أصوات نساء تدين جريمة قتل سيدة في بوسالم و تحذر من تزايد جرائم قتل النساء في تونس    إيلون ماسك يعلن عن تأسيس "حزب أمريكا"    جيش الإحتلال يعترف بنقص حاد في عدد جنوده    هل يكون عام 2025 هو عام زوال غوغل؟    المنتخب التونسي يواجه جمهورية إفريقيا الوسطى : الوقت و المكان    "الفيفا" تعتمد الذكاء الاصطناعي في كأس العالم للأندية2025    بعد العيد، فرصة ثقافية للعائلة: الوجهة المتاحف!    عاجل : يوم القر 2025 ينطلق رسميًا وتوصيات بعدم تجاهله    طقس اليوم الثاني من العيد : هكذا ستكون الحرارة    بلدية تونس: تنفيذ سلسلة من التدخلات الميدانية في مجال النظافة يوم عيد الاضحى    طقس اليوم: الحرارة تصل الى 41 درجة مع ظهور الشهيلي    ماذا يجري بين ترامب وماسك؟    سينر يهزم ديوكوفيتش ويتأهل للمرة الأولى إلى نهائي فرنسا المفتوحة للتنس    موارد مائية: ضرورة مواجهة الاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية بمرناق    جيتاس يشارك بالصالون الدولي للطيران والفضاء بباريس من 16 إلى 22 جوان 2025    تسجيل 187 انقطاعا للمياه في ماي 2025..    هام/ النقل التلفزي لودية المنتخب التونسي ضد نظيره المغربي..    دولة واحدة فقط في العالم قادرة على إطعام سكانها دون الحاجة إلى الاستيراد.. فما هي؟    ليبيا: اشتباكات دامية في صبراتة أول أيام عيد الأضحى تُخلّف قتلى وجرحى وتعيد مشهد الفوضى إلى الواجهة    جيش الإحتلال يعلن رسميا مقتل 4 جنود وإصابة 5 آخرين بهجوم خانيوس جنوب قطاع غزة    دراسة تحذّر من استعمال الشاشات قبل النوم    مبادرة أوروبية لتنظيم استخدام القاصرين لوسائل التواصل الاجتماعي    السعودية.. تفاصيل جديدة في مقتل الأستاذ الجامعي    ''قطّوسك'' اختفى والا لا؟ علاش القطط تغيب في نهار العيد؟    تكلفة الحج 2025 في العالم العربي: أرقام وصدمات لا تتوقعها!    تجريد جولييف من ميداليتها في أولمبياد 2012 بعد رفض محكمة التحكيم استئنافها    امتلأت بهم جنبات المسجد الحرام.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    ''السيتروناد واللحم المشوي'': مزيج تقليدي بنكهة صحية في عيد الأضحى    نصائح بسيطة لتفادي مشاكل الهضم في عيد الأضحى    دي لا فوينتي: جمال قدم أوراق اعتماده للفوز بالكرة الذهبية أمام فرنسا    كيف تحافظ على جلد الأضحية في الطقس الحار قبل وصول البلدية؟    هل لاحظت''رعشة لحم العلوش'' بعد النحر؟ إليك التفسير العلمي والديني لهذه الظاهرة    ارتفاع في درجات الحرارة وخلايا رعدية محلية في الجنوب    من القلاية للكسكسي: أطباق ما تخرج كان في عيد الكبير!    عاجل: موعد مباراة المغرب ضد تونس والقنوات الناقلة للبث الحي والمباشر    التمديد في نشر فيلق مشاة خفيف وسرية تدخل سريع تونسيين تحت راية الأمم المتحدة في إفريقيا الوسطى    الحجاج يرمون الجمرات في أول أيام عيد الأضحى    جمرة العقبة تُرمى فجر العيد... والحجاج يشرعون في النحر والطواف    ماذا بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة الكبرى؟    هل نحمي صغارنا من مشهد الذبح... أم نعلّمه معنى القربان؟    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    الأردن وأوزبكستان يحققان إنجازاً تاريخياً بالتأهل إلى كأس العالم 2026    محرز الغنوشي: ''تذبح العلوش ثم البحر ينادي''    عيدكم مبروك...    فريق قسم جراحة الجهاز الهضمي "أ" بمستشفى الرابطة ينجز تقنية متقدمة لعلاج سرطانات البطن    صابة الحبوب: تجميع 992.776 ألف قنطار إلى غاية 4 جوان 2025    العاصمة الإيطالية روما تحتضن معرض "مانيا ماتر من روما إلى زاما"    الأوركسترا السمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى في يومها العالمي 21 جوان    القيروان: وفاة شخصين وإصابة 20 آخرين في حادث انزلاق شاحنة خفيفة بحاجب العيون    المنظمة الفلاحية تدعو إلى تعديل سعر قبول البطاطا الفصلية ب1350 مي/ كغ كحدّ أدنى    عاجل/ فاجعة تهزّ بوسالم: يقتل طليقته حرقا أمام أعين الناس!!    