الدولة التي يؤديها الرئيس نيكولا ساركوزي الى تونس ما هي نظرتكم الى العلاقات بين تونس وفرنسا؟
هي علاقات ممتازة ونموذجية ويتعلق الامر اليوم بصداقة ثابتة ومعززة بتعاون مثمر في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. ففرنسا شريك مميز لتونس. وهذه العلاقة مدعوة الى مزيد التطور اعتبارا للارادة السياسية للبلدين في المضي قدما على درب تعزيز المكاسب وتوسيع افاق هذه الشراكة بما يخدم على الوجه الافضل المصالح المتبادلة لشعبينا.
ان الجالية التونسية بفرنسا تعد اليوم أكثر من نصف مليون نسمة. وفي هذا تعبير عن الروابط الضاربة في التاريخ بين المجتمعين التونسي والفرنسي. ونحن نعتبر أن الامر يتعلق برابطة حضارية بين شعبينا الصديقين. رابطة يتعين علينا تنميتها لكونها مثرية في الاتجاهين. واذا كان هناك رجال أعمال وجامعيون ومبدعون وباحثون أعضاء هياكل منتخبة وتونسيون اخرون قد تالقوا اليوم في فرنسا فان في ذلك برهانا على صلابة هذه الرابطة التي يتوجب صيانتها وتعزيزها لما فيه مصلحة بلدينا ومجمل الفضاء المتوسطي.
* كيف تقيمون نتائج الاقتصاد التونسي سيما في ظل الظرفية الدولية الراهنة؟
اذا كانت تونس تعد اليوم من البلدان الصاعدة فان الفضل في ذلك يعود الى النمو المطرد الذي تحققه منذ أكثر من عشرين سنة بمعدل سنوي يناهز 5 بالمائة. فقد مكنت الاصلاحات التي أنجزناها من مضاعفة حجم الناتج الداخلي الخام ست مرات خلال الفترة 1986 2007 ومن جهته تضاعف متوسط الدخل لكل ساكن أكثر من أربع مرات خلال الفترة نفسها. كما تم التوفق الى صيانة التوازنات الاقتصادية الكبرى وتم حصر العجز الجاري والتداين الخارجي في مستويات معقولة.
ان اقتصادنا مندمج اليوم في الاقتصاد العالمي بفضل تنافسيته المتنامية وهو يحتل المرتبة الاولى في افريقيا والمرتبة 32 عالميا من مجموع 131 بلدا وفقا لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي.
وارتفعت حصة صادراتنا من الناتج الوطني الخام من 34,7 بالمائة سنة 1987 الى 54,1 بالمائة سنة2007 .
وقد أمكن تحقيق هذه النتائج رغم الظرفية الاقليمية والدولية غير المستقرة والتي لم تكن دوما مواتية بالنسبة الى تونس على مدى العشريتين الماضيتين.
ومن بين العوامل التي ساعدت على تحقيق هذه النتائج أذكر بالخصوص تعصير المؤسسة التونسية والبنى التحتية وكذلك حركية أوساط الاعمال التونسية. كما يعود نجاح تونس الاقتصادي أيضا الى مستوى الكفاءة العالية لاطاراتنا والمهارات العالية لليد العاملة التي هي ثمرة منظومة تربوية ما فتئت نجاعتها تتعزز وبفضل الاستقرار السياسي والادارة الرشيدة التي تقر بها لتونس المؤسسات الدولية ذات الصلة.
وذاك هو ما يستقطب اليوم الاستثمارات الخارجية المباشرة.
وان النتائج المشجعة التي تسنى تحقيقها توطد عزمنا على مضاعفة الجهود من أجل رفع التحديات العديدة التي تواجهنا اليوم وفي مقدمتها الازمة الاقتصادية والمالية العالمية وكذلك الارتفاع المشط لاسعار النفط والحبوب وغيرهما من المواد الاساسية.
ان اقتصادنا المفتوح ليس بمنأى عن انعكاسات الظرف الاقتصادي الدولي.
ان هدفنا هو الحفاظ على نسق نمو مرتفع يوفر فرص الشغل للشباب من حاملي الشهائد الذين يلتحقون سنويا بسوق الشغل وقطع خطوات جديدة على درب التنمية من أجل الالتحاق بركب الامم المتقدمة.
