اصبحت استحي من نفسي لما رأيت ما يحدث بتونس بلد الزيتونة ومولد العلامة ابن خلدون وموطن الأئمة ابن زياد وسحنون وابن عرفة وسالم بوحاجب والطاهر بن عاشور وابنه الفاضل وغيرهم من العلماء والأئمة الأفاضل، لقد أصبحنا نبيض السرقة والفساد والبلطجة والفجور جَهْرًا بهارا وفي وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمواقع الافتراضية ايضا، وذلك تفضيلا لمن بات متهما ومسجونا في قضايا حق عام استوجبت التحقيق معه والبت فيها كما تقتضيها الأصول. لكن الذي لم يعد مقبولا هو التنويه بمتهم من طرف القضاء وتفضيلية عمن اشتهر بالجد وبالاستقامة والنزاهة وبات في نظرهم من المتخلفين الذين لا يحق لهم تقلد اَي مسؤولية وخاصة اذا كانت رئاسة الجمهورية، لأنها في نظرهم تتطلب البلطجة والكذب والتحيل والشطارة. ذلك الذي بات واصبح يحيرني وقدرت انه لم يعد لي ولأمثالي ان نعيش في هذا الزمن ولم نعد ندرك انه تجاوزنا منذ سنين ونحن في غفلة. فأقول لهم وأجري على الله،ان هؤلاء لا تصح ولايتهم العامة شرعا، لان عليهم شبهة فساد كبيرة. لقد رأيت ليلة الجمعة الفائت على القناة الوطنية الأولى استضافة الاستاذ قيس سعيد الفائز بالمرتبة الاولى في انتخابات رئاسة الجمهورية المعلقة على الإعادة لدورة ثانية بدون خصمه المطلوب في قضية خطيرة استوجبت منعه من السفر وتجميد امواله وإصدار بطاقة ايداع بالسجن ضده تم تنفيذها وبات سجينا، وكان من المفترض ان لا يتقدم لتلك الخطة الكبيرة التي تستوجب كفاءة وشروطا، وحد ادنى من الثقة والاستقامة وحسن السلوك والسيرة، ولكن كل ذلك لم يعد له أهمية في نظر البعض من علية القوم الذين اصبحوا يناشدون القضاء جهرة لإطلاق سراحه، وذلك بنية قطع الطريق على المترشح الاخر لأنه كان مستقيما. وبكل اسف رأيت الهيئة العليا للانتخابات باتت تسعى لتبييض الفساد وتطلب من القضاء إطلاق سراح من تعلقت به تهم خطيرة تهم الحق العام ولم تكن لاسباب سياسية او إعلامية، ليتحقق التساوي. في حين انها بقيت تتفرج على قناة خاصة تعمل خارج القانون اختصت بالدعاية للمرشح الثاني. لقد بتنا نعيش في زمن اصبحت فيه الفضيلة والاستقامة من العيوب الكبيرة، بينما السرقة والبلطجة والخروج عن القانون مستحبة ومطلوبة. لقد بتنا نفضل الهروب للأمام ويترشح علينا لرئاسة الجمهورية أحد المتهمين الخارجين عن القانون وكان الامر بات عاديا؟. قالوا لنا وأعادوا القول بان ذلك المتهم بريء إلى ان تثبت ادانته…عملا بالفصل 27 من الدستور. فاقول لهم انه لم يكن وحده متهما في تلك القضايا المنشورة بل كان شقيقة غازي إيضا متهما في تلك الحالة، وقد ترشح كرئيس لقائمة في التشريعية، وفضل الاختفاء وعدم التعامل مع بطاقة الإيداع الصادرة ضده في نفس اليوم والقضية، ولم نسمع للمحتجين صوتا يطلب منه الظهور والاشتراك في الحملة الانتخابية التشريعية لتتساوى الفرص والحظوظ، ولكن ذلك لم يقلق هؤلاء الذين هم عن سوء نية، ولا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي باتت طرفا في التبييض. ولعلمكم فان القضاء في كل بلاد الدنيا لا يتوقف على عدم حضور اَي متهم وقع إعلامه واستدعائه للحضور قانونا لمجابهة التهمة وليستعمل حقه في الدفاع عن نفسه ان اراد. ولم يحضر، فان المحاكم لن تتوقف وتقضي غيابا او بالاعتبار، وتلك من المبادئ الاساسية للتقاضي التي نعرفها جميعا نحن رجال القانون الذين أصبحنا في هذه القضية سكوتا عن الحق المعلوم بالضرورة. تونس في 27 سبتمبر2019