بيع دراجة بابا الفاتيكان في مزاد علني    الولايات المتحدة.. موجة احتجاجات جديدة مناهضة لإدارة ترامب    مصر.. القبض على "جاسوس النظارة بكاميرا سرية" في بنك شهير    علامات تنذرك بانخفاض شديد لمستويات الحديد بالجسم    كأس الاتحاد الافريقي: هزيمة الملعب التونسي أمام أولمبيك أسفي المغربي 0 - 2    العميد حسام الجبالي: قوات الحرس الوطني أمنت 100 الف طن من المواد الخطرة في مقر المجمع الكيميائي    المحرس.. تلاميذ البكالوريا بمعهد علي بورقيبة دون أستاذ في مادة رئيسية    عاجل: تونس والجزائر وليبيا تحت تأثير موجة جوية عنيفة: استعداد لمواجهة الأمطار والسيول    نفس الوجوه تجتر نفسها .. هل عقرت القنوات التلفزية عن إنجاب المنشطين؟    عاجل: الإعدام و68 سنة سجناً لعناصر إرهابية تورطت في هجوم بولعابة بالقصرين    صفاقس تستقبل موسم الزيتون ب515 ألف طن .. صابة قياسية.. وتأمين المحصول ب «الدرون»    نابل تختتم الدورة 11 لمهرجان الهريسة .. نكهة وتراث    بعد العثور على جثة خلف مستشفى المنجي سليم ..أسرار جريمة مقتل شاب في المرسى    كتائب القسام: سنسلم جثتين لأسيرين من أسرى الاحتلال تم استخراجها اليوم    عاجل/ الاحتلال يواصل خرق اتفاق وقف اطلاق النار ويغلق معبر رفح..    عاجل/ انزلاق حافلة تقل معتمرين..وهذه حصيلة الجرحى..    منوبة: انتفاع 426 تلميذا وتلميذة في دوار هيشر والبطان بخدمات قافلة لتقصّي ضعف البصر ومشاكل الأسنان    البطولة العربيه للكرة الطائرة الشاطئية (رجال): المنتخب التونسي يكتفي بالميدالية الفضية بخسارته في النهائي امام نظيره العماني    معرض لمنتوجات الكاكي بنفزة في إطار الدورة الحادية عشرة لمهرجان "الكريمة"    عاجل: بتكليف من قيس سعيّد...لقاء تونسي -صيني لإنهاء تلوّث المجمع الكيميائي بقابس!    صفاقس: المسرح البلدي يحتضن سهرة طربية نسائية دعما للعمل التطوعي    تأهيل وحدات إنتاج المجمّع الكيميائي بشاطئ السّلام بقابس محور لقاء وزير التجهيز بسفير الصين بتونس    عاجل: إعلامية عربية تتعرض لحادث سير مروع في أمريكا    زغوان: إحداث 5 مناطق بيولوجية في زراعات ضمن مشروع التنمية والنهوض بالمنظومات الفلاحية    مسرحية "جرس" لعاصم بالتوهامي تقرع نواقيس خطر انهيار الإنسانية    ارتفاع مرتقب للاستثمار في الصناعات الكيميائية والغذائية في السداسي الثاني من 2025    عاجل : ترامب يشعل حرباً تجارية جديدة بفرض رسوم ضخمة على الشاحنات والحافلات    قطيعة منتظرة بين الإتحاد المنستيري ومنتصر الوحيشي    كأس السوبر الإفريقي - نهضة بركان على أتم الاستعداد لتحقيق اللقب (المدرب معين الشعباني)    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة الإثنين للحوار مع الحكومة حول "الأوضاع بجهة قابس"    بعد أن شاهد فيلم رُعب: طفل يقتل صديقه بطريقة صادمة!!    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    معهد الرصد الجوي للتوانسة : برشا مطر اليوم و غدوة..!    إمرأة من بين 5 نساء في تونس تُعاني من هذا المرض.. #خبر_عاجل    عاجل: تونس على موعد مع الشيخوخة... 20% من السكان مسنّين بحلول 2029!    البرتغال تمنع النقاب في الأماكن العامّة    عاجل/ وزير الإقتصاد يُشارك في اجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد.. ويجري هذه اللقاءات    عاجل/ فلّاحو هذه الجهة يطالبون بتعويضات..    مشروع قانون المالية 2026: رضا الشكندالي يحذّر من "شرخ خطير" بين الأهداف والسياسات ويعتبر لجوء الدولة للبنك المركزي "مغامرة مالية"    امكانية إضطراب على مواعيد سفرات اللود بين صفاقس وقرقنة بسبب سوء الاحوال الجوية    إصدارات: كتاب في تاريخ جهة تطاوين    رئيس الجمهورية: نعمل على إيجاد حلول عاجلة وشاملة للتلوّث في قابس    بطولة كرة السلة: برنامج مباريات الجولة الأولى إيابا    أبطال إفريقيا: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة رحيمو البوركيني    انتاج الكهرباء يرتفع الى موفى اوت المنقضي بنسبة 4 بالمائة    عاجل/ الوضع البيئي والاحتجاجات في قابس: هذا ما طرحه رئيس الدولة..    