* وما هي أوضاع الصناعة السياحية التونسية اليوم؟
ان الامر يتعلق بقطاع نشاط اقتصادي ما زال يكتسي أهمية بالنسبة للبلاد. فهو يسهم بنسبة 6 بالمائة في الناتج الداخلي الخام وبنسبة 54 بالمائة في تغطية عجز الميزان التجاري. ويستقطب قطاع السياحة أكثر من 5 بالمائة من مجمل الاستثمارات ويوفر أكثر من 340.000 موطن شغل بصورة مباشرة أو غير مباشرة ويؤمن سنويا معدلا يتراوح بين 17 و19 بالمائة من مداخيل العملة الصعبة للصادرات من الخيرات والخدمات.
وقد سهرنا على مدى السنوات المنقضية على تهيئة أفضل الظروف لنمو هذا القطاع عبر تعصير المحيط السياحي وتحسين تسويق منتوجاته بالخارج ومن خلال تهيئة مناطق ملائمة لتطوير النشاط السياحي.
وقد أتاحت الاستثمارات المنجزة ادخال تغيير جوهر على صورة الخارطة السياحية بالبلاد. ونحن نعتزم اعطاء دفع جديد لهذا القطاع خلال السنوات المقبلة عبر اثراء المنتوج السياحي ومن خلال المضي قدما في عملية تأهيل البنية الاساسية الفندقية وعبر الانفتاح على مجالات جديدة واعدة.
وتعد المقومات الطبيعية والثقافية والاجتماعية التي تتميز بها تونس خير دعامة لهذا الجهد.
* يثير الاتحاد من أجل المتوسط الذي بادر به السيد ساركوزي نقاشات واسعة شمال المتوسط كما في جنوبه. فما هو موقفكم من هذا الموضوع؟
لقد تلقت تونس منذ البدء بصورة ايجابية مبادرة الرئيس ساركوزي بشأن اتحاد من أجل المتوسط.
ان البعد الاورومتوسطي يمثل أحد الثوابت الاساسية لتوجهات بلادنا وعلاقاتها مع الخارج. ويتعلق الامر ببعد حضاري وتاريخي ازداد قوة وصلابة منذ التوقيع سنة 1995 على اتفاق شراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي وانخراط تونس في مسار بناء الفضاء المتوسطي للتعاون والتنمية.
وتنبع مساندتنا لمبادرة الرئيس ساركوزي من قناعتنا بأن المتوسط مهد الثقافات والحضارات يجب أن يستعيد دوره كمنطقة للسلم والازدهار المشترك بين كافة شعوبه.
وقد دعت تونس التي تعتبر من البلدان المؤسسة لمسار برشلونة والحوار 5 زائد5 دوما الى تشاور معمق بين مختلف الشركاء بهدف بلورة أهداف هذا الاتحاد وسبل تحقيقها.
ونحن نعتقد أن هذا المشروع الطموح يجب أن يعطي دفعا قويا لتعاون متوسطي حقيقي في أفق تنمية متضامنة.
ونحن بحاجة الى العمل المشترك في كنف روح من التشاور الوثيق. وان تونس من جهتها لمستعدة لتقديم اسهاماتها في انجاز هذا المشروع المشترك. وتعتزم بلادنا أن تحافظ على دورها المحوري في العلاقات بين ضفتي المتوسط.
* لقد نسجتم مع أوروبا علاقات بلغت بعد طورا متقدما كما يشهد على ذلك على سبيل المثال دخول تونس منذ جانفي 2008 منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي وهي سابقة بالنسبة الى بلد من الضفة الجنوبية. ما الذي يفسر هذا الخيار وهل يمكن التطلع الى أن تدعم هذه الروابط المتميزة ارساء تصرف أفضل في تدفقات الهجرة التي تعد اليوم قضية ملحة مطروحة على العلاقات الاورومتوسطية؟
يمثل التعاون بين تونس وأوروبا بالنسبة الينا خيارا استراتيجيا. والشراكة التي شرعنا فيها هي شراكة شاملة ومكثفة ومتعددة الابعاد تغطي الجوانب السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية والبشرية.
وان تونس التي أبرمت أول اتفاق شراكة مع أوروبا سنة 1995 تعد أيضا أول بلد من الضفة الجنوبية من المتوسط ينخرط منذ بدايات العام 2008 في منطقة للتبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي.
وفي اعتقادنا فان الشراكة مع أوروبا لا تكتسي بعدا اقتصاديا فحسب وانما تقتضي أيضا بعدا بشريا ذا أهمية كبرى. ويتعلق الامر بجانبين لا يقبلان التجزئة ويتعين أن يتطورا وفق مقاربة متوازنة وشمولية.
كما يتعين أيضا معالجة ظاهرة الهجرة باعتبارها عامل تنمية اقتصادية ومصدر اثراء ثقافي.