نجوم الراي في حلقة استثنائية من برنامج "أنا والمدام" على قناة تونسنا    وزير الفلاحة يفتتح موسم الحصاد بزغوان    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    نحو رقمنة شاملة للقطاع السياحي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الكاتب حسونة المصباحي    المُثَلَّثُ الشُّجَاعُ والمُسْتَطِيلُ اُلذَّكِيُ    طليقة احمد السقا تخرج عن صمتها لأول مرة    









هادي دانيال يكتب لكم: نفاق السياسة الفرنسيّة إزاء الأزمة الليبيّة
نشر في الصريح يوم 25 - 07 - 2020

كما سَبَقَ لفرنسا في عهد الرئيس ميتران أن انساقت خلف السياسة الأمريكيّة في العراق على خلفيّة دخول الجيش العراقي الكويت فانقلبت باريس على نفسها وغامرت بمصالحها في بلاد ما بين النهرين لدرجة أنها قدّمت للإدارة الأمريكيّة جميع أسرار المشاركة الفرنسيّة في بناء صناعة عسكرية ومدنية متقدمة تقنيا بما في ذلك أسرار بناء الملاجئ النووية وبينها ملجأ العامرية الذي سيبقى تدميره على رؤوس الأطفال والنساء وصمة عار في تاريخ الغرب المعاصر، فقد انساقت وراء السياسة الأمريكية ذاتها عندما لعبت دوراً محوريا في الانقلاب الفوضوي التدميري الذي قاده حلف الناتو على نظام العقيد معمر القذافي في فيفري 2011 بعهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي يُعَدُّ عَرَّاب التدخل العسكري في ليبيا رغم ارتباطه سابقا بعلاقات صداقة قوية مع القذافي، لدرجة انتشار الحديث عن تمويل القذافي لحملة ساركوزي الانتخابية ، وبذلك تميط باريس القناع تلو القناع عن حقيقة أنّها دولة وظيفية مُجَرّدة مِن مبادئ الثورة الفرنسية الموؤودة وغير عابئة بالقيم الأخلاقية والديمقراطيّة وحقوق الإنسان هذه الحقيقة التي أكدتها أيضاً في التعاطي مع الأزمة السورية بعد أشهر مِن تدشين علاقات سورية-فرنسية متميّزة بزيارة قام بها الرئيس بشار الأسد إلى فرنسا بدعوة من ساركوزي حيث أجهضت باريس مخرجات هذه الزيارة بالتذيُّل لواشنطن في التآمُر على دمشق ولا حقاً في تبَنّي الموقف القطري تارة والموقف السعودي تارة مستثمرة الدم السوري في مزاد علني.
وهي اليوم عندما تواصل تدخُّلها في الأزمة الليبية فإنّ آخرَ همّها مصالح الشعب الليبي ووحدته ووحدة أراضيه ،وحين "تدعم حفتر في السر والسرّاج في العلن" كما عبّرَ البعض فسبب ذلك حرصها على أن يكون لها حصّة في ثروات هذا البلد الغنيّ بالنفط ، كما أنها تسعى إلى أن تبقى على صلةٍ مع الطرفين المحليين المتحاربين لتميلَ في النهاية إلى مَن تُسيطر قواته على الجنوب الليبي .
فإضافة إلى أن باريس التي لا تزال بصدد اكتشاف ليبيا في صراع مع روما ذات المعرفة الدقيقة بمستعمرتها السابقة على المعادن والنفط ، هذا الصراع الذي مِن وجوهه البارزة تلك المنافسة الشرسة بين شركتي النفط والغاز : توتال الفرنسيّة وإيني الإيطاليّة، فإنّ فرنسا تتشبّث بوجود عسكري واقتصادي وسياسي لها في ليبيا لما للجغرافيا الليبية مِن أهميّة في محافظة فرنسا على مصالحها في القارّة الأفريقيّة ، وهذا ما يفسر إقدام الرئيس ماكرون على وضع ملف حساس كالملف الليبي في قبضة وزير الخارجية جون إيف لوبريان الذي يُلقب في فرنسا بتاجر السلاح الداعي إلى "عسكرة المقاربة الفرنسية والأوروبية في الملفات الخارجية"، خاصّة في ظلّ تحرّكات أفريقيّة للاستقلال عن النفوذ الفرنسي نذكر منها تمثيلا لا حصراَ أنّ "ثمانيَ دول مِن غرب إفريقيا تسعى إلى اعتماد عملة جديدة بديلة عن العملة الاستعمارية (كاف فرانك) تحت اسم إيكو (eco)، وهذه الدول هي ساحل العاج، مالي، بوركينا فاسو، بنين، النيجر، توجو، غينيا بيساو، التي لم تعد تحتفظ بنصف احتياطاتها في البنوك الفرنسية كما كان الأمر".
