أعلنت ألمانيا،مؤخرا ( الثلاثاء14 جانفي 2020) الدول المشاركة في المؤتمر الذي دعت له في برلين حول ليبيا، المقرر عقده يوم 19 جانفي الجاري. وجاء في بيان صادر عن الحكومة الألمانية أن الدعوة وججّهت إلى رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، وقائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، وممثلين عن الولاياتالمتحدة وروسيا وبريطانيا وتركيا ومصر والصين وإيطاليا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقالت الحكومة الألمانية في بيانها: "قررت المستشارة أنغيلا ميركل بالاتفاق مع الأمين العام للأمم المتحدة توجيه الدعوة للمشاركة في المؤتمر المعني بليبيا في برلين على مستوى رؤساء حكومات ودول". وستشارك الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والإمارات العربية المتحدةوتركيا والكونغو وإيطاليا ومصر والجزائر والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. وأضاف بيان الحكومة الألمانية: "بالإضافة إلى ذلك، فإن رئيس الوزراء فايز السراج والمشير خليفة حفتر وجهت لهما الدعوة أيضًا إلى برلين". ولكن.. على خلاف الجزائر،لم تحمل المكالمة الهاتفية التي أجرتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع الرئيس التونسي قيس سعيد،دعوة رسمية للمشاركة في مؤتمر برلين بشأن ليبيا،مما خلّف تساؤلات عن أسباب استبعاد تونس المعنية بشكل مباشر بأي تداعيات عسكرية في هذا البلد الجار. بالمقابل، أعلنت الرئاسة الجزائرية تلقي الرئيس المنتخب حديثا عبد المجيد تبون دعوة رسمية لحضور مؤتمر برلين، خلال اتصال هاتفي جمعه مع المستشارة الألمانية ميركل، رغم استبعاده سابقا من قائمة الحاضرين. وسبق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أكد خلال زيارته إلى تونس نهاية الشهر الماضي، أهمية إشراك تونسوالجزائر وقطر في مؤتمر برلين، الذي دعيت له بالتوازي مصر والإمارات. الدبلوماسي السابق أحمد ونيس لم يستبعد عرقلة دول عربية بعينها الحضور التونسي في برلين، بسبب عداء هذه الأنظمة الشديد للثورة الديمقراطية التونسية "التي باتت نموذجا ناجحا على خلاف باقي الثورات العربية،وسعي حكام هذه الأنظمة المتواصل لتحجيم دورها في العواصم الغربية خاصة"،حسب تعبيره. ولفت الدبلوماسي السابق إلى أهمية أن تبقى تونس على الموقف ذاته من جميع الأطراف الليبية المتقاتلة،وفرض الحل السياسي التفاوضي في تواصل لمبدأ الحياد الذي عرفته الدبلوماسية التونسية منذ عقود. وخلص إلى أن الحضور التركي في ليبيا قلب المعادلة السياسية والميدانية،وكان له الفضل في تحريك الساحة العالمية من خلال جلب انتباه القوى الكبرى للخطر المحدق في ليبيا. ويذهب المحلل السياسي والمدير السابق لمعهد الدراسات الإستراتيجية، طارق الكحلاوي، إلى القول إن انطلاق مسار مؤتمر برلين كان يستهدف أساسا القوى الأجنبية المتداخلة عسكريا في ليبيا،وهو ما قد يعطي تفسيرا لاستبعاد تونس، لافتا إلى التراجع السلبي للدبلوماسية التونسية والفتور في العلاقة بالجار الليبي. وعن دعوة الجزائر،شدد الكحلاوي في تصريح إعلامي على أن هذه الدولة استبعدت سابقا من حضور مؤتمر برلين، "لكن يبدو أن الضغوطات التي مارستها تركيا في سبيل تشريك هذا البلد قد آتت ثمارها"، حسب قوله. في السياق ذاته،يرى السفير التونسي السابق ببرلين والخبير الديبلوماسي،عبد الله العبيدي، إن "الفشل في التوصل إلى تشكيل حكومة والوضع الداخلي الضبابي لتونس،أسهم في تغييب الجانب التونسي عن حضور هذا المؤتمر". وأكد العبيدي أن "الدبلوماسية التونسية غير قادرة على اتخاذ موقف نهائي وواضح مما يجري في ليبيا،قبل تشكيل الحكومة وضبط برنامجها". واعتبر أن "تونس الآن سفينة بلا ربّان إلى حد الآن،ما عمّق الفشل في تثمين الموقع الجيوستراتيجي للبلاد". وكانت وجوه سياسية ونخب فكرية قد عبرت عن امتعاضها من تغييب تونس عن حضور مؤتمر برلين، في وقت تتأهب فيه القوات العسكرية والمستشفيات بالجنوب التونسي الواقعة على الحدود مع ليبيا لأي طارئ. وذهبت آراء بعضهم إلى القول إن تونس تعيش اليوم عزلة دبلوماسية خانقة لم تعشها طيلة عقود، في حين تساءل آخرون عن جدوى وجود تونس كعضو غير دائم بمجلس الأمن وبصفتها رئيسا لمجلس الجامعة العربية. ويهدف هذا المؤتمر الى إيجاد حلول للنزاع الليبي و إنهاء التدخل الخارجي في ليبيا، وسبق لفرنسا ان احتضنت مؤتمر باريس حول ليبيا،كما استضافت إيطاليا مؤتمر باليرمو لكن هذين المؤتمرين لم يضعا حدا للحرب الدائرة في ليبي. يشار إلى أن لقاء جمع بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي مؤخرا،جددا خلاله التأكيد على تمسك تونس بالشرعية الدولية في ليبيا،وعلى ضرورة إيجاد حل نابع من إرادة الشعب الليبي. على سبيل الخاتمة: العزلة الخارجية التي تعاني منها الدبلوماسية التونسية ليست وليدة اللحظة فكل الحكومات التونسية المتعاقبة بعد الثورة فشلت في هذا الموضوع حتى أيام المرحوم الباجي قائد السبسي الذي يعتبر عميد الدبلوماسية التونسية،وهذا يرجع بالأساس إلى أن العالم يتغيّر ونحن مازلنا نتعامل بهذه التغيرات بمنطق مدارس الدبلوماسية للستينات والسبعينات،فحتى شعار الدبلوماسية الإقتصادية فشلنا فيه على أرض الواقع.. في الإطار ذاته-وفي تقديري-هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق الطبقة السياسية وبخاصة الأحزاب،إذ لا يمكن أن تكون لدولة دبلوماسية فاعلة وقوية وبالتالي صوت مسموع،وهي تعيش صراع داخلي حول مفهوم الأمن القومي للبلاد وتقوم بنقل الصراع الداخلي واسقاطه على ملفات خطيرة كالصراع العسكري الدائر بليبيا،وهنا أشير إلى أنّ بعض الأحزاب متمترسة وراء محور المشير خليفة حفتر،وبعضها الآخر ينتصر لحكومة السرّاج..وفي خضم هذا التضارب يتم التغافل عن مصلحة تونس وأمنها القومي.. وأرجو أن أكون على خطإ جسيم..