اعتصامات متعددة ومتكررة، مطالب لا تنتهي عن الزيادة في الاجور، نداءات كثيرة بإقالة المديرين وتغييرهم وعمل بمبدأ "اشرب والا طير قرنك»، هذا هو الوضع في المؤسسات التونسية بصفة عامة ..فالشعارات التي رفعت إبان الثورة والتي تدعو الى الكرامة والحرية و«خبز وماء وبن علي لا» ونموت نموت ويحيا الوطن، وقع طيها او تناسيها لتحل محلها شعارات اخرى وتوجهات مطلبية مغايرة تماما تتمثل أساسا في الزيادة في الأجور وفي الترسيم وفي تحقيق امتيازات مادية هامة وفي غيرها من الامور التي تخدم المصالح الشخصية أكثر منها الجماعية.. ولأن الاعتصامات والإضراب عن العمل يضر بالاقتصاد فقد أفادنا السيد الحبيب التستوري رئيس الجامعة الوطنية للمهن الصغرى أنّ مجموعة هامّة من المستثمرين الأجانب المُصدّرين ببلادنا يُلوّحون بتحويل مصانعهم من تونس إلى المغرب نتيجة الاعتصامات المتكرّرة والإضراب عن العمل، فضلا عن تطاول العملة على أصحاب هذه المؤسسات المُشغّلة قصد الضغط عليهم لتسوية الوضعيات في وقت يكاد تكون فيه عجلة الاقتصاد بالبلاد واقفة عن الدوران. وقال المصدر نفسه انّ المساعي الحالية قائمة على تهدئة هؤلاء وجبر الخواطر بالطمأنة والتحاور معهم والإقناع بالعدول عن قراراتهم . جرد لعدد المؤسسات الاجنبية الراغبة في تغيير الوجهة وتقوم الجامعة حاليا وبالتعاون مع تفقديات الشغل بجرد عدد المؤسسات الأجنبية الرّاغبة في "الهجرة" خارج تونس والبحث عن وجهة أخرى مرْبحة والبحث عن طرق بديلة لجعل أصحابها يعدلون عن قراراتهم، وقد أكد انه وقع الى حد الآن تسريح قرابة 120 ألف عامل من المؤسسات الصناعية التي قلصت من عدد عمالها او التي أغلقت ابوابها نتيجة عدم قدرتها على مواصلة المشوار في ظل ما يحدث من تقطع في العمل وامتناع عن الانتاج وعدم التمكن من توفير طلبات الموردين الى غير ذلك من الامور . كما أكد التستوري في هذا السياق على أنّ اقتصاد البلاد في مأزق لا بدّ من الخروج منه بالتفهم والمَطالب الواعية والمتحضّرة، ذلك أنّ الإشكال الرئيسي الذي اندلعت لأجله ثورة الحرية والكرامة للشعب التونسي انطلق بشرارة رفض سياسة الإغراق في البطالة، وما يحدث حاليا هو العودة إلى الوراء بتضييع عديد الفرص الهامّة للتشغيل وهو وضع خطير وخطير جدا. ولعل القطرة التي أفاضت الكأس حسب الحبيب التستوري هي إضراب عمال الميناء وحادثة مصنع بجهة الوطن القبلي ..ذلك أن عددا من العمال في المصنع اقتحموا مكتب مديرهم الاوروبي الجنسية وأجبروه بالعنف على امضاء طلب بزيادات تقدر بنسبة 30 بالمائة في الرواتب ..وأمام خوفه من بطش هؤلاء وتجنبه للإمعان في التعنيف وافق على مطالبهم ووقع على الزيادات بالاكراه..ولكن من الغد حزم امتعته وأنهى أموره العالقة في تونس وأغلق هذا المصنع ورجع الى بلاده رافضا بذلك العمل بسياسة لي الذراع و"خدمني وأنا سيدك " وقد تسبب هذا الامر في إحالة عدد كبير على البطالة الاجبارية وهو ما زاد في حجم كارثة البطالة التي كان هدف الثورة الأساسي هو التقليل منها قدر المستطاع أو القضاء عليها أساسا والان وجدنا انفسنا امام تضخم في حجمها وازياد في عدد العاطلين عن العمل .. ما مسؤولية النقابات الاساسية؟ ومسألة اغلاق المؤسسات في تونس والتوجه نحو الاستثمار في بلدان اخرى أكثر امنا واكثر استقرارا واقل طلبات وتهافت على الزيادات لا تهم المستثمرين الاجانب فحسب وانما هناك عدد من المستثمرين التونسيين وحسب ما اكده لنا السيد الحبيب التستوري يرغبون في نقل نشاطهم الاقتصادي نحو بلدان اخرى على غرار المغرب ليتفادوا الخسارة والافلاس والتضرر من التكسير والنهب والتهديد ..وقد أشار التستوري إلى مسؤولية بعض النقابات الاساسية وبعدم التروي في الطلبات خاصة وان هناك مفاوضات اجتماعية على الابواب ومن الممكن والمعقول انتظار انعقادها للمطالبة بالزيادة في الاجور ..واضاف ان سياسة تحويل اهداف الثورة الى تجارة وسمسرة امر غير مقبول بالمرة وان المرحلة الحالية يجب تكريسها للنظر في امكانية النهوض بالبلاد وبالاقتصاد وفي الترفيع في عدد مواطن الشغل وليس في التقليص فيها وفي تعطيل عجلة الاقتصاد بالتحريض على الإضراب وعلى ايقاف العمل وتعطيل مصالح تونس مع البلدان الموردة لسلعنا..فما يحصل يجعل المستثمرين وخاصة الأجانب منهم يفقدون الثقة في تونس ويحولون نشاطهم الى بلدان اخرى ..وعوض ان نقلص من نسبة البطالة سنعمقها ونوسع في دائرتها.