" أسفي اليوم على وطن // تحاول الأيادي العابثة تقويضه // و لكن الوطن صلب و مهما فعلتم // لن تقدروا يوما على تركيعه " بهذه الكلمات البسيطة في ظاهرها و العميقة في جوهرها نقول لكلّ من تسول له نفسه الأمارة بالسوء و لكلّ شياطين الإنس - و ما أكثرهم في زمننا هذا - ، نقول ستظل تونس صامدة رغم كلّ المحن و رغم كلّ الخبث و رغم كلّ المعاول و رغم كلّ الخيانات وستحبط كلّ المخططات الدنيئة كما أحبطت من قبلها كلّ محاولات تركيع هذا الوطن الصامد و الشامخ كالجبل رغم كلّ الهزات و رغم كلّ المناورات و رغم كلّ الأعاصير لسبب بسيط كونها تونس الشباب و تونس الفكر، تونس التفتح و تونس العلم و تونس الفن و تونس المسرح و تونس الموسيقى و تونس الثقافة و تونس الحضارات. و لو نقوم بسرد ما عاشه وطننا عبر التّاريخ من هزّات لوقفنا على قدرة صمود وطننا العزيز أمام كلّ الرياح العاتية لذلك لن نتوانى بأن نصدح بالقول و بكلّ ثقة في هذا الوطن وأنّ كل المناورات و المحاولات لتركيعه ستؤول بالفشل. و لنا عبر التاريخ محطات تؤكد .و أنّ تونس ستظل صامدة رغم حقد الحاقدين.. ومن باب التذكير فقط فإنّه بعد وفاة حمودة باشا الحسيني سنة 1814 دخلت البلاد التونسية في أزمة عميقة داخليا مع دخول أمراء البيت الحسيني في مرحلة صراع من أجل الاستحواذ على الحكم فضلا عن تنامي ظاهرة اختلاس أموال الدولة و تحويلها للخارج خاصة من قبل مصطفى خزندار و محمود بن عيّاد و ما نتج عنه من تراكم ديون الدولة و عجز البلاد على تسديدها و هي من الأسباب التي أدّت إلى استعمارها. وخارجيا تقهقر الصناعة المحلية خاصة صناعة الشاشية أمام تنامي وتطور صناعات الدول الأوروبية و ما نتج عن ذلك الوضع من اضطرابات و عدم الاستقرار في أنحاء البلاد وما انتفاضة علي بن غذاهم سنة 1864 إلاّ انعكاس لذلك الوضع. وأيضا فترة 1956 / 1961 شهدت بلادنا موجة من التأميم و تحرير الاقتصاد من مخلفات الاستعمار الفرنسي فكانت بالفعل فترة البناء و التشييد فتمّ تأميم القطاع المصرفي و الكهرباء و الغاز و الماء و شركات النقل و الأراضي الفلاحية و بالتزامن مع ذلك أصبح الدينار التونسي العملة الرسمية للبلاد ( أكتوبر 1958 ). كما عرفت بلادنا بين 1961 / و 1969 التجربة الاجتماعية حيث أخذ اقتصادنا منحى اشتراكيا في فترة أحمد بن صالح و تمت سيطرة الدولة على مختلف قطاعات الاقتصاد و لكن عرفت هذه التجربة منعرجا خطيرا. لتدخل البلاد في تجربة الرأسمالية المقيدة خلال الفترة 1973 / 1982 حيث اتخذت الحكومة خطوات لتحجيم تدخل الدولة في القطاع الصناعي و تشجيع القطاع الخاص على خوض هذه التجربة الذي حقّق نموا خاصة في مجال الصناعات التحويلية فضلا عن إعادة الملكية الفردية. ولكن يبدو جليّا وأنّ حكام هذا العصر و تحديدا بعد " الثورة " لم يقرأوا جيّدا تاريخ الوطن و لم يفهموا بعد و أنّ تونس أكبر من الجميع رغم كلّ ما يحاك ضدّها في السرّ و العلن قديما و حديثا و رغم كلّ المناورات السياسية الخسيسة و رغم المحاولات لتكبيل تحركها بالديون و محاولات إيقاف عجلة الانتاج و المحاولات الكثيرة و المختلفة لإشغال الرّأي العام و المواطن عن مشاكل الوطن الحقيقية من أجل تجويع هذا المواطن حتّى يكفر بهذا الوطن و لكن هيهات فالتونسي – رغم كلّ ما يعانيه من مرارة من أجل لقمة العيش – فهو وفيّ لبلاده و وفي لتاريخه و وفيّ لتضحيات أجداده وآبائه و لا و لن تغريه رقصات الديكة و حركات القردة و خبث الثعالب و شطحات الشيطان، فتونس بالنسبة له هي السقف و هي الأم التي تحضن أبناءها و هي في النهاية الوطن الذي لا بديل له مهما تكالبت عليه المحن و الفتن. وسيظل الوطن شامخا بشبابه المستنير و المتعلم و الواعي. وما يقدم عليه البعض من ساستنا اليوم في حقّ هذا الوطن ليس إلاّ زبد سيتطاير في يوم ما الهواء ويبقى الوطن راسخا و صامدا رغم حقد الحاقدين. و من هذا المنطلق نسأل – ساسة هذا العصر اللاّ عصر الذي نعيش، أين اختلط صالح و طالح و بائع الحشيش، أين من سبقكم من خونة هذا الوطن ؟ و أين من سبقكم من سرّاق المال العام لهذا الوطن؟ و أين من كلّ من مرّوا من هنا في هذا الوطن الذين حاولوا بيعه و ارتهانه للآخر؟ أين هم الآن؟ إنّهم في مزبلة التاريخ الذي لا يذكر إلا خيانتهم و سرقاتهم و عدم وعيهم و قلّة حيائهم و لكن في المقابل بقيت تونس صامدة و شامخة، وبالتالي أدعو هذا الجيل الجديد من الساسة الأشاوس - و ليس كلّهم بل أولئك الذين لا يعيرون وزنا لحرمة هذا الوطن و يعبثون بمستقبله و يبذرون خيراته - أدعوهم لإعمال العقل و اتباع الحكمة و التعقل حتّى لا يكون مصيرهم كسابقيهم مزبلة التاريخ كمصطفى خزندار و محمود بن عياد و غيرهما الذين لا يذكرهم التاريخ إلاّ بالخزي و العار..