منعرج خطير أخذته تطورات الأحداث على الساحة الليبية، على إثر التصعيد الذي شهدته المواقف الدولية، ولا سيما ما تعلق بالموقفين الأمريكي والبريطاني، إذ أعيد نشر القوات البحرية والجوية حول السواحل الليبية، بما ينبئ باحتمال تدخل عسكري وشيك ضد ليبيا.. ويأتي التصعيد الدولي وكذلك حزمة العقوبات التي أصدرها مجلس الأمن ضد نظام العقيد معمر القذافي، من فرض حظر جوي وتجميد للأصول ومنع من السفر، شملت القذافي وأفراد من عائلته وعدد من أعوانه وأتباعه، على إثر الحملة الهمجية الوحشية التي شنّها ضدّ الثوّار المدنيين، وخلّفت في صفوف هؤلاء آلاف الشهداء.. فإلى أي مصير يأخذ جنون القذافي وتعنّته وخرقه لحقوق الإنسان بليبيا؟ وهل سيتنحّى القذافي عن السلطة ليحقن بذلك دماء الليبيين.. أم ماهي السيناريوهات الأخرى الممكنة لنهاية نظام هذا الديكتاتور؟ وأي تهديدات ممكنة لمنطقة حوض المتوسط في صورة التدخل العسكري الأمريكي ضدّ ليبيا؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتور توفيق بوعشبة، الاستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الدولية والمحامي لدى التعقيب، فكان معه الحوار التالي.. كيف تقرؤون تطورات الأوضاع الأمنية والسياسية بليبيا بعد إصدار مجلس الأمن لحزمة من العقوبات ضدّ هذا البلد، وبعد نشر أمريكا للقوات البحرية والجوية بمنطقة حوض المتوسط، وعلى السواحل الليبية..؟ لا يخفى على أحد أن ليبيا تعيش اليوم وضعا غير مسبوق، وسوف لا ترجع ليبيا إلى الوضع الذي كانت فيه على امتداد ما يزيد عن الأربعين سنة. يعني أن ليبيا «الجماهيرية» قد انتهت والثورة الحاصلة فيها ستؤدي حتما الى قيام جمهورية ذات طابع ديمقراطي. مع هذا، فإن الحالة الليبية صارت الآن محل اهتمام المجتمع الدولي، ورأينا كيف أن مجلس الأمن تدخل في هذا الموضوع، وذهب الى اتخاذ عدد من العقوبات ضد نظام القذافي بسبب القمع الشديد والواسع النطاق الذي مارسه منذ بداية الانتفاض عليه. وفي اليوم الأول من شهر مارس الحالي، عقد مجلس الأمن جلسة خصصت للأحداث الجارية في ليبيا، حيث تم الاستماع الى عرض قدمه السيد «لين باسكو» مساعد الأمين العام للشؤون السياسية وإلى عرض قدّمه مندوب ليبيا الدائم لدى الأممالمتحدة. وقد عبّر مجلس الأمن عن انشغاله العميق إزاء الوضع في ليبيا، كما عبّر عن استهجانه للقمع الوحشي الذي مارسه ولازال العقيد القذافي وأتباعه، وقد طالب أعضاء مجلس الأمن من الحكومة الليبية أن تحمي الشعب الليبي، وألا تستهدفه بمثل ذلك القمع الذي يعلمه الجميع. إضافة إلى ذلك ارتأى مجلس الأمن أنه من الضروري تقديم مساعدة إنسانية دولية للشعب الليبي تشمل الاحتياجات الغذائية والطبية، وفي كل ذلك من الأهمية بمكان. ولماذا لم يتناول مجلس الأمن الموضوع بخصوص ثورة تونس أو ثورة مصر؟ إن مجلس الأمن الذي لم يضطرّ إلى تناول الموضوع بشأن ثورة تونس أو ثورة مصر، ذهب فيما يخصّ الحالة الليبية، وهي حالة مختلفة عن الحالتين الأخرتين المذكورتين، إلى اعتبار كونها تشكّل تهديدا للسلم والأمن الدوليين على معنى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة المخصص كما نعلم لما يجب اتخاذه من أعمال وإجراءات وتدابير في حالات تهديد السلم والإخلال به، ووقوع العدوان وإن كان العدوان منسوبا هنا لا لدولة أجنبية بل إلى النظام القمعي للعقيد القذافي. ولكن، ما أمكن ملاحظته، أنه بصورة موازية لما تناوله مجلس الأمن، سارعت الولاياتالمتحدة الى اتخاذ خطوات ذات طابع عسكري اضافة الى ما عبّرت عنه من موقف تجاه العقيد القذافي ونظامه، حيث طالبته بالرحيل فورا عن ليبيا، وهي لغة في غاية الصرامة اعتمدتها الادارة الأمريكية تجاه العقيد القذافي الذي أكد للجميع من خلال الخطب التي وجهها الى الليبيين، بأنه مستعد لجعل ليبيا تشتعل، وجعلها مثل الجمر على حدّ قوله. ولا ننسى هنا ما تحويه ليبيا من آبار بترول وغاز، وما يمكن أن يحصل لو يذهب العقيد القذافي إلى إحراقها، وهذا أيضا ما يفسّر الاستعدادات التي أبدتها الولاياتالمتحدة للتدخل العسكري في ليبيا. هل أصبحت إذن الضربة العسكرية ضدّ ليبيا وشيكة؟ قد يكون ذلك، وعلى كل من الممكن الآن أو في أي وقت أو أي لحظة أن تشنّ القوات الأمريكية هجوما على مواقع القذافي وأتباعه المسلحين، كما قد تفكّر الولاياتالمتحدة في قصف المواقع التي تتمركز فيها الطائرات، والطائرات العمودية الليبية حتى لا يستعملها القذافي ضدّ السكان الثائرين وضد منشآت وآبار البترول والغاز وغيرها من المنشآت الاستراتيجية. ماهي السيناريوهات المحتملة لنهاية نظام القذافي .. وهل إنه في حالة تنحّيه عن السلطة تتجنّب ليبيا السناريو الأسوأ؟ هناك عدة سيناريوهات محتملة، إما أن يقرر القذافي ومن معه مواصلة المعركة إلى الآخر، وفي جميع الحالات سيخسرها، لأن الخناق يضيق عليه يوما بعد يوم، وإما أن يقرر الرحيل من ليبيا ليلجأ إلى بلاد أخرى، رغم أنه وابنه سيف الاسلام يردّدان أنهما سيعيشان ويموتان في ليبيا. كما أنه من الممكن أن يتمّ القضاء عليه عن طريق القوات المنضمّة إلى الثوار، أو عن طريق هجوم عسكري أمريكي. وفي جميع الحالات، في حالة تنحي القذافي عن السلطة بصورة أو بأخرى سيفتح عهدا جديدا لليبيا ولليبيين الذين سيتنفسون الحرية، كما سيقع تطبيع الدولة الليبية التي عبث بها العقيد القذافي ونظامه. بالرجوع الى المواثيق الدولية، ماهو نوع الجرائم المرتكبة من قبل القذافي الى حدّ الآن؟ استنادا الى القانون الدولي، من الواضح أن القذافي ارتكب هو ومن معه في القيادة وفي التنفيذ، جرائم ضدّ الانسانية لا يمكن لحدّ الآن أن نتحدث عن جرائم حرب بالمعنى القانوني، ولكن وبكل تأكيد، هناك ارتكاب وعلى نطاق واسع لجرائم ضدّ الانسانية، وهي مثل جرائم الحرب، وجريمة الإبادة الجماعية من أخطر الجرائم الدولية. وبالاضافة الى ارتكابه جرائم ضد الانسانية، من الممكن إثارة تورط القذافي في بداية جريمة الإبادة، من حيث أنه دعا الى قتل من رفضوه، ومثل هذا السلوك، يمكن أن يؤدي الى ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية كما هي معرّفة في القانون الدولي الجنائي. ولكن ماهو ثابت وما يمكن الاعتماد عليه، هو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ومن حيث التتبعات الجنائية والعقوبات المترتّبة عنها، فإن النتيجة واحدة. وعلى كل، فإن القذافي وعدد من أفراد عائلته وأعضاده وأعوانه، معتبرون اليوم كأشخاص مورطين في ارتكاب جرائم ضدّ الانسانية، وهو ما يحمّلهم المسؤولية الجنائية الفردية، وهذا ما ذهب اليه مجلس الأمن مؤخرا، وها ان مجلس الأمن قد قرر إحالة الحالة الى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وقد صار هذا الأخير مكلفا ومتعهدا رسميا بالجرائم ضدّ الانسانية وما قد يستجدّ من جرائم دولية أخرى مرتكبة من العقيد القذافي وأفراد من عائلته وأتباعه وأعضاده وأعوانه المسلحين، كل ذلك، دون أن ننسى ما أصدره مجلس الأمن من عقوبات أخرى ضد مقدّرات العقيد القذافي ونظامه. ماهي في اعتقادكم أكبر المخابر المحدقة المهددة للثورة الليبية التي دفع الشعب الليبي من أجلها، وفي سبيل الإطاحة بالنظام الديكتاتوري والتمتع بالديمقراطية والحرية آلاف الشهداء؟ أكبر المخاطر في نظري، هو إقدام العقيد القذافي على محاولة ابادة عدد كبير من الليبيين، باستخدام أسلحة محرّمة دوليا، ولكن في جميع الحالات سيخرج خاسرا من الرهان القائم اليوم. وماهي التهديدات التي يمكن أن يشكلها التدخل العسكري ضد ليبيا على منطقة المتوسط؟ بطبيعة الحال، إذا حصل تدخل عسكري فعلا، مع اغتنام الفرصة للتمركز بصورة أقوى في ليبيا أو في منطقة البحر الابيض المتوسط، فإن الأمر سيكون ثقيلا على المنطقة، وقد يولّد شعورا بأن استقلال دول جنوب المتوسط قد يتأثر. لكن مهما كان الأمر، لا يمكن تجاهل مقتضيات القانون الدولي. هل إن الدوافع الحقيقية للتهديدات الأمريكية بالتدخل العسكري ضد ليبيا، هو حماية الشعب الليبيي وتخليصه من العنف ومن الديكتاتور معمر القذافي؟ قد يكون الأمر كذلك، ولكن في العلاقات الدولية، لا بدّ أن نأخذ في الاعتبار دور المصالح، الى جانب الأخذ في الاعتبار أيضا أنه لا يوجد شيء يقدم مجانيا. والأهم الآن هو ضمان الحماية للشعب الليبي، إذ يواجه قائدا مغامرا يمكن أن ينتظر منه كل شيء، وتيسير وصول الشعب الليبي الى شاطئ الأمان، حتى يعيش في أمن واستقرار، وحتى يحقق تطلعاته التي من أجلها، ثار على نظام طال أمده.