عنوان هذا المقال هي صورة المواطن التونسي اليوم بعد سنة ونصف تقريبا من إجراء الانتخابات الرئاسية التي جاءت بأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد إلى سدة الحكم وهو الرجل الذي لا يعرف له مواقف سياسية في زمن الاستبداد ولا عُرفت له تجربة نضالية في حزب من الأحزاب كباقي السياسيين الذين نجدهم بعد الثورة فاعلين في الحياة السياسية…وهي صورة المواطن الذي انتخب بكثافة وصوّت له بقوة ضد منافسه في الدور الثاني نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس في عملية عرفت وقتها بالتصويت الإيجابي والسلوك الذي عاقب به الناخب التونسي من تعلقت به شبهات فساد مالي واستغلال النفوذ الإعلامي والجمعياتي لخدمة مصالح شخصية من خلال توظيف عذابات الناس وفقرهم، وقد كان انتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية انتصارا للثورة و لصوت العقل والحكمة ونظافة اليد والثبات على المبدأ ومحاربة الفساد… وكان الأمل عاليا جدا في أن تكون تونس أفضل مع الرئيس قيس سعيد وكانت المعنويات وقتها مرتفعة جدا بعد اصطفاف الكثير من أفراد الشعب التونسي وراء قيس سعيد لاستعادة وهج الثورة وتصحيح مسارها الذي ساهمت المنظومة القديمة وخدمها وعسسها والحالمين بعودتها مع القائمين على إنجاح مرحلتها الانتقالية في حدوث الانحراف الكبير والانعطافة الخطيرة التي حكمت على الثورة بالفشل، غير أن حالة التفاؤل هذه لم تدم طويلا ليستفيق جانب كبير من الناخبين على خيبة كبيرة غير منتظرة كان سببها معاداة الرئيس الجديد للمنظومة الحزبية وكرهه للديمقراطية التمثيلية القائمة على الانتخابات على القائمات الحزبية ورغبته في إسقاط كل منظومة الحكم ورفضه الحكم القائم على الأحزاب الفائزة وعلى إرادة الناخبين الحرة ليتضح أن كل موضوع أن للأستاذ قيس سعيد مشروع حكم شخصي يقوم على تغيير النظرية السياسية التي يحتكم لها العالم واستعادة النظام الرئاسي الذي ثار عليه الشعب والذي سبب للبلاد وللشعب مآس كثيرة، ومن هنا دخلت البلاد في نفق تأويل الدستور ومعركة كسر العظام مع البرلمان والحكومة وهي معركة لم تكن هي ما يحتاجه الشعب في مرحلته الراهنة وهي معركة أصبح فيها الرئيس جزءا من المشكل مما زاد في تعميق الأزمة. ومن خيبة الأمل هذه التي مثلت الصدمة الأولى إلى الوقوف على أن الخيار الذي قام به الناخب التونسي قد تحول إلى نكسة مع نوعية الأداء المبهم لساكن قرطاج الجديد والذي دخل به في حرب مفتوحة معلنة وغير معلنة مع الجميع من إعلام لم يعترف به و مع الأحزاب السياسية التي يمقتها ومع مؤسسات الدولة ممثلة في الحكومة والبرلمان وخيبة أخرى وراءها نوعية الخطاب السياسي الذي يتوجه به إلى الشعب ونوعية مفرداته ومعجمه اللغوي المستعمل والقائم على التخويف والتخوين والإعلان في كل ظهور له عن وجود مؤامرات تُحاك ضد البلاد من دون أن يفصح عن الجهات أو الاشخاص الذين يتآمرون على أمن الدولة وسلامتها وعلى الغموض الموغل في الإبهام فكل شيء أصبح غامضا وغير مفهوم… ومن هنا تحول وضع البلاد إلى حالة غامضة غير مفهومة طالما وأننا قد أصبحنا نمارس السياسة بطريقة بلهاء تذكرنا بما حصل للبلاد في أواخر القرن السابع عشر ميلادي مع مراد الثالث الملقب ب«مراد بوبالة» (1699- 1702) آخر البايات المراديين من استهتار وعبث وفوضى ورعونة أنهى به حكم الدولة المرادية في تونس. ولم يتوقف الحال عند هذا الحد حتى وصلت الأمور إلى الفضيحة المدوية مع إشاعة الظرف الذي قيل أنه وُجه إلى قصر قرطاج بكل سهولة وبكل بساطة و من دون أن تعترضه أية رقابة لتسميم رئيس الجمهورية ليتضح بعد التحري والتثبت أن الظرف المشبوه هو ظرف عادي لا يحتوي على أيه مواد سامة في الوقت الذي انتقلت فيه الاشاعة إلى بعض العواصم العربية التي قام قادتها بمهاتفة الرئيس للاطمئنان على صحته من أمر لم يحصل البتة في عملية رديئة شكلت فضيحة كبرى أمام أُمم الدنيا التي أصبحت تهزأ من ديمقراطيتنا ومن أدائنا السياسي العبثي في غياب تام لأى بيان رئاسي يوضح القصة وفي صمت مطبق من أي إجراءات لتتبع من كان وراء تسريب هذه الفضيحة التي مست من سمعة الدولة والشعب وأعلى هرم السلطة…العالم يتقدم ونحن نعود باختيارنا وإرادتنا إلى زمن الباي "مراد بوبالة »…