غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهلا رمضان : دعوا ناقة الله تسقى في سلام (2)
نشر في الصريح يوم 07 - 06 - 2018

والشمس وضحاها .والقمر إذا تلاها .والنهار إذا جلّاها. والليل إذا يغشاها. والسماء وما بناها. والأرض وما طحاها. ونفس وما سوّاها .فألهمها فجورها وتقواها.
قد أفلح من زكّاها .وقد خاب من دسّاها.
كذّبت ثمود بطغواها .إذ انبعث أشقاه. فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها .فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها.
ولا يخاف عقباها."
تناول الطابي هذه القصّة القرآنيّة بالدرس من جانبين اثنين :
- الجانب الأوّل: هو الجمال الفنّي من حيث التعابير وبلاغتها والتراكيب وتناسقها.
-الجانب الثاني: من حيث المضامين والمعاني.
يبدأ الطالبي دراسته للجانب الأوّل(الفني الجمالي) بذكر أنّ هذه السورة جاءت في خمس عشر آية تنتهي كلّ آية منها بالروي (ها)وهي من أجمل صوّر القرآن الكريم فهي بحقّ قصيد منثور أو هي نثر شعري ذات إيقاع منتظم وعلى وثيرة واحدة بجُمَل قصيرة متتاليّة بانتظام و سرعة ممزوجة مع بعض الشجون محدثة في تتصادمها دوّيا مثيرا بفضل الرويّ المتكوّن من حرف الهاء الممدود بحرف مدّ(ها) في كلّ آيات السورة و الذي يستدعي التوقّف ويدفع للتأمّل.
ثمّ إنّ أسلوب تكرار القَسَم وتعاقبه في تَرَاكُم صارم مَهيب يجعل المستمع أو القارئ يتوقّع الإعلان عن حدث "تَرَاجيدي" على غاية من الخطورة وقد يكون مرعبا ويصيب بالحيرة و الترقّب الذي يصل إلى مستوى الكَرَب وتدريجيّا تستبدّ به الحيرة ويكون انتباهه في أوج يقظته ويترقّب الإعلان عن حدث مريع كلّ هذا يجعل المتلقّي في حالة من الانتظار المَهيب. وفجأة ومن الكلمة الأولى أو بمجرّد فتح الستار نجد أنفسنا أمام مشهد آية في الجمال وهو مشهد الشمس التي بَدَأت تنشر ضياء الصباح مَنْبع الدفْء والحياة ثم القسم المزدوج الموصول بالحرف (و)والمكرّر مرّتين متتاليتين يُوحي لنا بأمر خطير وحَدَث جلل عنْدَها تنقسم السورة إلى لوحتين غير متساويتين أمّا الأولى وتتضمّن العَشْر آيات الأولى أي ما يمثّل ثلثي آيات السورة (من والشمس وضحاها.... إلى وقد خاب من دسّاها) وقد جاءت للوعظ والتحذير وتدلّ بوضوح أنّ هذه اللوحة تتضمّن أهمّ ما في الرسالة التي أراد سبحانه تبليغها و هي الحريّة والقدرة التي أعطاها الله للإنسان والتي بها يَقْدر أن يُزَكيّ نفسه أو يُدَنّسها والجزء الأوّل من هذا المشهد الأوّل يتكوّن من رباعيّة من الآيات المتضمّنة للقسم وهي تُشيع في السامعين الرَهْبَة أمّا المشهد الثاني فيتكوّن من ثنائيّة من الآيات تَكْشف لنا الموضوع المُرْتَقَب من القسم والذي بقي معلّقا لفترة طويلة والذي حبس أنفاسنا فَيَنْفجر فجأة في جملتين قصيرتين محكمتين التركيب وبكلمات واضح يسهل ترسيخها في الذاكرة للأبد.
أمّا المحور الثاني فيحتوي على الثلث أخير من السورة(كذّبت ثمود...عقباها) ويتضمّن حكاية أو قصّة متناسقة الأحداث وخاتمة غير متوقّعة بدون شفقة توقّع السامع معها أنّ كلّ شيء انتهى بعد هذه الكارثة التي حلّت بهم والتي قضت على حضارة تميّزت خاصة بالظلم والاستبداد و ذهب بهم ظلمهم إلى حدّ منع الماء عن حيوان هو أساسي في حضارة الصحراء(الإبل) حتى يكونوا عبرة لغيرهم إذ مَنْعُ الماء عن الناقة وعَقْرِها هو بمثابة القضاء على عماد الحياة الصحراويّة وإفساد في الأرض.
