الجنوب ككل جهات الجمهورية يعاني منذ عقود من التهميش والبطالة خاصة في أوساط شبابه وتطاوين لم تخرج عن هذه الدائرة من التهميش وبالتالي فاضت الكأس لدى أبنائنا هنالك بعد دفعهم لرفع شعار "الرخ لا والضخ لا " والمقصود به البترول " العميم" بالجهة حسب ما يحاول أصحاب حملة "وينو البترول" تمريره لدى هؤلاء الشبان واقناعهم بذلك. وما يحصل الآن بالجهة إلاّ نتاج لتلك الحملات المغرضة و المغرية لشباب عانى من البطالة والتهميش. ولكن أن تنزلق الأمور، من تحركات سلمية باركها الجميع في بدايتها باعتبارها حق مشروع كفله حتّى دستور البلاد، إلى فوضى وحرق وتخريب ونهب واعتداء على الطواقم الأمنية وحرق مقراتها ومعداتها فذاك لا يعني إلاّ شيئا واحدا اسمه الفوضى وادخال البلاد في أوضاع لا تحمد عقباها ولا يقبلها عاقل وصاحب رأي موضوعي. وأعتقد جازما وأنّ هذا الانزلاق لم يكن عفويا بالمرّة بل هناك من يدفع إليه دفعا وهناك من يحرّك خيوطه من وراء الستار حتّى لا أقرّ بوجود مستفيدين منه ومن انتشار الفوضى في البلاد من قبل جهات مختلفة وجدت ربما ضالتها في هذا الحراك السلمي لتزيد صبّ الزيت عليه لتأجيج الوضع المتأزم أصلا وتدفع به إلى المجهول. سؤالي هنا أوجهه لأصحاب حملة " وينو البترول" لماذا ظهرت هذه الحملة الآن ؟ ألم يكن البترول موجودا قبل خمس سنوات خلت؟ أم أنّ هذا البترول اللعين ظهر فجأة في بلادنا يغد أن كان في ضيافة ثمّ رجع للبلاد بعد غياب سنين؟ ولعلّني أقولها صراحة ألم تكن تونس تجلس على بحر من البترول زمن حكم "الترويكا " من هذا المنطلق نرى وأنّ انزلاق التحرك السلمي لشباب تطاوين إلى ما آلت إليه الأوضاع ليس عفويا وطبيعي لأنّ حرق المقرّات الأمنية ومعدات طواقم الحرس والاعتداء عليها بالحجارة والحرق و التكسير ليس عملا سلميا بقدر ما هو ممنهج ومسطر ومقرر مع سابقية الاضمار وما نتج عنه من فوضى و عدم استقرار وخسارة في روح بشرية لشاب في مقتبل العمر هو أمر غير مقبول بكل المقاييس لأنّه في النهاية تونس وطنا وشعبا هي الخاسرة في كلّ الحالات : *خاسرة لأنّنا خسرنا شابا وما أحوج بلادنا لكل شبابها الذي يعتبر عماد المستقبل لأنّ ما يميّز تونس عن غيرها هو شبابها الذي يمثّل حوالي 60 بالمئة من شعبها وما يعينه ذلك من طاقات حيّة لنحت مستقبل البلاد وحمايته من غوائل الدهر. *خاسرة لأنّ هناك من يدفع دفعا لزج أمننا للالتحام مع الشعب بعد أن تحققت إعادة الثقة بين طواقم أمننا والشعب التونسي لبناء أمن جمهوري يحمي المواطن و يسهر على أمنه لا أن يتخذ بعضهم لبعض أعداء. *خاسرة لأنّ بلادنا تمرّ بمرحلة انتقالية و قد تدفع مثل هذه الإنزلاقات إلى انتكاسة في المسار الديمقراطي الذي اختارته بلادنا وبالتالي الرجوع بنا إلى المربع الأوّل من فوضى و اغتيالات وتصفية حسابات واحتقان و فتنة.. *خاسرة لأنّ مثل هذه الفوضى تعدّ أرضية خصبة لأعداء الحرية والديمقراطية والسلم والاستقرار لبث سموم الفتنة والإرهاب من جديد بيننا وهو المتربص بنا في كلّ لحظة ولا يفوّت مثل هذا الأوضاع للانقضاض عليها ويسرّح ذئابه المنفردة وإرهابييه و خلاياه النائمة لتتحرّك بعد أن فتك بها رجالات تونس من الجيش والأمن فتكا مبينا. *خاسرة لأنّ كرة الثلج لهذه الاضطرابات ربّما تتدحرج نحو جهات أخرى وعندها تصعب مهمة اطفاء حرائقها وتأتي على تشتيت جهود طواقم أمننا وجنودنا البواسل.. لكلّ ذلك نقول وأنّ حماية بلادنا هي مسؤولية الجميع أمنا وشعبا و سلطة ومعارضة وليس المطلوب من المعارضة الوقوف على الربوة و متابعة مجريات الوضع أو المساهمة في تأجيج الأوضاع الساخنة أصلا من أجل أهداف سياسوية بحتة لأنّ هذا الوطن في حاجة إلينا جميعا وبدون استثناء لأنّنا في النهاية نركب نفس الزورق والأمواج العالية تهدد الجميع ولن تستثني من هم في السلطة أو المعارضة و الأهم من كلّ هذا هو المحافظة على الوطن حتّى لا نندم حين لا ينفع النّدم ولنا في أقطارنا العربية تجارب مرّة لم يجني منها إلاّ القتل والهجرة قسرا والخراب والأمراض والتشرد أو رجوع الأنظمة الدكتاتورية إلى دفّة الحكم