وفي هذا الاطار بالذات يتنزل النداء الذي أطلقناه منذ التسعينات من أجل ابرام ميثاق أوروبي مغاربي للهجرة يأخذ بالاعتبار مجمل الاشكاليات المرتبطة بهذه المسالة. وضمن الرؤية نفسها شاركت تونس بصورة فاعلة ونشيطة في المؤتمرين الاوروافريقيين بكل من الرباط وطرابلس اللذين عهد اليهما باعداد خطة عمل موجهة نحو تنظيم الهجرة الشرعية ومكافحة الهجرة السرية وكذاك نحو التنمية.
اننا نتفهم البعد الامني الذي يشغل أصدقاءنا الاوروبيين ونحن نتعاون معهم في ذلك بصورة نشيطة. غير أن هذا الجانب لا يجب أن يكون الشجرة التي تغطي الغابة.
وقد دعت تونس دوما الى التعاطي مع ظاهرة الهجرة في شموليتها وأخذ مختلف مكوناتها بعين الاعتبار وبصورة أخص مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية.
ان موقفنا بخصوص الهجرة السرية هو أن هذه الظاهرة لا يمكن مكافحتها الا في اطار مقاربة للتنمية المتضامنة التي تحقق الازدهار المشترك.
* بماذا تجيبون أولئك الذين يلمحون الى وجود اختلال بين المستوى المتقدم للتنمية الاجتماعية والاقتصادية ومسار التطور السياسي في تونس؟
هذا الحكم خاطئ في بعض الاحيان اذا ما سلطنا النظر على الواقع السياسي التونسي.
ولن أكرر الحديث عن انجازات بلادنا على الصعيد الاقتصادي ولكن سأكتفي بالتذكير بأننا حرصنا في اصلاحاتنا على تكريس مبدا جوهري ألا وهو التلازم والتكامل بين الديمقراطية والتنمية.
كما عملنا دوما على ضمان تقدمهما بصورة متوازية والوقائع ماثلة للعيان وهي صريحة وجلية. ان تونس اليوم هي بلد للتعددية تنشط بها تسعة أحزاب سياسية ستة منها ممثلة في البرلمان. وأود تذكيرك بأنه حتى العام 1987 كان نظام الحزب الواحد هو السائد. وقبل سنة 1994 لم يكن أي حزب معارض ممثلا في البرلمان. وقبل 1990 لم يكن بمقدور أي من قادة المعارضة تقديم ترشحه الى الانتخابات الرئاسية. فبفضل الاصلاحات التي بادرنا بها تغيرت الوضعية. وهكذا فان 20 بالمائة من أعضاء مجلس النواب والمجالس البلدية ينتمون اليوم الى أحزاب المعارضة. وبهدف توسيع مشاركة المعارضة في الحياة السياسية أعلنا مؤخرا عن مشروع مراجعة للمجلة الانتخابية يضمن لاحزاب المعارضة نسبة دنيا قدرها 25 بالمائة من مقاعد مجلس النواب والمجالس البلدية.
واليوم كافة أحزاب المعارضة تشارك في الجدل العام وتنشر بحرية صحفها.
ان المسار الديمقراطي في تونس خيار لا رجعة فيه.
وتفصلنا اليوم أكثر من سنة ونصف السنة عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة. وعليه فان الحملة الانتخابية لم يتم بعد فتحها في تونس. وان ما نعمل جهدنا من أجله هو السهر على أن تتضافر كل الظروف من أجل أن يكون الاقتراع شفافا وعادلا.
* هل يمكننا القول بأن الانجازات التي حققتها تونس رغم مواردها الطبيعية المحدودة هي أيضا ثمرة نمط معين في إدارة دواليب الدولة. وبعبارة أوضح ما هو سر ما حققتموه من نجاحات؟
لقد اخترت دوما قبل اتخاذ أي قرار توخي الانصات والحوار المباشر والاستشارة الواسعة قدر الامكان مع مكونات المجتمع.
كما أنني منفتح على تجارب البلدان الاخرى. وفي كل ما أقوم به أستلهم تاريخ بلادي المجيد ومآثر مفكريها وبالخصوص الموروث الاصلاحي التونسي للقرن التاسع عشر وموروث الحركة الوطنية.
ذلك هو ما يدعم خياراتنا ويساعدنا على اتخاذ القرارات الصائبة. قرارات تحظى حال اتخاذها بمتابعة متواصلة من قبلي.
أتيت على ذلك كي أبين لك أنني أفضل العمل الملموس الذي يتيح تحسين ظروف عيش المواطنين عوضا عن الخطب والدعاية الاعلامية.
