ما يناهز 25 مكتبا أو شركة لسبر الأراء موجودون في تونس، ويعملون بدون إطار قانوني في مادة الإحصاء واستطلاع الرأي، تمويلاتهم غير معلنة، كما أن طريقة عملهم لا تخضع للمقاييس العلمية الدولية زيادة على عدم الحياد... حين تقرأ نتائج سبر الأراء حول نوايا التصويت مثلا عند هذه الشركة وتلك، وتكتشف الإختلافات الشاسعة بين النتائج، سوف لن تحتاج إلى عناء كبير لتفهم أن هذه العمليات غير علمية، وفي ثناياها مال سياسي فاسد يسعى لصنع رأي عام على مقاس الأحزاب وإرادة قياداتها، ومن ثم التحكم فيه بما يخدم أجندات معينة... هؤلاء الذين يجوبون البلاد طولا وعرضا في حملة انتخابية للدعاية لقائمات مرشحيهم للسياحة في أروقة مجلس نواب الشعب، أو لرئاسة الجمهورية، هم في حقيقة الأمر ليسوا في حاجة إلى مثل هكذا دعاية، فإنجازاتهم تتحدث عنهم وتشهد لهم بالكفاءة في الحكم على حد ظنهم بأنفسهم، لقد قاموا من قبل بالحملة الإنتخابية نفسها، وقالوا بأنهم الأجدر والأكفأ لحكم تونس وإخراجها من أزماتها، وأكدوا بأن برامجهم قد أشرف على إعدادها مئات من النخب في شتى الإختصاصات، ووعدوا الناس بالتنمية، وبإحداث مئات الآلاف من مواطن الشغل، مع نسبة نمو تفوق 6 أو 7%، وتخفيض الضرائب، وإحداث أقطاب صناعية في كل الجهات، وتهيئة مئات الأحياء الشعبية.... وحكموا البلاد بالتوافق والمحاباة والمحسوبية والموالاة، وتوزعت بينهم الأدوار كأبطال لمسرحية عنوانها "الديمقراطية الناشئة، والنموذج التونسي الناجح" فكانت النتيجة: نسبة بطالة تفوق 16% على المستوى الوطني، وأمّا في الجنوب التونسي فإن النسبة تتراوح بين 25% و35%، وارتفعت الضرائب والأسعار وغلت المعيشة، وهبط الدينار بما لم يسبق له مثيل، واهترأت الخدمات الصحية، وتدحرج المستوى التعليمي، وعجزت الصناديق الإجتماعية عن أداء وظيفتها، وتفاقمت المديونية لتتجاوز 70% من إجمالي الناتج المحلي، وهو رقم ينذر بالفقر والإفلاس، مع نسبة نمو تقارب الصفر، وأغلقت المصانع أبوابها، وانتشرت الدعارة وترويج المخدرات في صفوف الناشئة، وتفاقمت الجريمة وتنوعت بشاعتها، والفساد المالي والسياسي والإجتماعي ينخر الدولة والأحزاب والمجتمع... وفي المقابل امتطوا هم السيارات الفخمة والمصفحة، واقتطعوا من ميزانية الدولة تكاليف حراستهم، وامتلأت جيوبهم، وترفهت معيشتهم ومعيشة أزواجهم وبنيهم، وقالوا "بعد الثورة خير"... هذه هي وعودهم، وهذه هي إنجازاتهم، فبما عسى أن تغنيهم البروباغندا الكاذبة، فالمؤكد على أرض الواقع والمحسوس، أنهم في انحدار وليسوا في صعود، وهم يعلمون ذلك، ولكنهم يكابرون ويكذبون...