هو عبد الله بن محمد بن علي بن محمد المازري نسبة إلى مازارا وهي مدينة على الساحل الجنوبي من جزيرة صقلية وهي أوّل مدينة فتحها أسد بن الفرات القائد الأغلبي سنة 212 ه/824 م، وهي مدينة متوأمة منذ ثمانينات القرن العشرين مع المهدية. ولد مترجمنا سنة (453ه/1061م) بالمهدية في عهد الأمير الصنهاجي تميم بن المعز الذي تولى الخلافة في نفس المدّة تقريبا. يقول الأستاذ الطاهر المعموري صاحب الأطروحة " المازري: حياته وآثاره": " ولد المازري في عصر كثرت اضطراباته وتشابكت سبله وقامت فيه دول على أنقاض أخرى وتمّ الخوف من الأعراب - والقصد هنا هم بنو هلال - والنورمان في الخارج -"، ويضيف المعموري: " والمازري لا يتحدّث أبدا عن مراحل حياته فهو ليس من صنف العلماء الذي يستغلون المناسبات للحديث عن حياتهم الخاصّة وأقصى ما استطعنا معرفته هو أنّ له حفيدا من جهة البنت يدعى عبد الله الأنصاري ولي القضاء بإشبيلية في الأندلس وتوفي سنة 1193م بمراكش." تتلمذ المازري لأبي الحسن اللخمي المتوفى بصفاقس عام 498ه/1085م بعد أن انتقل إليها من موطن ولادته القيروان إثر زحف بني هلال، وعبد الحميد الصانع نزيل سوسة والمتوفى بها سنة 486 ه/1075م. ويذهب البعض من المترجمين لحياة المازري أنّه كان يتنقل لتلقي العلم من هذين الشيخين إلى صفاقسوسوسة. من تلاميذه القاضي عياض (1084/1149م) صاحب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" والذي يقول عن معلمه المازري: " كان آخر المشتغلين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه ورتبة الاجتهاد ودقّة النظر. لم يكن في عصره للمالكية في أقطار الأرض في وقته أفقه منه، لقد كان أحد رجال الكمال في وقته في العلم". كان الإمام المازري فقيها مفتيا عُدّ من أوّل شرّاح صحيح مسلم وقد ألّف في الغرض كتابا تحت عنوان " المعلّم في شرح صحيح مسلم" وقد تناول الخلف هذا الشرح فألّف القاضي عياض " كمال المعلّم" وألّف الشيخ محمد الشاذلي النيفر(1911/1997م) " المازري الفقيه المتكلم وكتابه المعلّم". من مؤلفات المازري : " إيضاح المحصول من برهان الأصول " و"الكشف والإنباء على المترجم بالإحياء" وهو ردّ على " إحياء علوم الدين" للغزالي و" إملاءات على رسائل إخوان الصفا" و"النقط القطعية في الردّ على الحشويّة" و" الواضح في قطع لسان النابح ". وفي الفقه " كشف الغطاء عن لمس الخطأ " و" الرسالة الحاكمة في الأيمان اللازمة "... وهناك فتاوى متفرّقة حقّقها الأستاذ الطاهر المعموري وصدرت عن الدار التونسية للنشر. ومن أهمّ مؤلفات الإمام المازري هو: " شرح التلقين " الذي يعتبر أهل الاختصاص أن ليس للمالكية كتاب مثله، وهو شرح لكتاب القاضي عبد الوهاب البغدادي (973-1031) التلقين. ولقد أثبت الشيخ النيفر في كتابه المشار إليه آنفا أنّ ثلث كتاب عبد الوهاب لم يشرحه المازري. يقول الأستاذ عمر بوزقندة محافظ متحف الفنون الإسلامية بالمنستير في محاضرة ألقاها يوم الجمعة 10 فيفري 2010 على منبر جمعية مواقع ومعالم بتونس تحت عنوان " الإمام المازري: العالم الطبيب والفقيه المجتهد ": يمتاز فقهه باعتماده على العلوم الطبيّة فقد كان إماما في الطب والفقه وكان يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفتوى إذ أنّه يعمد أساسا إلى عيون المسائل ولبّها دون الانشغال بقشورها." لقد أجمع العلماء على أنّ الإمام المازري بلغ درجة عالية من الاجتهاد على عكس الإمام ابن عرفة الذي لا يثبت له اجتهاد ". يقول الأستاذ المعموري في هذا الشأن: " لعلّ ابن عرفة لم يطّلع على شرح التلقين الذي لم يكن واسع الانتشار " ويضيف: " وعلى كلّ حال فإنّ المازري رغم التزامه بمذهب مالك واستمداد فتاويه منه فإنّ ذلك لم يمنعه من الرجوع للأصول واستلهامها وبناء نظرياته الفقهية على نصوصها وما تقتضيه من تأويل. عاش الإمام المازري قرابة الثمانين عاما وتوفي بحسب حسن حسني عبد الوهاب يوم السبت الثامن من ربيع الأوّل من عام 536 ه الموافق للثاني عشر من شهر أكتوبر من عام 1145م. ويقول عمر بوزقندة: " نقل جثمانه من الغد من المهدية في زورق إلى المنستير مدفن الصالحين والعلماء. وفي سنة 1723م خيف على قبره من البحر فأمر علي باي الثاني ابن حسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية بنقل رفاته إلى مقامه الحالي". ومن المعلوم أنّ عدّة أساطير شاعت بين أهل المنستير حول هذا العالم الذي تحوّل إلى وليّ المدينة ليتغنّى بكراماته المنشدون ويسمّي الناس أبناءهم باسمه.