بعد هذا الزلزال المَهُول الذي سَوَّى أهل ثمود يبدو لنا أنّ الأمور انتهت لكن ها أنّ مشهدا آخر يبرز بعد أن نزل الستار وهي نهاية غير متوقّعة ولا منتظرة تصير أحداثها أمام الستار وتأتي في جملة قصيرة تنزل بقوّة كالسيف القاطع وهذه الجملة هي التي تعطي المعنى الحقيقي وتفسّر ما دار في هذا المشهد وهي(ولا يخافون عقباها ).
هذه السورة المحكمة البناء والتركيب -بقطع النظر على مضمونها الذي سيأتي في ما بعد – هي بالنسبة للمسلمين عمل فني ويتضمّن مزايا شاعريّة بدون أن تكون شعرا بالمعني الاصطلاحي الأدبي وهذا الفنّ النثري و هذا الأسلوب القرآني الذي لا يمكن أن تُؤتى بمثله نسميه" إعجاز" وهو أسلوب ليس مجرّد تنميق الأدباء والفنّانين بل هو في خدمة مفهوم الاتّصال والتبليغ لأنّ الله يحسن مخاطبة البشر.
هذا من حيث أسلوب صياغة هذه الصورة أمّا من حيث المضمون والمعاني وهو ما سبق أن سميناه الجانب الثاني فإنّ سورة الشمس تتمحور حول ثلاث محاور هي:المحور الأوّل "كوني فضائي" و المحور الثاني "بيئي إكولوجيا" والمحور الثالث أنتروبولوجي
يتبع...
-المحور الفضائي الكوني
هذا المحور "الفضائي الكوني"هو المسيطر في المشهد الأوّل وهو بأكمله مركّز على الوعظ وفي ميدان الوعظ كَوْننا كلّه يُرْمَزُ له ومُجَسَّم بالشمس وهي الشاهد على ذلك.ولا بدّ أن نُذكّر أنّ القرآن هو النصّ المقدّس الوحيد الذي أعطى للمفهوم الفضائي الكوني معنى خاص, له أبعاده وكان هذا غير متوقّع ومفاجئ في الوسط الذي نزل فيه القرآن.

الآيات التي تُرْجِع للفضاء الكوني تعدّ بالآف في القرآن وكلّ هذه الآيات تدعون بإلحاح إلى قراءة العلامات الموجّهة لنا ونحن مَدْعُوّن بدون انقطاع إلى قراءتها وتوضيحها.
فالإنسان في القرآن هو مُتَمَكّن في الأرض وقُدّمتْ له كمَكَان للإقامة فهي بالنسبة له كالأمّ الحَنُون لكن وفي نفس الوقت عيناه معلّقتان في السماء فللإنسان بعد "فضائي كوني" فهو يحمل الكون أكثر ممّا يُحْمَلُ من الكون فالعالم كَامن في شعور الإنسان فهو الذي يفكّر فيه وبتفكيره هذا يجعل الكون موجود فالرباعيّة الأولى من الآيات تضع الإنسان في المحور الفضائي الكوني .فبدون الإنسان هل كان سيوجد الكون ؟ فإذا أخرجنا من حسابنا الملائكة الذين لم يتناولهم العلم إلى اليوم بالدرس والذين إلى اليوم يخرجون عن معارفنا لذلك يبقى الإنسان الكائن الوحيد في الكون ويبقى القرآن هو النصّ الوحيد الذي يوحي بأكوان مشابهة لكوكب الأرض و بأنّ الحياة موجودة في مكان آخر عندما يَذْكر تعدّد مثل الأرض التي نعيش عليها وهذه التعدّديّة التي يرمز لها العدد7كما في الآية12 من سورة الطلاق حيث يقول سبحانه:"الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهنّ يتنزّل الأمر بينهنّ لتعلموا أنّ الله على كلّ شيء قدير وأنّ الله قد أحاط بكلّ شيء علم "
هذه التعدّديّة التي يرمز لها بالعدد "سبعة" لماذا؟إذن نفكّر في تفتّق الحياة أي هنالك احتمال في اكتشاف الحياة في يوم من الأيام في مكان آخر غير هذه الأرض التي نعيش عليها ولكن وإلى أن يُكْتَشَفَ ذلك يبقي الإنسان في عالمنا هو الذي يَحْتلّ مكان له بعد كوني فضائي. فهل الله عندما يحرّض الإنسان على ملاحظة الكون هو يدفعه لتَّمَتُّع بجمال النجوم والكواكب؟ نعم هذا موجود لكن من المؤكّد أنّ الله يفعل ذلك لأمر آخر هام وهو أن يقرأ الإنسان علامات الآفاق.ففي الرباعيّة الأولى من هذه السورة عندما نأخذ الكون كشاهد لنا لا علينا فإنّ الله يُحَمّلنا على المستوى العالمي رسالة فهل نحن كبشر مكلّفون بمأموريّة أو مهمّة فضائيّة عالميّة؟ هذا هو المحتمل والمتوقّع.
هذه الرباعيّة الأولى من هذه السورة صار لها في عصرنا هذا وَقْع خاص وهي التي لم يَكُنْ لها أي صدى في عقول من عاشوا عند نزول القرآن ولا كذلك في عقول من عاشوا منذ عشريات قريبة منّا فباعتماد كلّ التَنْسيب يكون الإنسان غريبا عن الأرض فالحياة وُلدتْ في الآفاق هذا ما تَقْبَلُهُ العقول النظيفة و السَليمَة بدون خَلْفيَات دينيّة وبالاعْتمَاد على مُعْطَيَات علْميّة جديَّة لذلك فليس من باب الشَيْطَنَة أن نَعتقد أنّنا أتينا من مكان آخر لتعمير الأرض في مرحلة أولى والإعداد والاستعداد لمهمّة أوسع خارج هذه الأرض فليس من باب الخيال أن نعتقد هذا لأنّه عندما نجد أنّ الله يأخذ الكواكب كشاهد للتوجّه للإنسان في هذا الكون وهي وجهة نظر لها معنى لا شكّ فيه منذ عشريّة أو عشريتين لكن كَمْ من مرّة حاولوا أن يَسْخَرُوا من القرآن من أجل أنّه يدعو للتوجّه للكون الذي يُقرأ في كثير من الآيات التي تُسمّى فعلا بالكَوْنيّة.
ففي القرآن لا وجود لخرافة المرأة التي خُلقتْ من ضلع آدم وهو نائم كما في "الثورات" لكن نجد أنّ الناس خُلقوا من نفس واحدة وجعل منها زوجها كما جاء في الآية198 من سورة الأعراف حيث يقول تعالى:"هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشاكرين" وتلقّى الأمر بالنزول إلى الأرض يقول تعالى في الآية 24 من سورة الأنعام :" قال اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقرّ إلى حين". لكن لماذا إلى حين؟ من الطبيعي أن مفهوم الموت هو أوّل ما تبادر للذهن إلى أن جاءت محاولة غزو الفضاء وهو الاحتمال الوحيد الذي نتوقّعه ومن يومها لم يعد ممنوعا أن نفكّر في أنّ القرآن يلمّح لخروج الإنسان من مهده التي هي الأرض"عندما يحين ذلك"فهذا ليس من قبيل الكُفْر في الإسلام فالإنسان الذي جاء من السماء له رغبة في الرجوع إلى أصله وفي أن يكتشف الفضاء وأن يعمّره؟ فليس من الجنون أن نفكّر في هذا لأنّ الخيال العلمي غالبا ما يسبق العلم الحقيقي.فشغف الإنسان بالفضاء يمكن تفسيره لكنه غير مبرمج في جيناته وتكوينه البيولوجي الحالي رغم أنّ هذا البرنامج من ناحيّة أخرى يعدّه بولوجيّا مستحيلا لهذه المغامرة لكن الإنسان غير مرغم على التغير البيولوجي للقيام بهذه المغامرة إذ نجد في ما نسميه "الروح الخالد" أين وضع الله شيئا من روحه كما جاء في سورة السجدة الآية 9:" فإذا سَوَيْته فنفختُ فيه من روحي فَقَعُوا إليه ساجدين" أليس هنالك ما يمكن أن يكون على استعداد فالروح ترجع لأمر الله":سورة الإسراء الآية 85:" ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربّي وما أوتيت العلم إلّا قليلا" ولا أحد يمكن أن عرف ما هي الروح ولا وما هي الامكنيات المخفيّة لمعرفتها ؟ فليس هنالك أي بحث ممنوع في القرآن .
