يكون من الأفضل ان تقلع السيّدة المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمتجددة وتتخلي عن الوباء، وعن التحرّكات الشعوبيّة المتناقضة، وما علينا الا العودة الى تصريحاتها منذ حلول الوباء، ويجب ابتعاد اهل المهنة عن اضواء وسائل الإعلام وضجيجها، للتفرّغ بكل جدية، لمتابعة اخبار الوباء، واستنتاج ما يتماشى مع امكانياتنا، التي لا تغني ولا تشبع من جوع، و لم تعد اليوم حربا تشن على الجائحة، بل على القلق والكآبة والضغوط النفسانية لما هي عليه بلادنا، ولا يمكن محاربة كل ذلك بالاستبداد بالراي، والهروب من الحقيقة، والعيش في الكذب، بل الاعتراف بالفشل، واستنتاج الدروس، والعمل غلى تهيأة المواطن، وتعبئة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين للمشاركة في الذود عن البلاد، وقد نجحت بلادنا نوعا ما في ادارة الأزمات الأمنية، بفضل مؤسستي الأمن والجيش الرائدتين في هذا المجال، اما الأزمات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي تبقى مهملة، رهينة اللغة الرسمية، يتداولها الوزراء ومن حولهم في دائرة الحكم، وتكاد تلخص كما يقال ب"كل شيء على احسن ما يرام سيدتي المركيزة"، وقيل لنا ان من ناله شرف الحكم هم من خيرة الكفاءات، وقد تردد ذلك طوال عشرات السنين الماضية، وخاصة بعد الثورة، ولم نطلع على قوة ادراكهم، ولا حسن ادارتهم في الشؤون العامة، انتحلوا الزعامة بدون رصيد، ولم تجن منهم البلاد الا الاحقاد، والدسائس، واصبح لديهم "الفايس بوك" عقيدة، والنميمة وسيلة، والغنيمة خيار، ولا احد من مئات الوزراء برمج واعد مخططا يأتي على نقصان الامكانيات، ويبني صور المستقبل على الموجود، ويبعث في ميدانه على العمل المثمر، ونتحداهم ان يواجهوا الشعب، لبيان ما قدموه، لانهم دعاة للإشاعات والاتهامات، لإخفاء الحقائق التي تطالب بها الثورة، وضحى من اجلها شهداء عند ربهم يرزقون أمام ضرورة ملحة لبعث وتفعيل استراتيجية وطنية واضحة، وطويلة المدى، لإدارة واستيعاب الأزمات بأنواعها، من البديهي ان نتساءل، أين يتموقع هؤلاء الذين كانوا في الحكم، او مازالوا متمسكين بمقوده، في الظاهر او في الخفاء، وما كانت برمجتهم، وهم اليوم في حالة خصام تداوله صحافة البز؟ اين مثلا معهد الدراسات الاستراتيجية، وهو تحت تصرف رئاسة الجمهورية، مهامه البحث والتدقيق عن طرق النهوض بالأمة؟ وكذلك ما هي المؤسسات الاعلامية التي تطرح الأسئلة الملحة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية و الصحية وحتى الديبلوماسية؟ بقي هذا المجال حكرا على وزارات الاختصاص، وافراد يدعون المعرفة، وما دور وزارة الصحة لأكبر دليل على الادعاء بانها قضت على الفيروس، وان تجربتها يمكن الاستفادة منها، وحتى نقلها الى بلدان اخرى، فطالت الاصوات بالاستحسان، ورافقتهم في غلطهم المنظمة العالمية للصحة، وقد نبهنا في الوقت المناسب من هذا الغرور، الغير مركز على الادلة العلمية، لجان جهوية مختصة في مجابهة الكوارث بعثت في كل الولايات، تنقصها الخبرة والخبراء في وباء "الكوفيد »، وتتعالى فيها اصوات تدعي الخبرة، وهو مرض جديد لا يعرف له دواء، وتصرف اموال مهولة من الدول الغنية للتعرف على كيفية معالجته، ومن البديهي اعادة السؤال الذي يبقى مطروحا: هل الشخصية المناسبة توجد في المكان المناسب لتأدية دورها في انقاذ البلاد؟ هل اعتنت الدولة ببعث جهاز خاص يقود الازمة؟ ولما لا، الوزير الاول بنفسه في الواجهة؟ لان خطورة الوضع وقد اصبح الذعر بسبب الكارثة اكثر من الفيروس (الصريح 21 ماي 2020 ) تحتم ذلك، ولو ننظر الى الوضعية الاقتصادية كما ينشره المعهد الوطني للإحصاء في دراساته، يتبين لنا منذ انتشار الفيروس، التهافت على الاستهلاك، وشراء المواد الغذائية، بطريقة مذهلة، وهو دليل على الخوف من الجائحة وتأثيرها السلبي على الحاضر و المستقبل، وكذلك نوع من الهروب من المجهول، ونتيجة ذلك ارتفاع مشط للأسعار، وفرصة لظاهرة التهريب والاحتكار، ينموا فيها ويزدهر الاقتصاد الموازي ومن ناحية اخرى، ان الصور والفيديوهات التي تناولتها "فايس بوك" فاجأتنا، اذ تبين لنا حقيقة مخفاة، وهي معاناة مرضى مستشفى الرابطة، والحالة الكارثية التي هم عليها، وكل المستشفيات البلاد تشكوا نفس الوضع: الاكتظاظ، و قلة التجهيزات، وقلة العناية، لفقدانها الكافي للاطار الطبي والشبه الطبي، وطاقة الاستيعاب المحدودة، وغير ذلك من الاحتياجات الضرورية، فهذه الوضعية المزرية، نتيجة عدم الكفاءة لمن تحملوا مسؤولية الوزارة، في تصور المستقبل، طيلة السنوات الاخيرة، تبعث الحزن والكآبة في النفوس، وتدمر الامل في عدم قدرة من يسوس البلاد التي هي على قاب قوسين من الافلاس، ولا نعتقد مثلا ان اللجوء الى الجهات هو الحل الافضل لمتابعة الوباء، بل وجب بعث جهاز علمي مختص من خيرة الاخصاء، ولو يقع جلبهم من خارج المستشفى للضرورة ولنداء الواجب، تكون لجنة متابعة واقتراح تطمئن الراي العام بما وصلت اليه البحوث في العالم، و هم جديرون بإرجاع الثقة، و قد خاب ظن الاغلبية، و كثرت شكوكها حتى في صرف الاموال التي جمعت للنهوض بالقطاع الصحي، في صندوق 1818، والسؤال يبقى مطروح اين مصيرها؟ علينا الاقتداء بما يجري حولنا، رئيس الجمهورية في فرنسا ووزيره الاول على المحك في الواجهة: أزمة صحية ، وأزمة اقتصادية، في آن واحد، و تداين لحماية مواطن الشغل بدون انقطاع، لتخفيف وطأة الاجراءات المتخذة عن روية و بإتقان، حتى ولو ادى برئيس الجمهورية بعث لجنة علمية، في 25 جوان 2020، يراسها استاذ جامعي من سويسرا ديدي بيتت Didier Pittet، وهو عالم في الاوبئة من مخترعي "مادة الهلام المائي gel hydro alcoolique) )" يساعده اربع خبراء ذائع سيتهم (رئيس الغرفة السابق لديوان المحاسبة، كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مديرة البحوث في المركز الوطني للبحث العلمي، طبيب عام في مستشفى جامعة بوردو)" ، تنحصر المهمة في تقييم استجابة الحكومة للوباء من حيث الصحة، ولكن أيضا من الناحية الاقتصادية، و استنتاج دروس الموجة الاولى من الوباء صدر التقرير المرحلي الاول في هذا الشأن يحتوي على 39 صفحة، وهو "مخصص لتحليل ادارة الازمة والاستعداد لموجة ثانية محتملة"، دام اربعة اشهر اخذه رئيس الجمهورية مرجعا لبيانه الاخير للشعب الفرنسي، اما التقرير الثاني المبرمج لدراسة توقع "خطر الوباء" فموعده اقصاه نهاية العام" ويؤكد الاستاذ السويسري المختص انه "لا يمكن إنكار أن فيروس Covid 19 مؤلم للغاية". "نحن لا نواجه على الإطلاق ظاهرة من النوع المعتاد من وباء الأنفلونزا "... مؤكدا أنه" سيتعين عليه أن يتعلم التعايش مع الفيروس لعدة أشهر أخرى" ، حتى من المتوقع