اليوم: الامطار متواصلة مع انخفاض درجات الحرارة    "أمك من فعلت".. رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال صحفي    عاجل/ الجزائر: حالتا وفاة بهذه البكتيريا الخطيرة    انتخاب التونسي رياض قويدر نائبا أوّل لرئيس الاتحاد العالمي لطبّ الأعصاب    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    ماتش نار اليوم: الاتحاد المنستيري في مواجهة شبيبة القبائل الجزائري..التشكيلة والقناة الناقلة    عاجل: شوف المنتخب التونسي في المرتبة قداش؟    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    5 عادات تجعل العزل الذاتي مفيدًا لصحتك    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هادي دانيال يكتب لكم: نفاق السياسة الفرنسيّة إزاء الأزمة الليبيّة
نشر في الصريح يوم 25 - 07 - 2020

كما سَبَقَ لفرنسا في عهد الرئيس ميتران أن انساقت خلف السياسة الأمريكيّة في العراق على خلفيّة دخول الجيش العراقي الكويت فانقلبت باريس على نفسها وغامرت بمصالحها في بلاد ما بين النهرين لدرجة أنها قدّمت للإدارة الأمريكيّة جميع أسرار المشاركة الفرنسيّة في بناء صناعة عسكرية ومدنية متقدمة تقنيا بما في ذلك أسرار بناء الملاجئ النووية وبينها ملجأ العامرية الذي سيبقى تدميره على رؤوس الأطفال والنساء وصمة عار في تاريخ الغرب المعاصر، فقد انساقت وراء السياسة الأمريكية ذاتها عندما لعبت دوراً محوريا في الانقلاب الفوضوي التدميري الذي قاده حلف الناتو على نظام العقيد معمر القذافي في فيفري 2011 بعهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي يُعَدُّ عَرَّاب التدخل العسكري في ليبيا رغم ارتباطه سابقا بعلاقات صداقة قوية مع القذافي، لدرجة انتشار الحديث عن تمويل القذافي لحملة ساركوزي الانتخابية ، وبذلك تميط باريس القناع تلو القناع عن حقيقة أنّها دولة وظيفية مُجَرّدة مِن مبادئ الثورة الفرنسية الموؤودة وغير عابئة بالقيم الأخلاقية والديمقراطيّة وحقوق الإنسان هذه الحقيقة التي أكدتها أيضاً في التعاطي مع الأزمة السورية بعد أشهر مِن تدشين علاقات سورية-فرنسية متميّزة بزيارة قام بها الرئيس بشار الأسد إلى فرنسا بدعوة من ساركوزي حيث أجهضت باريس مخرجات هذه الزيارة بالتذيُّل لواشنطن في التآمُر على دمشق ولا حقاً في تبَنّي الموقف القطري تارة والموقف السعودي تارة مستثمرة الدم السوري في مزاد علني.
وهي اليوم عندما تواصل تدخُّلها في الأزمة الليبية فإنّ آخرَ همّها مصالح الشعب الليبي ووحدته ووحدة أراضيه ،وحين "تدعم حفتر في السر والسرّاج في العلن" كما عبّرَ البعض فسبب ذلك حرصها على أن يكون لها حصّة في ثروات هذا البلد الغنيّ بالنفط ، كما أنها تسعى إلى أن تبقى على صلةٍ مع الطرفين المحليين المتحاربين لتميلَ في النهاية إلى مَن تُسيطر قواته على الجنوب الليبي .
فإضافة إلى أن باريس التي لا تزال بصدد اكتشاف ليبيا في صراع مع روما ذات المعرفة الدقيقة بمستعمرتها السابقة على المعادن والنفط ، هذا الصراع الذي مِن وجوهه البارزة تلك المنافسة الشرسة بين شركتي النفط والغاز : توتال الفرنسيّة وإيني الإيطاليّة، فإنّ فرنسا تتشبّث بوجود عسكري واقتصادي وسياسي لها في ليبيا لما للجغرافيا الليبية مِن أهميّة في محافظة فرنسا على مصالحها في القارّة الأفريقيّة ، وهذا ما يفسر إقدام الرئيس ماكرون على وضع ملف حساس كالملف الليبي في قبضة وزير الخارجية جون إيف لوبريان الذي يُلقب في فرنسا بتاجر السلاح الداعي إلى "عسكرة المقاربة الفرنسية والأوروبية في الملفات الخارجية"، خاصّة في ظلّ تحرّكات أفريقيّة للاستقلال عن النفوذ الفرنسي نذكر منها تمثيلا لا حصراَ أنّ "ثمانيَ دول مِن غرب إفريقيا تسعى إلى اعتماد عملة جديدة بديلة عن العملة الاستعمارية (كاف فرانك) تحت اسم إيكو (eco)، وهذه الدول هي ساحل العاج، مالي، بوركينا فاسو، بنين، النيجر، توجو، غينيا بيساو، التي لم تعد تحتفظ بنصف احتياطاتها في البنوك الفرنسية كما كان الأمر".
