لا شك أن ديمقراطيتنا ناشئة حديثا ولم تتجاوز مرحلة الدربة ومن واجبنا جميعا التحلي بالصبر لتثبيت مقوماتها ، ولا شك أيضا أن " الإرث " ثقيل جدا ، والأوضاع الإقليمية والدولية مضطربة والأزمة الإقتصادية العالمية مستفحلة بشكل خطير . هذا من حيث المبدإ لكنه لا يبرر غياب التضامن الحكومي و0ضطرام الصراعات الحادة بين الأحزاب ، إضافة إلى عوامل أخرى إقتصادية و0جتماعية مخالفة تماما للقيم الديمقراطية ك0تساع التفاوت الطبقي في المجتمع وغياب العدالة الجبائية وتغول المهربين والمتحيلين و0شتداد نفوذ الإقتصاد الموازي في بلد "ديمقراطي" ! فعن أي ديمقراطية يتحدثون وكل المحاولات الإصلاحية باءت بالفشل الذريع لأسباب عديدة ومختلفة أولها وأهمها إضطرام الصراع من أجل السلطة والنفوذ في خرق مفضوح لشروط الديمقراطية و0لتزاماتها. فما الفائدة من ديمقراطية لم تمكننا من مغادرة ساحة التكالب غير الشرعي على السلطة والنفوذ؟ بين الرغبات والواقع فارق شاسع لا يمكن تجسيره بالشعارات والوعود والتباهي الزائف بما لا نملك فحتى الأنظمة الشمولية ، وخاصة الشيوعية ، تباهت في زمن سطوتها بممارسة ديمقراطية لا وجود لها إلا في الخطب والشعارات والكتب الحمراء وصحف ومنشورات الحزب الواحد وتصريحات كبار المسؤولين . صحيح أننا نملك الآن الهيكلة الأساسية للديمقراطية لكننا لم نصل بعد إلى تطبيق مبادئها وقيمها أو الإلتزام بشروطها بالشكل اللازم الذي يجعل كل مواطن يشعر بفضائلها عليه في كافة المجالات وخاصة ذات العلاقة المباشرة بعيشه وكرامته. عندما تصبح الدولة ماسكة بزمام الأمور وحريصة على ممارسة شرعيتها في تطبيق القوانين دون تردد أو إرتباك ، ولما يشعر المواطن بتحسن أوضاعه الإجتماعية ويطمئن على سلامته وأملاكه ، وحين تحافظ البلاد على مناعتها وتتمكن من صيانة سيادتها وتغدو الحرية ممارسة حضارية منظمة بالقوانين الرادعة للتجاوزات والإنتهاكات ، يصبح الحديث عن " الدولة الديمقراطية" مشروعا وموضوعيا ومقنعا.