توفير "عدة لقاحات"، و يجزم أن "نظام المستشفيات الفرنسي قد توقف بالفعل" ، ويلوم على زملائه الفرنسيين من ناحية أخرى التقليل من أهمية الوباء، كما فعل بعضهم بطريقة غير حكيمة، ويشير التقرير إلى أن "الملاحظات الأولى تسلط الضوء على العيوب الواضحة في الترقب والإعداد والإدارة"، علاوة على ذلك، اعتمدت إدارة الأزمة الصحية على أدوات جيدة مثل المجلس العلمي الذي عقده إيمانويل ماكرون ، ومنذ ذلك الحين تم انتقادها بشدة: "كان من المهم أن يكون العلماء قادرين على اتخاذ مسافة لمساعدتهم قدر الإمكان، قرارات، قام هذا المجلس بعمله بشكل جيد للغاية" وينتقد غياب المجتمع المدني وعدم تمثيله، ويلاحظ ان" الضعف الفرنسي لم يكن طبيًا بل إداريًا، غالبًا ما أصبح صنع القرار غير كامل أو حتى عفا عليه الزمن بسبب تعقيد الدوائر، ثم وجد السياسي نفسه مسؤولاً عن الإخفاقات التي نجمت قبل كل شيء عن التنفيذ الدقيق وغير المناسب للتوصيات الوطنية في بعض الأحيان" تلك هي عينات من التقرير، اوردتها للمقارنة بإدارة الوباء في بلادنا، والذي يجب ان يعرف المواطن كيف كان اداء المسؤولين عنها، وقد طالبنا من البرلمان تكوين لجنة اعلامية لذلك، حتى تظهر النقائص لتلافيها مستقبلا أما عن وضعنا السياسي فمصيبته تضاهي مصيبة الكورونا، والتصريحات تلوى الاخرى من الذين كانوا في الحكم لا تنبا بخير، حيث كانت عقيدتهم "انصر اخاك ظالما او مظلوما"، فهذا مثلا عبو يؤكد''الفخفاخ وقفت معه لأنّه وقف معي في مقاومة الفساد''، وينبه "نهاية هذه البلاد ستكون سيّئة جدا إذا لم يتمّ التصدي إلى العصابات الحاكمة اليوم''، ويعترف "أنّ الطبقة السياسية الحالية هي من أسوأ ما يوجد في المجتمع التونسي ''، "ساحة سياسية في معظمها عاجزة وفاسدة''، موضحا أنّه كان "سياسي عاجز"، ويواصل "أنّ النهضة أسقطت الحكومة خوفا على مصالحهم"، واعتبر "أنّ ممثلي حركة النهضة ضميرهم ميّت'' ، وتوجّه للعاطلين عن العمل قائلا ''حكامكم الفساد هم السبب في عدم تشغيلكم''، ويتابع "أن النهضة أمضت إلى اليوم 10 سنوات من الفساد من أجل بقائها في الحكم" عزائي لتونس اذ غابت في رجالاتها المسؤولية، وسيطر عليها الانا، ورحلوا بها من النور الى الظلمات، و ان عجز قلمي في التمادي في هذا الاتجاه، فتقديرا ليوم الشهداء الابطال الذين ضحوا بالنفس والنفيس، لتكون تونس في مقدمة الامم، فيها العزة والكرامة، ويطيب فيها العيش، ويسودها الوئام، ولا يقودها من خان عهدها، وعبث بالثقة التي منحها اياه شعبها "وتلك هي الايام دول من سره زمن ساءته ازمان"، لهم موعظة في ذلك، لعلهم يفقهون! هوامش: رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- دكتور في ادارة المؤسسات باريس- شهادة تكوين مستمر بجامعة هارفارد الأمريكية وبجامعة بلقراد- معهد الدفاع الدورة الرابعة- ألف أربع كتب في علم الاحصاء في المستوى الجامعي- وكتابان حول وضع البلاد بعد الثورة:(تونسنا الى اين المسار) programme chroniques 2011-1014)(De le révolution …Tout un اول رئيس متطوع لبلدية ملولش- شغل رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح عشرات السنين ورئيس ديوان وزيرة الصحة الدكتورة سعاد اليعقوبي- ومكلف بمهمة في اختصاصاته لدى رئيس مجلس نواب -الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية ...