يعاني مجتمعنا من انقلاب قيمي حقيقي حيث تصاعدت ظواهر سلبية عديدة على غرار عدم الاحترام المتبادل بين الناس وخاصة احترام وتقدير الصغير للكبير.ومن ذلك ايضا تفشي ممارسات كانت قبل سنوات قليلة وغير منتشرة فالغش مثلا موجود في اي مجتمع لكنه لم يصل مطلقا الى هذه الدرجة وهذا الحد. هذا الغش الذي تحول الى ممارسة وسلوك زحف على قطاعات حساسة اي مرتبطة بها صحة المواطن فاليوم صرنا نسمع عن لحوم فاسدة وبيض فاسد بل ان الغش اي بيع بضائع تالفة وغير صالحة للاستهلاك صار منتشرا بكثرة رغم الجهود التي تقوم بها فرق المراقبة . بالتالي فالأمر نطرحه في علاقة بظاهرة استفحلت بشكل كبير خاصة في السنوات الاخيرة وهي الغش في المواد الغذائية وفي غيرها من السلع الاستهلاكية منها مواد التغذية الى مواد الصحة والتجميل او حتى في السجائر التي هي مضرة في حد ذاتها فما بالك لو كانت المواد المعروضة للبيع مغشوشة ومقلدة اي انها قد تحوي موادا خطيرة لا يعلم من يستهلكها مقدار ضررها في حين انها قد تمثل خطرا على صحته بما يمكن ان تسببه من امراض خطيرة.
لا شيء مضمون
قبل 2011كان الغش في المواد الاستهلاكية والغذائية خصوصا موجود لكنه لم يكن بهذه الوتيرة والسبب لا يمكن تفسيره اخلاقيا فقط بل وايضا موضوعيا اي ان تصاعد وتيرة هذا السلوك وتحوله الى ظاهرة لافتة مرده الوضع العام الذي مرت به البلاد منذ 2011اي هشاشة وضع الدولة الذي استغله من لا ضمائر لهم للاثراء على حساب صحة المواطن وسلامته. فتقريبا لا يمر يوم دون الاعلان عن نجاح فرق المراقبة والصحة من اكتشاف وحجز كميات من مواد وسلع فاسدة وغير صالحة للاستهلاك البشري لكنها اما انها تروج في الاسواق او انها ضبطت اثناء نقلها لبيعها للمواطن .هذا السلوك غير الاخلاقي والذي يصنف كجريمة انتشر بكثرة فلو نظرنا لخارطة السلع المحجوزة لوجدناها تنتشر في كامل تراب الجمهورية من الشمال الى الجنوب . كل أسبوع تقريبا يتم الاعلان عن حجز لحوم فاسدة اي غير الصالحة للاستهلاك تم استهلاكها في مبيتات مدرسية ومستشفيات بل كثير منها يروج في الاسواق. من ذلك اكتشاف عديد المرات لعمليات عرض مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك تتمثل في انواع من اليوغرت وقبلها حجز كميات كبيرة من الاسماك والسميد الفاسد وايضا كميات كبيرة من الحلويات والشكلاطة والشامية عليها اثار فطريات والغريب ان بعض هذه المواد اكتشفت في مساحات تجارية كبرى وليس في اسواق شعبية كما جرت العادة اي ان المظاهر قد تكون خداعة. الغش في كل شيء عمليات الغش لم تنحصر في المواد الغذائية بل امتدت الى مواد اخرى منها مواد التجميل حيث كانت هذه المواد المغشوشة موجودة حصرا في الاسواقو"النصبات" اما اليوم فقد صارتموجودة في المحلات حيث يشتريها المستهلك دون ان يعرف حقيقتها. الوجه الاخر للغش في المواد الاستهلاكية بات ظاهرا للعيان بل ان المواطن والدولة من خلال اجهزتها يدركون حقيقتها ورغم ذلك فهي تعرض في الاسواق جهارا نهارا .بل الامر تجاوز ذلك كون انواع من السجائر تباع في "القمرق والحماص"لكنها في الاصل مضروبة ومقلدة.
المقياس الاخلاقي
ظاهرة الغش تطورت وتصاعدت بشكل كبير في السنوات الاخيرة رغم ان مجتمعنا اسلامي وللدين تأثير كبير عليه والغش هو من المحرمات لكن رغم ذلك فإننا نجد العامل الديني لم بعد يؤثر على الكثيرين.ورغم ان الجانب الاخلاقي القيمي والديني مهمين للحد من هذه الظاهرة المجتمعية الا انهما لم يعودا كافيين بالتالي فان المطلوب هو الزجر القانوني العقابي فالمعروف ان كل المجتمعات التي تمر بثورة تقلب النظام السياسي تمر بفترة ركود وايضا تفش للظواهر السلبية وتجاوز القانون بسبب الاحساس بضعف الدولة وتراخيها لكن اليوم وبعد مرور سبع سنوات على قيام الثورة بات من الضروري ان تسترجع الدولة وظائفها وقوة ردعها عبر اجهزتها وعبر القانون.. حتى لا يكون مجتمع الفوضى المعضلة الاخرى التي يعاني منها مجتمعنا اليوم هي التي لا نجد وصفا لها اكثر دقة من مصطلح "التشليك" أي ان الكل يستهين بالكل بداية من الخطاب السياسي الى الاعلامي الى المعاملات في المجتمع أي اننا في وضعية غياب للقيم التي تميز بها المجتمع التونسي منذ قرون لا عقود ومنها احترام الكبير وتوقير الدولة ومؤسساتها والايمان بان البديل عن ذلك هو الفوضى والتسيب .ليبقى السؤال : لماذا وصلت الاوضاع في مجتمعنا الى هذه الوضعية وهذا المستوى؟