بقلم: جيهان لغماري لعلّ الملاحظة البارزة التي تجلب الانتباه منذ اغتيال البراهمي واندلاع الاحتجاجات ودعوات إقالة الحكومة ثمّ بداية الاستعراضات الشارعيّة ووصولا إلى مبادرة الرباعي، هي أنّ كل الفرقاء على اختلافهم الدائم، اتفقوا على أنّ كلمة لا«ما تْجِيبْ بلاء». إنهم يُنشدون بصوت واحد: خذوا «لا» على الحساب في انتظار إيجاد الأسباب!.هذا الأسلوب معيب حين يصدر عن النُّخْبَة، إذْ من غير المعقول أنْ تُخالفَ المسارَ الاعتيادي لأية إجابة والتي تبدأ موضوعيا بمناقشة المسألة المعروضة فقراءة تأويلاتها وتبِعاتِها الممكنة ثم القرار كتتويج لهذا الجهد التحليلي. عندنا فقط، أصبح هذا المسار يمشي على رأسه فأحزابنا تقرّر أوّلا ثم تبحث عن أسباب مقبولة لقرارها وقد لا تجدها فتكتفي ب«لا». لِمَ شيطنة الآخر؟، فالفرقاء بعد أن قبلوا مرغمين مبادرة الاتحاد حتى لا يُتَّهَموا برفضهم الحوار ورغم رفْعهم مبتسمين جَزَرَةَ ال«نَعَمْ»، حافظوا على عصا ال«لا» في كلّ مواقفهم. ربما (للتأكيد هذه المرة)، اعتبروا الحوار مجرّد لعبة على الطريقة البافلوفيّة يتلهّون بها في انتظار لعبة أكثر إثارة وخاصة إطالة!. فإذا ما قالت النهضة نعم، صاحت الجبهة الشعبية لا!، وإذا صمتت الجبهة وقَبِلَ النداء و«توابعه»، رفضت النهضة و«مشتقّاتها»!، حتى تأكد لنا أنّ طرفيْ النزاع وفي انتهازية ممجوجة، يعرفان مسبقا أنّ ال«لا» ستُجابَه بنعم والعكس صحيح في تناغم تام لرغبتهما في إدامة الوضع الحالي وتلذّذ المشي على حافة الهاوية. إنهما يعتقدان ببلاهة لا تليق بالسياسيّين أنّ عليهما كسب معركة الانتظار وإطالتها بصبر أيوب لأنّ أحدهما سينتهي به المطاف إلى الهاوية ليحتفل الآخر ببقائه منفردا دون منافس مع أنّ الاستنتاج الموضوعي يؤكّد أنّ تغييبَ أيّ طرف هو الهاوية بعينها لا للطبقة السياسية فحسب بل لكل مؤسسات الدولة بتفاقم الانفلاتات الاجتماعية والأمنيّة التي ستؤدّي بنا مباشرة إلى «الصَّوْمَلَة» و«البَلْقَنَة» وقد أخذَتْنا في «بروفة» نوفمبر 2012 إلى «السَّلْيَنَة» بالرَّشّ!. (يُقال سَلْيَنَ يُسَلْيِنُ سَلْيَنَةً وسليانة. فلان سَلْيَنَ السياسةَ أي أفسدها. أمّا إذا ربطنا هذا المفهوم بأعضاء الجسم، فيقال سَلْيَنَ العَيْنَ أي أفقدها بصرها أو كاد، وسَلْيَنَ اليدَ أي زَخْرَفَها بالوشم الأحمر، وسَلْيَنَ الساقَ أي ثَقَبَها وأعاقها، وسَلْيَنَ الصدرَ أي انتقم منه وشوّهه. التونسية 30 نوفمبر 2012 وكل الحقوق محفوظة لمن لم يفهم بالتلميح!). الخوف عند الإنسان غريزي ولا جدال في ذلك، لكنه يصبح إعاقة سياسية لا تليق بالمتلهّفين ظاهريا على خدمة الشأن العام. النهضة لها «الجِبْهَفوبيا» واليسار له عقدة «الاسلامُفوبيا» والدساترة لهم «الثواروفوبيا» والقوميون لهم «البورقيبوفوبيا»، أمّا الشعب المسكين فله «الخُبزوفوبيا» لا يستثني هنا من النخبة أحدا من نهضتهم وجبهتهم وندائهم وجمهورييهم وقومييهم ودستورييهم وطبعا ،كلّ ملحقاتهم من الحوانيت الميكروسكوبية المعروضة للكراء حسب الطلب! هذه «الفوبيا» هي نتيجة لترسّبات قديمة بين كل الأطراف، لكنها أصبحت اليوم عائقا مركزيا يمنع حلحلة الأمور. النهضة مع أنها في الحكم، تدّعي خوفها من استئصالها( ربما من محاسبتها على هذه المرحلة!) فتفتح الأقواس الاعتراضية لتمييع أصل المشكلة وتستعير في خطإ فادح أسلوب النظام السابق في تشويه المعارضين. الجبهة الشعبية قالت على لسان ناطقها حمّة «هاني نتبّع في السارق للدّار!» وهذا دليل شاف على دخول الحوار بريْبة مُسْبقة. الحقيقة المُغَيَّبة عند الفرقاء ليست فقدان الثقة بينهم فقط ولكن اشتراك الكلّ في «فوبيا» فقدان القواعد باستقالات في النهضة والنداء والجمهوري والجبهة وعندما يفشل القياديّون التاريخيّون في إقناع أتباعهم بأنّ تونس للجميع على قاعدة الحد الأدنى المشترك بعيدا عن وهم امتلاك الحقيقة المطلَقة، عليهم بترك أماكنهم للمُجدّدين في أحزابهم، سيتّفقون ولو بعد «فوبيا» 14 و17 ديسمبر القادميْن!.عكس ذلك، سيكون ديسمبر وجانفي التاريخيان محرقتيْن للجميع وتلك نتيجة كلّ من يتناسى «الشَّعْبوفوبيا»!