* تتمتع المرأة التونسية اليوم بمكانة رائدة على مستوى العالم العربي. مكاسبها متعددة ومعروفة بشكل جيد. لكن رغم هذه المكاسب هل لا يزال النهوض بحقوق المرأة من بين مشاغلكم؟
المرأة محل عناية دوما رغم أن وضعية المرأة التونسية ومكانتها تتميزان بالنموذجية والفرادة في محيطنا الثقافي. فحقوق المرأة تحتل موقع القلب من مشروعنا المجتمعي المرتكز على المساواة بين كل المواطنين.
وتظل مجلة الاحوال الشخصية التي تم سنها عام 1956 من قبل الرئيس الحبيب بورقيبة اطارا قانونيا فريدا في منطقتنا. وقد عملنا منذ 1987 على اعطائه أبعادا جديدة من أجل تكريس مبدأي المساواة والشراكة بين الرجل والمرأة في الاسرة وفي الحياة العامة. وقد أدرجنا مبادئ الاحوال الشخصية صلب الدستور.
وتمثل النساء اليوم ثلث السكان النشيطين في البلاد. وعلى سبيل المثال فان المرأة تمثل اليوم ثلث القضاة وثلث المحامين و72 بالمائة من الصيادلة و42 بالمائة من السلك الطبي و40 بالمائة من أساتذة الجامعات. وعلى مستوى الحياة السياسية فان تمثيل المرأة ما فتئ يتعزز. ونسبة النساء صلب مجلس النواب قد ارتفعت من 7 بالمائة سنة 1994 الى أكثر من 22 بالمائة حاليا. وفي المجالس البلدية تحتل المرأة اليوم أكثر من 27 بالمائة من المقاعد مقابل 16 بالمائة سنة 1995 ويفوق عدد الفتيات اليوم في معاهدنا وجامعاتنا عدد الفتيان وذلك على التوالي بنسبة 57 بالمائة في الثانوي وحتى 59 بالمائة في التعليم العالي.
* يزعم البعض أن تونس تعاني من تأخر في مجال حقوق الانسان. ما هو رأيكم بهذا الشأن؟
ان من يذهبون الى ذلك الزعم يجهلون تماما الواقع التونسي. وعلى العكس اذا كنتم تتحدثون عن انتقادات أود أن أوضح لكم أننا نقبل بصدر رحب النقد.
ففي هذا الميدان كما في غيره ندرك أن الكثير لا زال يتعين القيام به. الا أن الانجازات الماثلة عديدة والتطور حقيقي. فالاصلاحات المدخلة منذ سنة 1987 قد عززت دولة القانون. كما قمنا بتجسيم عديد الاجراءات التي دعمت حماية واحترام حقوق الانسان في تونس. أود الاشارة هنا على سبيل المثال الى انخراط تونس في معظم الاتفاقيات والعهود الدولية في مجال حقوق الانسان وادراج هذه النصوص ضمن منظومتنا القانونية الوطنية والى مختلف الاصلاحات التي أدخلت على المجلة الجنائية والتي عززت حقوق المواطنين عبر التحديد الدقيق والحازم لمختلف الاجراءات الاستثنائية كالاحتفاظ والايقاف التحفظي وعبر ضمان حقوق الدفاع وسبل الطعن أمام المتقاضين. وقد تم بعث هيئة عليا لحقوق الانسان والحريات وتم بصورة مطردة دعم صلاحياتها بما يمكنها مستقبلا من أداء زيارات فجئية الى المؤسسات السجنية ومن تلقي شكاوى المواطنين والتحقيق حول أي تجاوز يمس بحقوق الموقوفين. كما عملنا على أنسنة المنظومة الجزائية التونسية عبر تعويض العقوبات السالبة للحرية بعقوبات بديلة مثل العمل للمصلحة العامة وأقررنا تعويض كل مواطن أدين خطأ وثبتت لاحقا براءته.
ان التقدم الكبير الذي أحرزته تونس يحظى بتثمين معظم بلدان العالم. وقد وقفنا على هذا الامر مثلا خلال اجتماعات الية الاستعراض الدوري الشامل المنعقدة بجنيف يوم 8 أفريل أو قبل ذلك خلال نقاشات لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة بنيويورك في شهر مارس الماضي. ونحن نعتزم أن نستفيد بالكامل من التوصيات التي سيقدمها لنا مجلس حقوق الانسان الاممي من أجل تطوير حقوق الانسان عبر تعزيز التعاون مع الاجهزة الاممية والاقليمية التي يمكنها بنفسها أن تشاهد عيانا واقع بلادنا ومن هناك التوقي من الاغترار بأحكام بعض الجمعيات التي توظف مسالة حقوق الانسان لاغراض أخرى.