فعلا القرآن يقدّم لنا الإنسان على الأرض "مكلّف بمهمّة "ما" مُسْتَحيلة وهذه المهمّة يكتشفها بالتدرّج بقدر تقدّمه في العلوم ومن المنطقي أنّ أسلافنا لم تكن لهم نفس فكرة إنسان اليوم وأنّ إنسان الغد بالتأكيد سيكتشف أكثر من إنسان اليوم ويمكن أن تكون اكتشافاته مختلفة تماما عمّا نعرفه وذلك بعامل تقدّم الاكتشافات وسوف تظهر في كلّ الآفاق وفي كلّ الاتّجاهات والتي لا يمكن اليوم أن نتصوّر الكثير منها في داخلنا وفي كلّ ما يجول حولنا يقول لنا الله في القرآن الكريم أنّ كلّ ما هو داخلنا وكلّ ما هو خارج عنّا مليء بالعلامات وأنّ الإنسان مدعوّ لاكتشافها وقراءتها وجاء هذا في سورة فصّلت الآية 53 إذ يقول تعالى:"وسنُوريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ أَوَلم يَكْف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد"
الإنسان في القرآن مكلّف بمهمّة لكن القرآن لا يدقّق في نوع هذه المهمّة لكنّه وضعها في إطار كوني ويعطيها اسم وهي "الأمانة"هذا اللفظ نجده مرّة واحدة في القرآن حيث جاء في الآية 72 من سورة الأحزاب إذ يقول تعالى:"إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوما جهولا". فكلمة أمانة تتضمّن معنى الثقة وشيء ثمين جدّا يحفظ عند أحد الثقاة وتَحَمُّل الأمانة قد فَزَعَت منها السماوات والأرض و قبلها تلقائيّا من الإنسان وهومخلوق عرضة بطبعه أن ينساق إلى الظلم وإلى كلّ ما يَتَرَشَّحُ عن الجهل فالملائكة عندما أعلمهم الله بمشروعه وهو ائتمان الإنسان على الأرض كان لهم نفس الاعتراض فأجابهم الله في سورة 2 الآية30 إذ يقول تعالى:"وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسدها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون ".والقرآن يقدّم الإنسان كاحتمال أن يكون له "مصير كوني" الذي قد يتجاوز الإنسان بكثير لو أنّ نَظْرتنا للإنسان تقف عند مستوى الظاهر. وفي هذا الخصوص حتى الملائكة التي هي أقرب المخلوقات إلى الله لم يعلمها الخالق بهذا السرّ.
إنّ قراءتنا للقرآن تسمح لنا بأن نفكّر أنّ الإنسان – من أوّل خلقه- كان مؤهّل لمصير كوني وهذا الشعور يدعّمه كلّ ما جاء في القرآن.لقد كلّف بأمانة مُهْلكة تَطَيَّرت منها السماوات والأرض والجبال فما هو المُفْزع أو المَريع في هذه المهمّة؟ فهل هي مختصرة على الأرض؟ هذا السؤال لم يكن ممكن طرحه منذ بعض العشريات لأنّه الجواب يبدو صعب.واليوم هذا هو السؤال المطروح.
لكن ومن الغريب أنّ الله هو الذي يطرح هذا السؤال في القرآن اليوم ولكنّ الله لم يقل للإنسان أنّ الطريق للفضاء مغلقة وكلّ ما قاله له أنّ هذا يتطلّب قدرة(سلطان) يقول الله في الآية 33 من سورة الرحمان:" يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فا نفذوا لا تنفذون إلّا بسلطان" فالله لم يقل أنّ هذا المرور أو النفاذ غير ممكنة لكن نفهم من السياق أنّ هذا النفاذ ليس سهل كذلك.فهذا الموضوع طُرحَ على أنّه تحدّي يمكن كسبه لا على أنّه مستحيل.
فالرجوع للجنّ الذي نجده بكثرة في القرآن يبرز بوضوح أنّنا لسنا المخلوقات الحيّة الوحيدة في العالم والسؤال المطروح هل سنلتقي في يوم من الأيام مع الجنّ ؟وإذا التقينا هل سيكون ذلك للتصادم أم للتعاون؟ هذا ما يمهم من النصّ فهل سيحاول الإنسان الهروب من الفضاء الذي يحيط به فإنّ الله لم يقل لنا أنّ هذا التحدّي مستحيل لكن حذّرنا من أن نظنّ أنّ العمليّة لا تحمّل أخطار إذ قال لنا في سورة الرحمان الآية 35:"يرسل عليكما من نار ونحاس فلا تنتصران" فهل هذا إعلان عن حرب النجوم ؟وإلى حدّ الوقت الذي نحن فيه هذا يشبه الخيال العلمي .أو حلم ممكن تحقيقه؟ أم جنون مرضي.وفي الخلاصة فإنّ سورة الشمس منفتحة بوضوح على الكون الذي ينغمس فيه الإنسان وهذه السورة تشهد أنّه مدعوّ لمواجهته. وبالاعتماد على كلّ ما ذكرناه نستنتج أنّ هذا لا يمكن أن يكون مجرّد صدفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.