نقول في مستهل ومفتتح الكلام ان نسبة المفطرين في شهر رمضان دون عذر شرعي في بلاد الاسلام قليلة ضئيلة والحمد لله لا يعسران تدرك بالعد والحصر في كل مصر وفي كل عصر وبما ان الصيام ركن ثابت من اركان الاسلام فقد تصدى اولو الأمروالحكام والعلماء من المسلمين منذ سالف العصور والأعوام لهؤلاء المفطرين المستهترين والمنتهكين لحرمة شهر الصيام العظيم حتى في عهد الجاهليين بما يؤدبهم وما يؤنبهم حتى لا يشيع التسيب والاستهتار بفرائض الدين في صفوف المسلمين ولقد حدثنا علماؤنا وشيوخنا منذ زمان ان الشاعر(النجاشي)وهو من بني الحارث بن كعب من اليمن وكان شاعر اهل العراق في صفين خرج في اول يوم من شهر رمضان فمر بابي سمال الأسدي وهو قاعد بفناء داره فقال له اين تريد؟ قال اريد موضع كذا من الكوفة فقال هل لك في رؤوس واليات قد وضعت في التنور من اول الليل فأصبحت قد اينعت وتهرأت قال ويحك في اول يوم من رمضان قال دعنا مما لا نعرف قال مه قال اسقيك شرابا كالورس يطيب النفس ويجري في العروق ويزيد في الطرق(الجماع)ويهضم الطعام ويسهل للعيي الكلام فنزل فتغذيا ثم اتاه بنبيذ فشربا فلما كان اخر النهار فضحهما الله فعلت أصواتهما وكان لهما جار من شيعة الإمام علي كرم الله وجهه فاتاه بخبرهما فأرسل الامام اليهما قوما أحاطوا بالدار فأما ابو سمال فوثب على دور بني اسد فافلت واما النجاشي فمسك وسلم للإمام وفي الصباح ضربه الامام ثمانين سوطا ثم زاده عشرين فقال يا امير المؤمنين اما الحد فعرفته فما هذه الزيادة؟ قال الامام علي لجرأتك على الله وافطارك في شهر رمضان ثم وكل به الصبيان يصيحون به(خزى النجاشي خزى النجاشي) واتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل شرب الخمر في رمضان فلما رفع اليه عثر الرجل فقال عمر(على وجهك ويحك وصبياننا صيام) ثم امر به فضرب ثمانين سوطا ثم سيره الى الشام وفي عهد الملك الكامل الأيوبي كان يامر في رمضان بإغلاق محلات الخمور في القاهرة وجميع أنحاء البلاد واغلاق المطاعم والمقاهي نهارا ويمسك البغايا والقيان وكان يذيع هذا النداء (يا اهل مصر قد أظلكم شهر مبارك ومن لم يصمه بغير عذر شرعي فقد باء غضب الله واستحق اشد انواع العقاب واستهدف لغضبنا عليه وانزال اشد عقوبتنا به )وكان عند ثبوت رؤية الهلال ينزل بنفسه في اول يوم من رمضان بمباشرة الأسواق وتفقد احوال الرعية فاذا صادف مفطرا وتبين له تهاونه بشهر الصيام امر بطرحه وضربه ضربا مبرحا ... وقد نص العلماء على ان المفطر عمدا في هذا الشهر من غير عذر مع اعترافه بان الصوم فرض حكمه ان يحبس حتى يتوب توبة نصوح ويقول الصفوري الشافعي(لو امتنع انسان من الصوم لغير حاجة حبس ومنع من المفطرات )...وكان سعيد بن المسيب يوجب في قضاء رمضان صوم شهر عن كل يوم ونقل عن الأوزاعي إمام الشام انه يجب في قضاء رمضان ثلاثة ألاف يوم ...وكان الأطفال في بلادنا التونسية اذا رأوا مفطرا في رمضان يصيحون في وجهه وينفجرون كالبركان(يا فاطر في سيدي رمضان ربي يحرقك بالنار) اما اذا اقترب يوم العيد فقد كان الصائمون المخلصون يرددون بكل قوة وحماس وحرارة في كل شارع وفي كل زقاق وفي كل درب وفي كل حارة (دايم ربي وفى رمضلن يا فطارة) اما اخواننا المصريون فقد كان صبيانهم يصيحون في المدن والقرى هذه الصيحة الزاجرة التي تقرع آذان المفطرين الصاغرة ( يا فاطر رمضان يا خاسر دينك كلبتنا السودة حتقطع مصارينك)... ولما كان المسلمون في ذلك الزمن السالف البعيد يحترمون رمضان بما ذكرناه في هذا المقال الجديد فقد كان اهل الديانات الأخرى يحترمون شعور الصائمين في هذا الشهر ولا يظهرون امامهم المعاصي وغيرها من مظاهر الكفر فقد روى بعض المؤرخين ان احد المجوسيين راى ابنه ياكل في رمضان فضره قائلا ومؤدبا بافصح واوضح لسان(هلا حفظت حرمة المسلمين في رمضان) بل ان بعض هؤلاء كان يصوم رمضان مع المسلمين كالأديب الكبير(ابي اسحاق الصابي) مجاملة لهم وتأدبا معهم كاحسن ما يكون ادب المؤدبين... او لا يحق لنا ان نقول بعد هذا العرض القصير لتاريخ تأديب المفطرين المستهترين بحرمة شهر الصيام في زمن عزة وقوة المسلمين اننا لم نعد نطمع اليوم في احترام الأمم الأخرى لفريضة الصيام بعد ان اصبحنا نرى ونسمع من بني جلدتنا واهل ملتنا من يستهترون ويستهزئون بصيامه ويجاهرون بالافطار مع اطلاق بذيء وقبيح الكلام ولكم يؤسفني ان اذكرهم بتلك الجملة التي اراها اصدق تعبير عما وقعوا فيه من المرض و السقم والعلة (قريملة لا دين لا ملة)