إذن عَيْنُ باريس على الجغرافيا السياسية الليبية، فالمنطقة الشرقية في ليبيا تمتد داخليا نحو الجنوب الليبي، لذا من يسيطر عليها يسيطر على الجنوب ، وهذا يدعونا إلى تنشيط الذاكرة قصيرة المدى لنؤشِّرَ على أنّ:
1-فرنسا الحاضرة بقوّة في النيجر من أجل اليورانيوم( حيث تولِّد 75٪ من الكهرباء من الطاقة النووية، وتستورد 25٪ من احتياجاتها من اليورانيوم من النيجر)، سَبَقَ وأن نَشَبَ صراعٌ بينها وبين نظام القذافي حول اليورانيوم في قطاع "أوزو" على الحدود الليبية - التشادية. لأنّ فرنسا تريد قطاع "أوزو" من أجل اليورانيوم الذي تستخدمه في توليد الكهرباء عبر الطاقة النووية، وحاول القذافي عام 1976 الاستيلاء على قطاع أوزو، وكان من قيادات المعركة خليفة حفتر الذي أُسِرَ في تلك المعارك، وتمكّنت "تشاد" السيطرة على قطاع "أوزو" بمؤازرة فرنسية عام 1987.وباريس الآن مستعدة لدعم الجنرال حفتر إذا ضمنَ لها سيطرتها على مصالحها في المنطقة بما في ذلك قطاع "أوزو"، كما أنّها مستعدة للانقلاب 180درجة ودعم الطرف المقابل إذا سيطرت ميليشيات السرّاج بمؤازرة تركيا على تلك المنطقة الجنوبية.
2-تحالف العقيد القذافي المُعْلَن مع بوتين وبرلسكوني كان مزعجا لفرنسا خاصة بعد الاتفاق الروسي -الإيطالي على مدِّ أنابيب غاز لأوروبا مِن روسيا عبْر بحر البلطيق (نورد ستريم)، بالتعاون مع شركة أيني الإيطالية، لكن حرب الناتو على ليبيا واغتيال القذافي وإسقاط نظامه وتدمير الدولة الليبية أعطت لفرنسا القدرة على منافسة إيطاليا وألغي المشروع وتحصلت عليه فرنسا. فالغاز دافع من دوافع فرنسا ليس فقط بسبب وجود خط أنابيب الساحل والصحراء الذي يمتد من النيجر إلى نيجيريا ومنها إلى الجزائر فأوروبا، بل للتماهي مع السياسة الأمريكيّة الرامية إلى الاستغناء عن الغاز الروسي المصدر الأساسي لحصول موسكو على العملة الصعبة ، وبالتالي فإنَّ افتقاده سيوجّه ضربة قاسية إلى الاقتصاد الروسي والصناعة العسكرية الروسية مما يُضعف الخصم والمنافس الكبير للولايات المتحدة عبر العالم عسكريا وسياسيا إلى جانب الصين الخصم والمنافس الاقتصادي الأعظم.
ولذلك فإنّ نهج النفاق الذي تعتمده فرنسا في ليبيا يجعلها حريصة على عدم الاستقرار في ليبيا طالما موازين القوى الدولية لا تميل إلى تحقيق هدفها في إقامة حزام الساحل - الصحراء (bande saharo-sahelienne) كخط مواجهة للدفاع عن المصالح الفرنسية ، وهي في ذلك تتفق مع السياسة الأمريكية الرامية إلى إبقاء حالة الفوضى قائمة في ليبيا
إلى أن يضعف أو يتلاشى الوجودان الروسي والصيني في ليبيا وأفريقيا.
وهكذا فإن "فرنسا بدل أن تزيد من نفوذها في إفريقيا عبر دعمها للحل السياسي في ليبيا عززت صورة المستعمر الذي لا يبالي بالمستقبل مادام بإمكانه أن يمسك بتلابيب الحاضر" ، وهذا الموقف الفرنسي إلى جانب الموقف الأمريكي المماثل يشجع تركيا على أن تستثمر في الفوضى لتغذية العنف في ليبيا وشمال أفريقيا بحثا عن مناخ يساعدها في تنفيذ أجندتها العثمانية مستخدمة لتحقيق ذلك أدواتها من ميليشيات الإسلام السياسي الإخوانية والداعشية. هذا المعطى الذي لم تقدّر باريس بعد خطره على أمن فرنسا وأمن أوربا بأسرها ناهيك عن خطره على القارة الأفريقية بعامة وعلى شمالها بخاصّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.