* تواجه بلدان شمال افريقيا تحدي ارهاب المتطرفين. ما هي وضعية تونس على هذا الصعيد؟
عرفت تونس خطر التطرف بداية الثمانينات وكذلك بداية التسعينات. وقد صمد المجتمع التونسي بفضل ثقافته المرتكزة على التسامح والتفتح والتضامن. وكانت المرأة في طليعة القوى الحية التي رفضت موجة التطرف والظلامية.
ومن منطلق تشبثنا بهذه القيم المتجذرة في ثقافتنا عملنا على انتهاج سياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية ترمي الى القضاء على الفقر والاقصاء وعدم المساواة التي تعد الارضية المولدة للتطرف. وقد مثلت دولة القانون الاطار الذي عالجنا في نطاقه هذا التهديد. وتونس تواصل اليوم تقدمها بفضل احترام هذه المبادئ وانتهاج تلك السياسة. ونحن واثقون اليوم من سلامة أوضاعنا مع بقائنا يقظين.
* وعلى الصعيد العالمي كيف تنظرون الى النتائج التي أحرزتها المجموعة الدولية في هذا المجال؟
ان مكافحة افة الارهاب عمل طويل النفس يقتضي قدرا أكبر من الارادة وتنسيقا أفضل بين الدول باعتبار أن الارهاب أضحى ظاهرة عابرة للحدود لا يسلم من ضررها أي بلد. وبالنسبة الينا من المهم أن نعالج جذور التطرف والارهاب من خلال برامج عمل ضخمة لمكافحة التهميش والغبن وعبر ارساء استراتيجية للتنمية المتضامنة المتوازنة تقوم على المساواة والنهوض بمجمل الشرائح الاجتماعية والجهات. تلك هي المقاربة المتناسقة التي مكنتنا من حماية بلدنا من هذه الافة.
ان المعركة ضد الارهاب تقتضي أيضا النهوض بقيم التسامح والانسانية والحوار بين الحضارات بما يعزز عوامل التفاهم المتبادل بين الشعوب. ويتعلق الامر هنا بأحد المحاور الاكثر أهمية صلب سياستنا الخارجية. وهذه المعركة تقتضي أيضا تعبئة دولية أكبر من أجل ايجاد الحلول العادلة والمنصفة للنزاعات الاقليمية وبالخصوص نزاع الشرق الاوسط وما تجره من اذلال ومعاناة تغذي جميعها كل أشكال التعبير عن الحقد والتطرف. ونحن نلحظ في هذا المضمار وعيا متناميا للمجموعة الدولية بشأن ضرورة مكافحة هذه الظاهرة بصورة شاملة وجماعية.
وان تونس التي دعت منذ سنة 1990 الى اعتماد مدونة سلوك لمكافحة الارهاب تظل على التزامها الى جانب المجموعة الدولية وفي كنف احترام الانسان بالعمل على القضاء على مثل هذا التهديد الخطير الذي يؤثر سلبا على السلم والامن الدوليين.
* تظل الاوضاع في فلسطين مبعث انشغال كبير على الرغم من جهود السلام المبذولة في المنطقة. كيف ترون مستقبل هذه المشكلة؟
نحن على يقين بأن السلم العالمية ستظل هشة طالما لم نجد حلولا للنزاعات المزمنة وبالخصوص نزاع الشرق الاوسط هذه المنطقة التي أضحى فيها ايجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية أمرا ضروريا وملحا.
لقد أحيا مؤتمر أنابوليس الكثير من الامال بعد فترة طويلة من الجمود. غير أن التطورات اللاحقة على الارض لم يكن من شأنها دعم مسار السلام. وان تونس التي أسهمت بصورة فاعلة في مختلف مراحل مسار السلام بالشرق الاوسط منذ انطلاقته لتدعم كل الجهود المبذولة في هذا الاتجاه. ونحن ندعو كل الاطراف المؤثرة وبالخصوص اللجنة الرباعية الى مضاعفة الجهود من أجل ضمان انخراط طرفي النزاع الفعلي على درب السلام. وبالفعل فان الوقت قد حان كي يستعيد الشعب الفلسطيني الذي عانى طويلا حقوقه غير القابلة للتصرف في تقرير المصير وبناء دولة مستقلة تطبيقا لخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية.
وسيكون من المؤسف أن يتم التفريط في هذا الموعد الجديد مع السلام وأن تهدر هذه الفرصة الجديدة المتاحة لكل شعوب المنطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.