عادت بي الذاكرة لهذه البيت من معلقة عمرو بن كلثوم التي اشتهرت في الجاهلية، وذلك لما قرأت ما تفضل به أحد اقطاب الاتحاد العام التونسي للشغل الذي سمح لنفسه بإعطاء مهلة للقضاء محذرا بالقيام بتحركات اجتماعية لو لم يطلق سراح بعض النقابيين الموقوفين اثر شكاية تقدم بها أحد المتضررين من أعضاء مجلس نواب الشعب الذي رغب حضور جلسة يدعي انها تهمه بصفته مسؤولا جهويا وبصفته النيابية. فأقول بأنه يحق لي الحديث عما جاء في ملف القضية لأنها باتت محصنة الى أن يصدر فيها حكم بات ونهائي. ولكن الذي أقلقني كثيرا هو تجرأ أحد المسؤولين الكبار في المكتب التنفيذي وتهديده للمحكمة المتعهدة بالنظر فيها إذا لم تطلق سراح الموقوفين من النقابيين قبل العيد فسوف تتحرك المكينة… قلت عندها، فهل نحن في دولة لها مؤسساتها الدستورية أم بتنا في خنقة من أدغال الامازون، أو عدنا للجاهلية لنقتدي بما قاله ذلك الشاعر في معلقته المشهورة، وقد أخترت لكم منها بيتا ينطبق على هذه القضية. وليعلم هذا القيادي المشهور بأنه بقوله ذلك أضر بالاتحاد أكثر مما أضر بالقضاء الذي سيبقى مستقلا ولا سلطان عليه إلا ما توفر في ملف القضية وما استقر في ضمير القاضي وليس لأحد التأثير عليه. ومن باب الفضول ازيده إن أراد أن يسمع وانا من أسرة القضاء، محام لأكثر من اربعين عاما وصلت لآخر درجة فيه. أفما كان على المنظمة النقابية إن أرادت أن تكون كذلك أن تتلافي الموضوع منذ انطلاق الخلاف وفتح تحقيق داخلي وعرض المتسببين في ذلك العنف الذي تم كشفه على وسائل الاعلام صوتا وصورة، على لجنة النظام لتأخذ الاجراءات التأديبية ضد من تسببوا فيه، وتقدم اعتذار المنظمة للمعتدى عليه تطييبا لخاطره كي يتنازل عن حقه المدني وذلك تخفيفا على من تثبت عليه الإدانة. ولكن الغرور والشعور بالقوة والنفوذ تؤدي حتما للخسارة المادية والمعنوية وتضع المنظمة كلها في عين العاصفة وتفقد مصداقيتها التي كوّنتها بفضل الرجال الذين ضحوا بأرواحهم وحرياتهم عبر السنين. تونس في 16 ماي 2020