«حركة «النهضة» قدمت الكثير وتنازلت عن الحكم من أجل البلاد وليس لانها فشلت... وما قدمته من اجل الخروج من الأزمة لم يقدمه اي حزب سياسي في العالم وهذا بشهادة كل الدنيا... نكبتنا في النخبة السياسية التي تتخاصم من اجل مصالح فئوية وشخصية وحزبية بعيدا عن مصلحة تونس التي نراها في «النهضة» اكبر من كل ما سواها ولذلك فان ما قدمناه لا نعتبره في حزبنا وحركتنا منّة على شعبنا... تونس تتسع للجميع وهي درّة علينا ان نحافظ عليها جميعا بالتوافق وباحترام ارادة الشعب التي يعبر عنها عبر صناديق الاقتراع... وضعنا الاقتصادي والاجتماعي الآن صعب وللأسف فان مفتاح الحل سياسي... وبمثل نكسة النكبة في فلسطين فان الانقلاب في مصر يعيدنا 50 سنة الى الوراء». هذا بعض ما جاء على لسان الأمين العام لحركة «النهضة» حمادي الجبالي خلال حضوره عشية أمس أمسية سياسية نظمها مكتب الاطارات لحزب حركة «النهضة» بصفاقس وهي أمسية كان من المنتظر ان يحضرها الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة ويقدم خلالها آخر مستجدات الوضع السياسي بالبلاد لكنه استحال عليه الحضور بسبب مواضيع الساعة ومن بينها الحوار الوطني ليعوضه الامين العام للحركة حمادي الجبالي. وبعد تمهيد من عضو مجلس الشورى عارف معالج في كلمته الافتتاحية التي بين فيها حرص «النهضة» على التواصل مع الجميع بمن في ذلك النخب والاطارات باعتبارها تؤمن بالدور الريادي للنخب تحدث الامين العام للحركة حمادي الجبالي بنبرته الهادئة المميزة وان كان فيها الكثير من التمسك بالثوابت وليس اقلها التاكيد على التصدي لكل من يفكر في استنساخ الانقلابات التي تمثل عهود الظلمة ولا تنسجم مع طموح وارادة الشعب التي عبر عنها في ثورة البلاد العظيمة من 17ديسمبر 2010 الى 14 جانفي 2011. وقال الجبالي انها ثورة ضد التسلط والاستبداد والظلم والتفاوت الاجتماعي وهي ثورة من اجل مطالب عادلة منها الحرية والكرامة والعدالة بين الاشخاص وبين الجهات. وانتقد حمادي الجبالي ما وصفه بالتآمر غير المباشر على الثورة من خلال السعي الى الايهام بأن الشعوب العربية لا يمكن ان تحقق التقدم وتبني الاقتصاد إلاّ في ظلّ أنظمة دكتاتورية بدليل ان نتائج ثورات دول الربيع العربي لم تجلب الى الآن سوى الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وقال بوضوح انه حيثما توجد الدكتاتورية وتغيب الحريات يتواجد الظلم ويتفشى الفساد ويزدهر التفاوت الاجتماعي والقلق والاحساس بالمرارة والتهميش. وانتقد حمادي الجبالي دور النخبة السياسية في البلاد قائلا انها تريد الاستفراد بمصير البلاد وانها ترفع رايات حزبية وشعارات ايديولوجية وهي تتخاصم وتعطل البلاد وتضعها على حافة المجهول من اجل مصالحها ومواقعها ورموزها وهي كأنها بذلك تريد ان تاخذ البلاد رهينة في حين ان الشعب والرأي العام ملاّ الصراعات السياسية بين الاحزاب والحوار الوطني طال وتمطط وتعقد بسبب المصالح الحزبية الضيقة. وقال ان ذلك يقدم صورة سيئة عن الربيع العربي واستدرك ان تونس تبقى أمل الجميع وأمل شعوب العالم في تقديم صورة جيدة عن الربيع العربي الذي خرج فيه الشعب لينادي بالحرية والكرامة والعدالة. وأضاف أنّ من مصلحة الغرب أن تكون تونس دولة ديمقراطية ودولة سلم ونماء وتقدم خاصة أنّها بطبيعتها دولة اعتدال ووسطية وأن تعدّد الاحزاب والانتماءات