طرح مشروع قانون المالية الذي طرحته حكومة يوسف الشاهد «المُتخلية» على مجلس نواب الشعب منذ أيام، جملة من التحفّظات والتساؤلات في علاقة بالجهة التي أحالت مشروع القانون وهي حكومة يوسف الشاهد التي تستعدّ لتسليم السلطة الى حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي فاز بها حزب حركة النهضة، وفي علاقة بمدى استجابة هذا المشروع لرؤى وتوجهات الحكومة الجديدة التي ستجد نفسها ملزمة بتنفيذ ما ورد بمشروع قانون المالية دون أن تكون قد وضعت أسسه وتوجهاته العامّة.. ويقدر حجم ميزانية الدولة لسنة 2020 المُحال على البرلمان ب 47 مليارا و227 مليون دينار، في آجاله الدستورية المنصوص عليها في الفصل 66 الذي يوجب تقديمها الى المجلس في أجل أقصاه 15 أكتوبر ويصادق عليه في أجل أقصاه 10 ديسمبر. سينظر المجلس التشريعي الجديد الذي لم يعقد بعد جلسته الأولى في مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2020 ولكن من سيدافع على توجهات مشروع قانون المالية لسنة 2020 وتوجهاته ستكون حكومة يوسف الشاهد وليس الحكومة الجديدة، كما سيُواكب وزير المالية الحالي رضا شلغوم أعمال لجنة المالية داخل البرلمان وكذلك في الجلسات العامة للدفاع عن مقترحات الحكومة الحالية.. لكن تمرير قانون المالية في مرحلة انتقال سلطة بين المنظومة التي حكمت منذ 2014 من خلال خياراتها السياسية و الاقتصادية، والمنظومة التي أفرزتها انتخابات 2019 من أحزاب ستحكم وأخرى أبدت رغبتها في الالتحاق بالمعارضة وثالثة لم تحسم قرارها بعد، فسح المجال لعدّة تساؤلات وانتقادات في علاقة بخيارات المنظومة الجديدة والتي ستكون خيارات اقتصادية «قديمة» بالضرورة، ولكن هذه الوضعية على «اختلافها» عن الوضع العادي ليست بالغريبة أو الاستثنائية فقد عشنا نفس التجربة بعد 2014، حيث اتجه البرلمان المنتخب وقتها لإحداث لجنة مالية «مؤقتة» للنظر في قانون المالية المُحال من حكومة المهدي جمعة وترأس تلك اللجنة وزير المالية الأسبق سليم بسباس والذي أكّد في تصريح ل»الصباح» وفي علاقة بالوضعية المشابهة مع 2014 والتي نعيشها اليوم، ان مشروع قانون المالية الحالي يجب أن يمرّ بمنطق استمرار الدولة وليس بمنطق أحزاب حكم وأحزاب تعارض.. المبدأ.. استمرار الدولة في تصريحه ل«الصباح» أكّد وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي سليم بسباس أن مشروع قانون المالية المُحال على مجلس نواب الشعب، من طرف حكومة يوسف الشاهد التي تعتبر حكومة متخلية باعتبار أن الحكومة الجديدة التي ستنبثق من الأحزاب البرلمانية المنتخبة، لم تتسلّم السلطة بعد، هو قانون يأتي في سياق «استمرارية» الدولة لأن دخول قانون المالية مرتبط بآجال قانونية حيث يجب أن يدخل هذا القانون حيز التنفيذ مع غرّة جانفي القادم «وفق تصريح سليم بسباس، الذي أضاف «حتّى لا نعيش فراغا ماليا يهدد استمرارية الدولية وهناك يجب التفريق بينها استمرار الدولة ومسالة التداول على الحكم بين الأحزاب»، سليم بسباس الذي ترأس لجنة قانون المالية في 2014 مباشرة بعد الانتخابات التشريعية وتركيز البرلمان الجديد يقول على الوضعية الراهنة :»هذه الوضعية ليست بجديدة وجرّبناها 2014 بعد الانتخابات، حيث تم الاتفاق على تشكيل لجنتين خاصتيّن خارج منطق أحزاب الحكم والمعارضة وهي لجنة النظام العام ولجنة قانون المالية وتم انتخابها من النواب الجدد وفق قاعدة التناسب بين عدد الأحزاب الموجودة.. وباعتبار أن الرؤية لم تتضح بشأن من سيحكم ومن سيعارض، فان أكبر كتلة برلمانية يمكنها ترأس هذه اللجنة حتى نتجاوز مأزق المصادقة على مشروع القانون في أجل 10 ديسمبر القادم». وفي علاقة بمضمون قانون المالية والنقاشات حوله من قوى جديدة في البرلمان ذات رؤى وتوجهات مختلفة أكّد سليم بسباس أن تمرير قانون المالية في سنوات الانتخابات يكون من باب تواصل الدولة من حيث سياسات الصرف والمداخيل وليس من باب طرح سياسات وتوجهات القوى الفائزة التي يمكنها التعبير عن هذه السياسات، قائلا:»في حالات مشابهة تؤجّل الرؤى والبرامج لتطرح في قوانين المالية التكميلية، من طرف أحزاب الحكم وتُناقش من أحزاب المعارضة التي يمنحها الدستور، رئاسة لجنة المالية في البرلمان،فمشروع قانون المالية يجب ان يمرّ بمنطق الدولة وليس بمنطق أحزاب الحكم وأحزاب المعارضة، خاصّة وأن تمرير قانون المالية لا يتطلّب الأغلبية التي يتطلّبها قانون تمرير قانون أساسي مثلا.. ولكن ذلك لا ينفي أن قانون المالية الجديد من النواب يتطلّب قراءة نقدية.. وكذلك يبقى للحكومة الجديدة الحق في طرح برنامجها الاقتصادي ورؤيتها لسياسات الدولة المالية والنقدية من خلال قانون المالية التكميلي». وفي علاقة بتقييمه أو موقفه كخبير في مشروع قانون المالية المُقترح، قال سليم بسباس «قانون المالية المُقترح هاجسه الأكبر كان محاسباتيا وهو وفاء الدولة بأحد أبرز تعهّداتها الرئيسية مع صندوق النقد الدولي بالعمل على تخفيض العجز الى حدود 3% في أفق 2020 وتخفيض المديونية لتتقلّص من 75 بالمائة في 2019 الى 74 بالمائة في أفق 2020 والتحكّم في الموازنات العامة ولكن مع ذلك ما تزال الإصلاحات الكبرى تحتاج لمزيد من ايلائها الأهمية القصوى وكذلك منظومة الدعم وتنافسية المؤسسات العمومية وغيرها من الملفات المهمة والتي يجب منحها كل الاهتمام». وفي علاقة بوزير المالية القادم وما اذا كان من المحبّذ ان يكون كفاءة وطنية تملك الخبرة الفنية في قيادة السياسات المالية للدولة او سياسي يفرض برنامج حزبه ورؤيته السياسية، أكّد بسباس أن المرحلة تقتضي أن يكون للوزير القادم خبرة فنية وتقنية في التعامل مع الشأن المالي ولكن يجب أن تكون له كذلك رؤية السياسي وبرنامجه الذي يريد تنفيذه. منية العرفاوي