سلّطت اليوم الهيئة الوقتية للقضاء العدلي في ندوة صحفية عقدتها بقاعة الجلسات بمحكمة التعقيب الضوء عن أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء وهل أن أسبابها قانونية أم هنالك خلفيات وأبعاد سياسية أخرى لهذه الأزمة؟ وقد تحدثت الناطقة الرسمية باسم الهيئة وسيلة الكعبي في مستهل الندوة عن الدور الذي لعبته الهيئة الوقتية للقضاء العدلي في مسيرة القضاء وكيف حاولت القطع مع الماضي ... وفيما يتعلّق بما يروّج له البعض وفق تصريحها من أن الهيئة اندثرت وانتهت مهامها منذ الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء ولا يجوز لها بالتالي تقديم ترشيحات في المناصب القضائية السامية أكدت أن الهيئة لم تنته مهامها مثلما يروج لذلك البعض بل بالقانون والدستور لا تزال هيئة قائمة ما لم يتركز المجلس الأعلى للقضاء وقد نص الفصل 148 من القانون الأساسي عدد 13 لسنة 2013 المتعلق بالهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والقانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء المنظم لعمل الهيئة في فقرتيه الثالثة والثامنة وعديد الفصول الأخرى الواردة بالأحكام الإنتقالية للدستور والأحكام الإنتقالية للقانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء والهيئة الوقتية للقضاء العدلي على أن انحلال الهيئة وانتهاء مهامها يكون الا بعد استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء. وحول اتهام الهيئة بأنها عطّلت تركيز المجلس الأعلى للقضاء أوضحت وسيلة الكعبي أنه عكس ما يروج من اتهامات فإن الهيئة حريصة كل الحرص على تركيز المجلس وحريصة ايضا على انهاء أعمالها طبق القانون والدستور مضيفة أن أعضاء الهيئة دعاة بناء المؤسسات الديمقراطية وليس دعاة تعطيلها معتبرة أن من يقولون أن الهيئة انتهت مهامها قبل استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء لا يستندون في موقفهم الى نص قانوني صريح يتعلق بتاريخ انتهاء مهام الهيئة أو انحلالها ويسعون الى تغييب واستبعاد تطبيق الأحكام الإنتقالية المنظمة لعملية الإنتقال من الوضع المؤقت الى الوضع الدائم ليمروا في آخر المطاف الى ممارسة سياسة فرض الأمر الواقع من خلال اللجوء لعقد اجتماعات خارج كل اطار قانوني. وساند وسيلة الكعبي الرأي زميلها فوزي المعلاوي الذي أشار أن من يرون أن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي انتهى مهامها لم يستندوا الى نص قانوني معتبرا أن خلفية هذا الجدل واضح وأن المشكل سياسيا وليس قانونيا يستهدف فرض تدخل السلطة السياسية ممثلة في السلطة التنفيذية في التسميات القضائية. واعتبر في سياق متّصل أن رئاسة الحكومة هي أحد طرف الصراع وليست أجنبية عنه وأن الخلاف بين الهيئة ومن يساندها في الدفاع عن تحييد التسميات القضائية عن التدخل السياسي من جهة ورئاسة الحكومة ومن يساندها في مساعيها الرافضة لإستقلالية قرار الهيئة في اصدار قرارات الترشيح من جهة أخرى وبالتالي فالأطراف التي تصف الحكومة بالطرف المحايد هي جزء من الصراع الحاصل مضيفا أن رفض رئيس الحكومة الإمضاء على الترشيحات التي تقدمت بها الهيئة لا تفسر حياده عن الشأن القضائي بل تؤسس لتدخله غير المشروع في سيره وسعي السلطة التنفيذية بسط يدها القضاء. من جهته اعتبر محمود الرمضاني أن السلطة السياسية تريد فرض يديها على القضاء مضيفا أن عدم امضاء قرارت الترشيح الصادرة عن الهيئة من قبل رئيس الحكومة سيحول دون استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وسيزيد في تأزم الأوضاع خاصة جراء ما سيؤول اليه من استدامة للفراغ المؤسساتي سواء على مستوى محكمة التعقيب أو بالنسبة للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين. واعتبر أن الأخطر من ذلك ما سينتج عن هذا التأخير مزيد تعطيل تركيز المجلس الأعلى للقضاء وارساء المحكمة الدستورية وبالتالي تأجيل عملية الإنتقال من الوضع المؤقت الى الوضع الدائم المنشود في كنف احترام الدستور والقانون بما يكفل أقصى ضمانات الإستقلال والحياد لهذه المؤسسات الدستورية ويجعلها ضامنة فعليا لعلوية الدستور وسيادة القانون ولحسن سير القضاء واستقلاله. واتهم عضو بالهيئة الوقتية للقضاء العدلي وزير العدل الحالي غازي الجريبي قائلا بأنه منذ توليه الوزارة سعى الى تهميش الهيئة عكس الوزراء السابقين الذين كانوا يتعاملون بسلاسة مع قرارات الهيئة مضيفا أن وزير العدل الحالي كان يتخذ القرارت التي تهم القضاة من تلقاء نفسه دون تشريك الهيئة على غرار اتخاذه قرار الحاق رئيس المحكمة الإبتدائية بجندوبة بلجنة المصادرة.. واعتبرت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي اليوم خلال ندوتها الصحفية أن الحل للخروج من أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء التزام الجميع بحكم القانون واحترام سيادته لأن الحل في دولة القانون وخاصة عندما يكون الأمر متعلقا بتركيز المؤسسات الساهرة على ضمان علوية الدستور وسيادة القانون. وأكدت التزامها على القيام بدورها في مواصلة الإشراف على شؤون القضاء العدلي وتحمّل مسؤولياتها المسندة لها بمقتضى الدستور والقوانين الى حين استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء بهياكله الأربعة وارساءه. وشددّت الهيئة على حرص الهيئة على أن يتم إرساء مكونات السلطة القضائية الدائمة في اقرب الآجال على أسس قانونية وشرعية تحفظ هيبتها ومقامها وبما يضمن حيادها واستقلالها. ونبّهت الى أن ما يتعرّض اليه مسار تركيز المجلس الأعلى للقضاء من محاولات الإستقواء بالسلطة السياسية وخرق القانون يعد عملا غير مسؤول من شأنه أن يؤدي الى إضعاف المجلس المرتقب بما يخلقه من انقسامات بين أعضاء المجلس ويحول دون تعزيزالثقة في القضاء ويشكّل مدعاة للتشكيك في قدرة المجالس القضائية على حسن تسيير شؤونها. وحذّرت الهيئة من خطورة تبعات هذه الأزمة المفتعلة حسب رأيها ومن الإلتجاء الى التحرّك خارج ما يسمح به الدستور والقانون وبما من شأنه الإضرار بمصالح أكثر من ألفي قاض ويعطل النظر في مسارهم المهني جراء ما يمكن أن ينجر عن ذلك من طعون أمام المحكمة الإدارية. وجددت دعوة رئيس الحكومة الى التعجيل بإمضاء قرارات الترشيح الصادرة عنها لتجنب مزيد تأزم الوضع القضائي وباعتبار أن اصدار الأوامر المتعلقة بقرارات الترشيح هو السبيل الكفيل لإستكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وارسائه طبق أحكام الدستور والقانون.