والافكار والرؤى ليس مشكلا بل هو دليل ثراء وتنوع وأن بلادنا من هذا المنظور لا يمكن ان تحكم إلا بالتوافق والوفاق. ثم تحدث الجبالي عن التضحيات الكبيرة التي قدمتها حركة «النهضة» من اجل الخروج من المآزق التي يفتعلها البعض وقال ان ما فعلته «النهضة» هو من أجل شعبها وبلدها واضاف ان ما قدمته «النهضة» وبشهادة كل العالم لم يقم به أي حزب سياسي في العالم وهو التنازل عن السلطة رغم ان مجيئها كان عبر صناديق الاقتراع. وأضاف أنّ «النهضة» هي الطرف الوحيد الذي قبل بالخروج من الحكم من اجل تونس مع ان شكل الحكم كان في إطار «ترويكا» ولم يخرج شريكاها وقال حمادي الجبالي انه استقال من رئاسة الحكومة وانتقد الحركة وقيادييها في الداخل والخارج ولكنه يرى بصراحة ان ما قدمته «النهضة» من اجل الخروج من الازمةلا يمكن لأحد أن يقدّمه. وعلى صعيد آخر شدّد حمادي الجبالي على ان قبول «النهضة» بالتنازل عن الحكم ينبغي ان يكون دافعا للجميع للعمل في اطار الشرعية القائمة ولا سيما المجلس الوطني التاسيسي الذي يبقى مؤسسة شرعية قائمة لا بد من الحفاظ عليها باعتبارها منبثقة عن ارادة الشعب التي عبر عنها عبر صناديق الانتخاب. وقال انه من المطلوب التمشي التوافقي الذي تؤازره الشرعية الانتخابية وأضاف انه من المطلوب لنجاح الحوار الوطني أنّ تكون برامج كل الحكومات التي تأتي لخدمة البلاد من دون حسابات سياسية وان تكون حكومة توافق وبكل ابناء تونس وان تعمل بمنطق «أنا وأنت وليس بمنطق أنا أو أنت» وتحدى الجبالي من يفكر في الانقلابات باعتبارها لا تجلب سوى الفوضى وهي تعود بأيّة دولة الى الوراء مشيرا إلى أنّ الانقلاب في مصر فاشل وإلى أنّه أعادها 50 سنة الى الوراء ونكسته في مثل مرارة نكبة فلسطين. ولفت حمادي الجبالي الى ان من الاولويات التي تحتاجها البلاد الاولوية الاقتصادية والاجتماعية والعمل على ردم الهوة بين الجهات وتحقيق التنمية والشغل والكرامة وكذلك اولوية الامن والتصدي لمن يرفع السلاح في وجه الدولة ومن يهدد التونسي في امنه واستقراره. وقال حمادي الجبالي ان الوضع الامني خطير وأنّ محاصرته ينبغي ان تكون بالقانون وبالتوعية وبتحقيق التنمية والنهوض الاقتصادي لا سيما أنّ العنف والجريمة والسلاح والارهاب لا يمكن أن تعشّش إلاّ في بيئة ارضيتها الظلم والتسلط والاستبداد والفقر والتهميش وقال حمادي الجبالي انه ينبغي التاسيس لثقافة احترام القانون والابتعاد عن ثقافة الخوف وأنّ مواجهة الإرهاب تكون بالقانون والتوعية والعدالة الاجتماعية. وجدد حمادي الجبالي التاكيد على ان تونس درة وجميلة وتتسع للجميع وأنها ملك الجميع ولا يمكن ان تبقى أسيرة نخبها السياسية. هذا ونشير إلى أن حمادي الجبالي تلقى ارسالية قصيرة على هاتفه الجوال خلال آخر الاجتماع بخصوص الإسمين المتبقيين لرئاسة الحكومة المستقلة وهما مهدي جمعة وجلول عياد وقد تحدث الجبالي الى الصحفيين عن صعوبات أجواء الحوار الوطني وتوقف عند الدور السيء ل«نداء تونس» و«الجبهة الشعبية» معتبرا أنّ تعطل الحوار الوطني كان بسبب حركة «نداء تونس» و«الجبهة الشعبية» واعتبر ان لحركة «نداء تونس» أجندات أخرى وأن «الجبهة الشعبية» لا تؤمن بالانتخابات ولا تريدها ودعا الحزبين الى تحمل مسؤوليتهما ومراعاة مصلحة البلاد مؤكدا ان حركة «النهضة» برهنت على استعدادها للخروج من الحكم واثبتت جديتها.