إذن عَيْنُ باريس على الجغرافيا السياسية الليبية، فالمنطقة الشرقية في ليبيا تمتد داخليا نحو الجنوب الليبي، لذا من يسيطر عليها يسيطر على الجنوب ، وهذا يدعونا إلى تنشيط الذاكرة قصيرة المدى لنؤشِّرَ على أنّ:
1-فرنسا الحاضرة بقوّة في النيجر من أجل اليورانيوم( حيث تولِّد 75٪ من الكهرباء من الطاقة النووية، وتستورد 25٪ من احتياجاتها من اليورانيوم من النيجر)، سَبَقَ وأن نَشَبَ صراعٌ بينها وبين نظام القذافي حول اليورانيوم في قطاع "أوزو" على الحدود الليبية - التشادية. لأنّ فرنسا تريد قطاع "أوزو" من أجل اليورانيوم الذي تستخدمه في توليد الكهرباء عبر الطاقة النووية، وحاول القذافي عام 1976 الاستيلاء على قطاع أوزو، وكان من قيادات المعركة خليفة حفتر الذي أُسِرَ في تلك المعارك، وتمكّنت "تشاد" السيطرة على قطاع "أوزو" بمؤازرة فرنسية عام 1987.وباريس الآن مستعدة لدعم الجنرال حفتر إذا ضمنَ لها سيطرتها على مصالحها في المنطقة بما في ذلك قطاع "أوزو"، كما أنّها مستعدة للانقلاب 180درجة ودعم الطرف المقابل إذا سيطرت ميليشيات السرّاج بمؤازرة تركيا على تلك المنطقة الجنوبية.
2-تحالف العقيد القذافي المُعْلَن مع بوتين وبرلسكوني كان مزعجا لفرنسا خاصة بعد الاتفاق الروسي -الإيطالي على مدِّ أنابيب غاز لأوروبا مِن روسيا عبْر بحر البلطيق (نورد ستريم)، بالتعاون مع شركة أيني الإيطالية، لكن حرب الناتو على ليبيا واغتيال القذافي وإسقاط نظامه وتدمير الدولة الليبية أعطت لفرنسا القدرة على منافسة إيطاليا وألغي المشروع وتحصلت عليه فرنسا. فالغاز دافع من دوافع فرنسا ليس فقط بسبب وجود خط أنابيب الساحل والصحراء الذي يمتد من النيجر إلى نيجيريا ومنها إلى الجزائر فأوروبا، بل للتماهي مع السياسة الأمريكيّة الرامية إلى الاستغناء عن الغاز الروسي المصدر الأساسي لحصول موسكو على العملة الصعبة ، وبالتالي فإنَّ افتقاده سيوجّه ضربة قاسية إلى الاقتصاد الروسي والصناعة العسكرية الروسية مما يُضعف الخصم والمنافس الكبير للولايات المتحدة عبر العالم عسكريا وسياسيا إلى جانب الصين الخصم والمنافس الاقتصادي الأعظم.
ولذلك فإنّ نهج النفاق الذي تعتمده فرنسا في ليبيا يجعلها حريصة على عدم الاستقرار في ليبيا طالما موازين القوى الدولية لا تميل إلى تحقيق هدفها في إقامة حزام الساحل - الصحراء (bande saharo-sahelienne) كخط مواجهة للدفاع عن المصالح الفرنسية ، وهي في ذلك تتفق مع السياسة الأمريكية الرامية إلى إبقاء حالة الفوضى قائمة في ليبيا
إلى أن يضعف أو يتلاشى الوجودان الروسي والصيني في ليبيا وأفريقيا.
وهكذا فإن "فرنسا بدل أن تزيد من نفوذها في إفريقيا عبر دعمها للحل السياسي في ليبيا عززت صورة المستعمر الذي لا يبالي بالمستقبل مادام بإمكانه أن يمسك بتلابيب الحاضر" ، وهذا الموقف الفرنسي إلى جانب الموقف الأمريكي المماثل يشجع تركيا على أن تستثمر في الفوضى لتغذية العنف في ليبيا وشمال أفريقيا بحثا عن مناخ يساعدها في تنفيذ أجندتها العثمانية مستخدمة لتحقيق ذلك أدواتها من ميليشيات الإسلام السياسي الإخوانية والداعشية. هذا المعطى الذي لم تقدّر باريس بعد خطره على أمن فرنسا وأمن أوربا بأسرها ناهيك عن خطره على القارة الأفريقية بعامة وعلى شمالها بخاصّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.