قرأت بعض ما كتبته الاقلام عن مجلة الاحوال الشخصية فوجدت بعضهم يذكر المرحوم الشيخ عبد العزيز جعيط وينسبها له ووجدت من ينكر أن يكون للشيخ عبد العزيز جعيط صفحة فيها فرأيت للتاريخ أن أرجع الى المناضل الكبير الاستاذ أحمد المستيري وأطلب منه شهادته في الموضوع وذلك لأن المجلّة صدرت في العهد الذي كان فيه الاستاذ أحمد المستيري وزيرا للعدل. كانت تلك الفكرة تشغل بالي الى أن جلست مع الفاضل المحترم سعيد باي وهو من سكان المرسى فرجوته أن يكون واسطة خير بيني وبين الاستاذ أحمد المستيري فقبل الرجاء وحققه، بارك الله فيه وعبر الهاتف والمراسلة كان لي حوار مع وزير العدل الاسبق أحمد المستيري الذي لم يبخل عليّ بجواب عن سؤال بارك الله فيه. من ذاك الحوار جمعت قصة مجلة الاحوال الشخصية فالرجاء من القراء الكرام أن يتابعوا خيوطها التاريخية.. في عهد الحماية وبعد الحرب العالمية الثانية تولّى الوزارة الكبرى المحامي الاستاذ مصطفى الكعّاك الذي اتهمته الحركة الوطنية بعد بالخيانة و.. و.. الوزير الأكبر مصطفى الكعاك اختار لوزارة العدل شيخ الاسلام المالكي الامام العالم عبد العزيز جعيط فأقبل عليه الصحفي التونسي الكبير الشيخ منصف المستيري عم أحمد المستيري وقال للشيخ جعيط من باب اللوم: كيف تقبل هذه الوزارة في هذه الظروف وفيها الكثير مما يقال؟ فأجابه الشيخ جعيط: لقد قبلت وزارة العدل لأحقق مشروع (المجلة الشرعية) التي أريد أن أوفق بواسطتها في الاحكام بين المالكية والحنفية.. فردّ عليه منصف المستيري: في هذا أقول لك: أعانك الله. ومضت سنوات وسقطت حكومة مصطفى الكعاك وترك الشيخ جعيط الوزارة ولم يكمل مشروعه الذي بدأه. قال الاستاذ أحمد المستيري: ولما اختارني المجاهد الاكبر الحبيب بورڤيبة وزيرا للعدل في أول وزارة يرأسها قبلت فجاءني عمّي منصف المستيري ولامني على قبول هذه الوزارة فقلت له: لقد قبلتها لأتمم مشروع مجلة الشيخ جعيط، فوافق عمّي وبارك مسعاي. قال الاستاذ أحمد المستيري وزير العدل الاسبق: كونت لجنة للمجلة من خيرة العلماء كان من بينها السيد محمد بن سلامة الرئيس السابق لمحكمة التعقيب والمرحوم الاستاذ محمود العنابي والمرحوم الشيخ القروي بالتعاون مع المغفور له الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور. وقال الاستاذ أحمد المستيري: اتفقنا على مبادئ على ضوئها يتم تأليف المجلة أولها: أن ما فيها لا يتنافى مع القرآن والسنة، ثانيا: لا تحل حراما، ثالثها تقيد وتمنع مباحا، رابعها: تتماشى وتطوّر المجتمع التونسي وعلى ضوء ذلك قيّدنا الطلاق بالطلاق امام القاضي ومنعنا المباح وهو تعدد الزوجات للمصلحة. وهنا راجعت الوزير الاسبق أحمد المستيري وقلت له: لقد أبحتم الحرام في المجلّة.. قال: كيف وأين؟ قلت: لقد أباحت المجلة التبني وهو حرام وممنوع بالقرآن والسنة، فقال لي: ارجع الى مجلة الاحوال الشخصية في نسختها الأولى فسوف لا تجدها قد تعرضت للتبني ولا أباحته ولكن المجلة تعرضت للزيادة والتنقيح بعد أن غادرت الوزارة فكان مما أضيف اليها: التبني. قلت: هل كان للشيخين الامامين محمد الطاهر ابن عاشور وعبد العزيز جعيط رأي فيها؟ فقال: كان الرئيس الحبيب بورڤيبة يستشيرهما.. وللتاريخ أقول: يمكن لي أن أدّعي أن موضوع الارث وأحكامه في المجلة نقلناها من مشروع المجلة الذين أعده الشيخ عبد العزيز جعيط، وأن بعض فصول المجلة كتبها الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور بخط يده وتبقى المجلة مشروع اجتهاد وليست مقدّسة. أيها القراء الكرام، بعد أن قدمت مارويته عن الاستاذ الوزير الاسبق أحمد المستيري حول الظروف التاريخية للمجلة أسألكم عن رأيكم: هل تنسب المجلة للمستيري أم لبورڤيبة؟ أم تقولون: إنها تنسب لبورڤيبة كما نسبت الصادقية للصادق باي وهي في واقع أمرها مشروع المصلح الكبير خيرالدين باشا رحمه الله؟ أسأل وأحب أن أفهم.