أجرى السيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة تعديلا جزئيا في حكومته أقال بموجبه وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الاداري من منصبه وعوض الشغور السابق في وزارة الشؤون الدينية التي كان يشغلها بالنيابة وزير العدل وعين كاتب دولة للتجارة بعدما سحب سلفه كمستشار له برئاسة الحكومة. كنّا نظن أنه بذلك أراح الوزير الذي كان يفكر بالاستقالة ولَم يعجل بها وخلص وزير الصناعة والتجارة من مساعد لم يكن يرتاح له وعين له غيره. لقد أثار ذلك التعديل من التعاليق أكثر مما كان يتوقعه وأخذ حيزا من تدخله في برنامج تلفزي كان مخططا له سابقا وعبر فيه عن تمسكه بحقه الدستوري الذي يسمح له بإقالة وتغيير الوزراء بعد تقييمه موضوعيا. لكنه لم تنته تلك العملية كما كان يتوقع إذ أخذت أبعادا أخرى وتأويل شتى خاصة فيما يخص الوزير المقال وكان قريبا من منظمة اتحاد الشغل بينما الوزير المعروض له منتميا لمنظمة الأعراف، اتحاد الصناعة والتجارة وفهم ذلك على أنه انتصار للأخيرة على حساب الأولى المنظمة الشغيلة التي لم تخف قلقها ومعارضتها العلنية لما وقع وتساءلت عن مصير وثيقة قرطاج التي لم يعد متمسكا بها إلا شق من النداء والنهضة ومن لف لفهما من الشتات المتبقي! لم يعمر ذلك التعديل طويلا ولَم يصمد حتى يصل لقبة البرلمان إذ تعجل الوزير الذي لم ينعم بتقبل التهاني من العائلة والاصدقاء واعتذر عن قبول الوزارة. قد يكون لردود الفعل التي أثيرت حول تعيينه دخلا ويمكن أنه نصح بالاعتذار عن القبول رفعا للحرج عمن رشحوه، وهكذا يصاب التعديل بنكسة كانت على رئيس الحكومة أشد وأقسى مما استعمله بإقالة أحد وزرائه لإقامة الدليل على أنه بالفعل يحكم، وأخيرا قرر حذف وزارة الحكم ولإصلاح الإداري فطفا لكل تأويل ينالها في المستقبل. يمكن أن رئيس حكومتنا المفدى لم يدرك أن الحكم في هذا العصر لم يعد مثلما كان في زمن آل عثمان وزعيمهم السلطان سليمان القانوني الذي حكم الأقاليم السبعة بدون شريك. ونسي أن ذلك الزمان مر وانقضى وبات الحكم اليوم بيد أصحابه يتولاه وكلاء عنهم بالصندوق الذي لم يدخله أصلا. كما نسي أنه لم يصل الى سدة الحكم بالإرث أو بالانقلاب وليس له من سند إلا رضى من أتى به ويمكنه إقالته متى شاء وارد. لذا فإن قوله بأنه الحاكم بأمره ليلة في حديثه المطول على قناة تلفزيه خاصة أضر به أكثر مما توقعه من إثبات لهيبة الدولة! كنت أتمنى عليه أن يتواضع قليلا ويعمل على ترميم وثيقة قرطاج التي جاءت به وليس التنكر لأصحابها كما يزعم، وكان عليه أن يسرع الخطى في اجراء الإصلاحات الجوهرية التي وعد بها وباتت واجبة، من الانتهاء مع صندوق الدعم وتخليص الدولة من المؤسسات الخاسرة منذ عقود ولَم تقدر اَي حكومة على علاجها أصلا. كما كان عليه أن يتجرأ ويتخلص من القطاعات التي تحتكرها الدولة بدون فائدة تجنيها، وليس الخوف من ذكرها حتى باللسان. وأقول بإيجاز أن تونس لا تحتج الى تمويل خارجي ولا الى قروض من البنك الدولي أو صندوق النقد ولكنها تحتاج الى حكومة مسؤولة تقوم بالإصلاحات الضرورية في اقتصادها ولن يكون ذلك إلا بموافقة الشركاء وليس بتسجيل الأهداف الفارغة عليهم